Web Hits مقالات مركز الإسلام | موقع مختص بالتعرف بالإسلام وتعليم مبادئ الدين الحنيف ( عقيدة - صلاة - زكاة - صوم - حج - عمرة - السيرة النبوية ) على ما جاء في القرآن والسنه http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/69.html Mon, 28 Dec 2020 14:06:36 +0000 Joomla! 1.5 - Open Source Content Management ar-dz تاريخ الصحابة http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/69-2013-01-08-06-56-02/464-2013-01-10-09-33-49.html http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/69-2013-01-08-06-56-02/464-2013-01-10-09-33-49.html Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4

تاريخ الصحابة

الخطبة الأولى:

الحمد لله مُعزِّ التوحيد وأهله مُذِلِّ الشرك وحزبه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71 ].

معاشر المسلمين:

في هذا العصر تشتدُّ المِحَن على أمتنا، وتزداد المصائب على كثير من إخواننا مما لا يخفى على صغيرٍ فضلًا عن كبير.

إخوة الإسلام:

إن الأمة الإسلامية - وهي تُعانِي أقاسي المِحَن وأشد الفِتَن - لفي أشد الحاجة إلى أن تتعرَّف على التأريخ المجيد لسَلَفِنا الصالح - رضوان الله عليهم - ذلك التأريخ الذي يحمل في مضامينه ما يُعينُ الأمةَ على مواصلة رحلتها في الحياة على منهجٍ صحيحٍ وهديٍ رشيد، إنه التأريخ الذي يُغذِّي الأرواح، ويُهذِّب النفوس، ويُنوِّر العقول، ويُقدِّم الدروسَ والعبرَ مما فيه شحذُ الهِمَم وتقويةُ الإرادة، وتصميمُ العزم، وإعدادُ الأمة وتأهيلُها لمدارج العز، ومواطن النصر، وأسباب التمكين.

إخوة الإسلام:

في عهد الخليفة الراشد عمرَ الفاروقِ - رضي الله عنه - تتواصل الفتوحات الخيِّرة التي تحمل السعادة لبني الإنسان، والأمن بشتى صوره لجميع الأنام، وكان من طلائع هذه الفتوحات فتوحاتُ الشام، والتي يأتي على رأسها فتحُ المقدس وفتح القدس في العامِ السادسَ عشرَ.

معاشر المسلمين:

لقد حمل هذا الفتح دروسًا عظيمة وعبرًا جليلة، فمن هذه الدروس أن المسلمين يجب عليهم الاعتزازُ بدينهم، والثقة بربهم وتحقيق التوحيد، والتوكل عليه وإخضاع حياتهم كافةً لتقوى الله وطاعته، وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فهذه قاعدة العز وأصل التمكين، وأساس النصر والتأييد، وسبب دفع المثُلات ورفع البلايا.

بعد أن تولى عمر - رضي الله عنه - أمَّر معاويةَ بن أبي سفيانَ - رضي الله عن الصحابة أجمعين - وكتب له: «أما بعد، فقد ولَّيتُك قيسارية فسِرْ إليها، واستنصِرْ عليهم بالله، وأكثِر من قول: لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله العلي العظيم».

وهم يعرفون المعنى العظيم الذي تحمِلُه هذه الكلمة، ومن تمام الكتاب: «الله ربُّنا وثِقَتُنا ورجاؤنا ومولانا، فنِعم المولى ونِعم النصير» فسار إليها معاوية - وهو يحمِلُ هذه المعاني العظيمة - فحاصَرَها وفَتَحَها الله عليه.

ولما قدِمَ عمرُ الشام في أثناء هذه الفتوحات راكبًا على حماره ورجلاه من جانب، فقال له أبو عبيدة - رضي الله عنه -: «يا أميرَ المؤمنين! الآن يتلقَّاك عظماءُ الروم»، فقال عمر قولته المشهورة: «إن الله أعزَّكم بالإسلام، فمهما طلبتم العزَّ في غيره أذلَّكمُ الله»، ثم خَطَبَ خطبته العظيمة المُوجَزة في ألفاظها، الغنية في معناها، وفيها: «ومن كان فيكم تسرُّه حسنتُه، وتسوؤُه سيئتُه فهو مؤمن» فهذا شعار المجتمع المسلم.

وكتب الفاروق - أيضًا - إلى أبي عبيدةَ يحرِّضه على الجهاد في أثناء هذه الفتوحات، فيقول : «سلامٌ عليكم، فإني أحمدُ الله سرًّا وعلانية، وأُحذِّركم من معصية الله، وأُحذِّركم وأنهاكم أن تكونوا ممن قال الله فيهم: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 24 ]، وصلَّى الله على خاتم النبيين وإمام المرسلين، والحمد لله رب العالمين» كتابٌ يسيرٌ عظيمٌ، فلما قُرِئَ على المسلمين لم يبقَ أحدٌ إلا بكى من كتاب عمر.

وكان مما كتبه - أيضًا - إلى سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - ومن معه من الأجناد يُوصيه فيقول: «أما بعد، فإني لآمرُك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال؛ فإن تقوى الله أفضلُ العُدَّة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب، وآمُرَك ومن معك أن تكونوا أشدَّ احتراسًا من المعاصي من احتراسكم من عدوكم؛ فإن ذنوب الجيش أخوفُ عليهم من عدوهم، وإنما يُنصَر المسلمون بمعصية عدوهم لله».

وها هي كتب السِّير تُحدِّثُنا عمن اختار هذا المنهج منهجًا له في حياته: عن صلاح الدين أنه كان في غزواته يتصدَّق ويُخفِي صَدَقَته، ثم يقول في سجوده: «إلهي قد انقطعت أسبابي العرضية من نصرة دينك، ولم يبقَ إلا الإخلاصُ إليك، والاعتصام بحبلك، والاعتماد على فضلك، أنت حسبي ونِعمَ الوكيل»، قال أحد العلماء: «وقد رأيته ساجدًا ودموعه تتقاطَرُ على شيبته، ثم على سجادته».

إنهم قومٌ تكلَّموا قليلًا وعمِلوا كثيرًا، وصَدَقوا وأخلَصوا، فأورثهم الله عِزَّ الدارين وفلاحهما، فيا تُرى أين الأمةُ اليوم من هذا النهج الرشيد والمسلك السديد؟!

إن الإجابة لا تخفى على عاقل، ولا تغيب إلا عن غافل، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فأين الطرحُ السياسي أو الإعلامي، أو الثقافي أو الفكري الذي ينادي الأمة اليوم بما نادى به عمر وأصحابه من صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن تَبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين؟!

إخوة الإسلام:

من هذه الدروس الميمونة والعِبر المباركة: أن الأمة المحمدية من سِمَاتها وعناصر وجودها أنها أمةٌ تُؤثِرُ الآخرةَ على الدنيا، ليست أمةَ ترفٍ ولا بَذَخٍ، ولا لعبٍ ولا لهو؛ بل أمةٌ تعيشُ همًّا ساميًا ومعنىً راقيًا هو تحقيق العبودية لله، وإخلاص التوحيد له - عزَّ شأنه - وإصلاحُ هذه الدنيا لتكون مَعبرًا للآخرة الباقية؛ فليست الدنيا هي الهدفَ كما عليه كثيرٌ من الأمة اليوم.

لما قدِمَ عمر الشام قال لأبي عبيدة - رضي الله عن الجميع - وهو قائدٌ من قادة الفتوح - فتوح الشام -: «اذهب بنا إلى منزلك»، قال: «وما تصنع عندي يا عمر؟ ما تريد إلا أن تعصِر عينيك عليَّ - أي: تبكي - قال: «فدخل فلم يرَ شيئًا، قال: «أين متاعك يا أبا عبيدة؟ لا أرى إلا لبدًا وصحفةً وشنًّا، وأنت أمير أعندك طعامٌ؟»، فقام أبو عبيدة إلى جونة - أي: سلة - فأخذ منها كسيرات، فبكى عمر، فقال أبو عبيدة: قد قلتُ لك: إنك ستعصِر عينيك عليَّ يا أمير المؤمنين، يكفيك ما يُبلِّغك المقيل، ثم قال عمر، عمر - وهو من هو في زُهده وتقشُّفه وورعه - قال عمر: «غيَّرَتنا الدنيا كلنا غيرك يا أبا عبيدة».

إنهم أمة لا يعملون للدنيا ولا رئاساتها ومناصبها ولا لزخارفها وحطامها وبهارجها - كما هي الحال اليوم -، فهذا سيفُ الله المسلول: خالد بن الوليد يعلم بأول كتابٍ وصل إلى الشام من عمرَ إلى أبي عبيدة يحمل نبأ وفاة الصدِّيق - رضي الله عنه - والثناءَ عليه من عمر وتولية أبي عبيدة على الشام، ويحمِل هذا الكتاب عزلَ خالد والحرص على تقريبه، وأنه لا غنى لأبي عبيدة عنه، فلما علِمَ خالدٌ دخل على أبي عبيدة وحاوَرَه محاورةً عظيمةَ الأدب، جليلةَ المقدار، تحمِل الإخلاص العظيم والصدق التام، فقال له: «يغفر الله لك يا أبا عبيدة، أتاك كتابُ أمير المؤمنين بولاية فلم تُعلِمني وأنت تُصلِّي خلفي والسلطانُ سلطانُك»، فقال له أبو عبيدة: «وأنت يغفر الله لك يا خالدُ، ما كنتُ لأُعلِمَك ذلك حتى تعلمه من عند غيري، وما كنتُ لأكسِرَ عليك حربك حتى ينقضي ذلك كله، ثم قد كنتُ أُعلمك - إن شاء الله»، يقول أبو عبيدة: «وما سلطان الدنيا أريد، وما للدنيا أعمل، وإن ما ترى سيصير إلى زوالٍ وانقطاعٍ، وإنما نحن إخوان وقُوَّام بأمر الله، وما يضر الرجل أن يلي عليه أخوه في دينه ولا دنياه، بل يعلم الوالي أنه يكاد أن يكون أدناهما إلى الفتنة وأوقعهما في الخطيئة لما يعرض له من الهلكة إلا من عَصَم الله، وقليلٌ ما هم».

ودفع أبو عبيدة كتاب عمر إلى خالد، ماذا كان من خالد؟ عمِلَ تحت إمرة أبي عبيدة نحوًا من أربع سنين فلم يُعرف أنه اختلف عليه مرةً واحدةً؛ بل إنه أجابَه إلى مهمةٍ قتاليةٍ شديدةٍ، فقال له خالد: «أنا لها إن شاء الله»، فقال أبو عبيدة: «استحيَيْتُ منك يا أبا سليمانَ»، فقال خالد: «ولو أُمِّر عليَّ طفلٌ صغير من قِبَلِ وليِّ الأمر لأطيعنَّ له، فكيف أخالفُك وأنت أقدمُ مني إيمانًا وأسبقُ إسلامًا، وسمَّاك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بـ (الأمين)؟ ثم أشهَده خالدٌ على نفسه بأنه جعل نفسَه حبسًا في سبيل الله وعلى عدم مخالفته أبدًا.

رضي الله عن الفاروق حينما كتب إلى الأمصار: «إني لم أعزل خالدًا عن سخطة ولا خيانة، ولكن الناس افتَتَنوا بخالد، فخِفتُ أن يُوكَلوا إليه، وأن يُبتلوا به».

إنها مدرسة التوحيد التي تلقَّاها صحابةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مُعلِّم التوحيد - عليه الصلاة والسلام - ثم قال له: «والله يا خالدُ إنك عليَّ لكريم، وإنك إليَّ لحبيبٌ»، وقال مُتمثلًا: «صنعت فلم يصنع كصنعك صانعٌ، وما يصنع الأقوام فالله يصنع».

ولما ولَّاه أبو عبيدة بعد زمنٍ من عزله قنِّسرين، قال عمر - أي: بعد أن فتحها خالد - قال له عمر: «أمَّر خالدٌ نفسَه، أمَّر خالدٌ نفسَه، رحِمَ الله أبا بكر، رحِمَ الله أبا بكر؛ هو كان أعلم بالرجال مني»، وخالد يقول في حق عمر: «كان عمر يريد اللهَ بكل ما يفعل و يصنع»، ولا غَرْوَ فهُم صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك المدرسة التي تُؤتِي ثمارها الطيبة في كل حين.

فمن مدرستهم وآثارها الخَيِّرة: ما ذكره المؤرخون أن صلاح الدين - وهو من هو في الفتوحات الإسلامية العظيمة - لم يترك في خزائنه من الذهب سوى دينارٍ واحد وستةٍ وثلاثين درهمًا، ولم يترك غيرها من الدور والعقار.

إنهم رجال أُقيمت حياتهم تحت ميزان الشرع، وتحقيق التقوى والخضوع للمولى، رجالٌ ارتبطوا بالله - جل وعلا - واعتزُّوا بدينه، وانتصروا بالتوكُّل عليه، فأين حال الأمة اليوم، وما يحصل من التنازع والتدافُع على السلطة وعلى الرئاسة مما لا يجهله أحد؟!

كان عُبادة بن الصامت على ميمَنة جيش المسلمين في حصار قيسارية فقام واعظًا وقال: «يا أهلَ الإسلامِ إني كنت من أحدث النُّقَباء سنًّا وأبعدهم أجلًا، وقد قضى الله أن أبقاني حتى قاتلتُ هذا العدد معكم، والذي نفسي بيده؛ ما حملتُ قطُّ في جماعة من المؤمنين على جماعةٍ من المشركين إلا خلّوا لنا الساحة، وأعطانا الله الظَّفَر عليهم، فما بالُكم حملتم على هؤلاء فلم تزيلوهم؟»، ثم بيّن لهم ما يخشاه منهم فقال: «إني - والله - لخائفٌ عليكم خصلتين أن تكونوا قد غلَلتم، أو لم تُناصحوا الله في حملتكم عليهم»، فتحقّق لهم النصر والظفَر بالصدق والإخلاص، وصدق العزيمة وقوة الإرادة، والمحبة الصادقة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -.

من هذه الدروس: أن المسلمين المؤمنين المُوحِّدين لا يأسَ عندهم ولا يُساوِرُهم قُنوطٌ أبدًا ما دامُوا مُعتصِمِين بالله مُتوكِّلين عليه؛ بل يعلَمون أن ظلام الليل يعقُبُه نورُ الصباح، وأن العُسْر يتلُوهُ اليُسْر، وأن الكرب يعقبه الفَرَج؛ فهم مهما اشتدَّت بهم الكُرَب وعَلَتهم المِحَن، فهم بإيمانهم أقوياء، وبتوكُّلهم على ربهم أشدَّاء.

كتب عمرو بن العاص إلى عمر عند فتح القدس يُخبِره ويستشيره بوضع قائد الروم وما هو عليه من الدهاء والنكاية بأعدائه، ووصف أن له جندًا عظيمة في فلسطين وبإيليا، فقال عمر - رضي الله عنه - كلمته الشهيرة التي تنمُّ عن ثقةٍ بالله - جل وعلا -: «قد رَمَيْنا أرطبون الروم - أي: قائدهم - بأرطبون العرب، فانظروا عما تنفرج»، فكانت المعركة التي انتصر فيها عمرو على الروم، والتي مهَّدَت الطريق إلى فلسطين.

ولتتذكَّر الأمة الإسلامية أن المسجد الأقصى مَكَثَ في الاحتلال الصليبي الحاقد قُرابة اثنتين وتسعين عامًا حتى تمَّ فتحُه بحمد الله - جل وعلا - على يد صلاح الدين بفضل العودة لدين الله، والتوكُّل عليه وتحقيق التوحيد الخالص له، فاستبشَر الناس من قبل فتح بيت المقدس بكل خير؛ بسبب ما رَأوْا من تغيُّر أحوال الأمة، وعودتها الصادقة لله - سبحانه - حتى قال ابن الزكِيّ - وهو عالمٌ - قال مُتفائلًا: «وفتحُكم حلبًا - يخاطب صلاحًا - وفتحُكم حلبًا بالسيف في صفر مُبشِّرٌ بفتوح القدس في رجب».

وقد صدَّق الله - جل وعلا - فَأْلَه، وفُتحتِ القدس في رجب في ثلاث وثمانين وخمسمائةٍ للهجرة؛ فاتقوا الله - أيها المؤمنون - واسلُكُوا هذا النهج الرشيد تُفلِحوا في الدنيا والآخرة.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه.

أما بعد، فيا أيها المسلمون:

أوصيكم ونفسي بتقوى الله - جل وعلا - فهي وصيةُ الله للأولين والآخرين.

أيها المسلمون:

إن أخطر ما يفتِك بالأمة اليوم: تفرُّقُ الكلمة وتمزُّق الصفّ، فها هي نصوصُ الوحيَيْن متواترةٌ على وجوب أصل الوحدة والاتحاد على التوحيد والتقوى، وتحريم التفرُّق والاختلاف، ولنتذكَّر أن المسلمين الأوائل في كل محنةٍ وعند وقوع الشدائد يحرِصون على الاتحاد، ويتمسَّكون بجمع الصف.

وها هو أحد الفقهاء المحقِّقين الفقيه عليّ بن طاهر السُّلمي الدمشقي الشامي يُوجِّه رسالةً - بعد سقوط بيت المقدس عام اثنين وتسعين وأربعمائة - في كتابه المعلوم: «الجهاد»، ومُفاد هذه الرسالة: «إن لم يتناس - كأنه يخاطب حكام المسلمين اليوم ويُخاطِب مجتمعاتهم - إن لم يتناسَ الحكام المسلمون أحقادهم وخلافاتهم، فإنهم لا يزالون على جاهلية غير مُقتدين بالمثل النابع من التراث: عند الشدائد تذهب الأحقاد».

وصدق الله - جل وعلا - إذ يقول: {وَأَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46 ].

ثم إن الله - جل وعلا - أمَرَنا بأمرٍ عظيم ألا وهو: الصلاة والسلام على النبي الكريم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا ورسولنا محمد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، ومن تَبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك يا أرحم الراحمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم عليك بأعداء المسلمين، اللهم عليك بأعداء المسلمين، اللهم عليك بأعداء المسلمين، اللهم لا تجعل لهم راية، اللهم لا تجعل لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم عبرةً وآية.

اللهم وفِّق المسلمين لما فيه صلاحُ دينهم ودنياهم، اللهم وفِّق المسلمين جميعًا لما فيه صلاح دينهم ودنياهم، اللهم وفِّقهم للتوحيد الخالص، واتباع السنة يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم وفِّق خادم الحرمين الشريفين لما تحب وترضى، اللهم ولِّ على المسلمين خيارَهم، اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم، اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات الأحياءِ منهم والأمواتِ.

{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } [البقرة: 201 ].

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، اللهم أنزِل علينا الغيث، اللهم أنزِل علينا الغيث، اللهم أنزِل علينا الغيث، اللهم اسقِنا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اسقِنا يا غنيُّ يا حميد، اللهم اسقِنا يا غنيُّ يا حميد، اللهم اسقِنا يا غنيُّ يا حميد، اللهم اسقِنا يا غنيُّ يا حميد؛ لا غنى لنا عن فضلك يا ذا الجلال والإكرام، يا أرحم الراحمين.

عباد الله:

اذكروا الله ذكرًا كثيرًا، وسبِّحُوه بُكرةً وأصيلًا.

]]>
es.islamcenter@gmail.com (mona) الصحابة Thu, 10 Jan 2013 09:33:22 +0000
نبذة يسيرة من سيرة عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- (2) http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/69-2013-01-08-06-56-02/463--2.html http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/69-2013-01-08-06-56-02/463--2.html نبذة يسيرة من سيرة عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- (2)

ثالثاً: موقفه الحكيم في تثبيته الناس على بيعة أبي بكر -رضى الله عنه-

عقب وفاة النبي –صلى الله عليه وسلم-  «اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقالوا: منا أمير ومنكم أمير، فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح، فذهب عمر يتكلم، فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول: واللَّه ما أردت بذلك إلا أني قد هيأت كلاماً قد أعجبني، خشيت أن لا يبلغه أبو بكر، ثم تكلم أبو بكر، فتكلم أبلغ الناس، فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء، فقال حباب بن المنذر: لا واللَّه لا نفعل، منا أمير ومنكم أمير، فقال أبو بكر: لا، ولكنا الأمراء، وأنتم الوزراء، هم أوسط العرب داراً، وأعربهم أحساباً، فبايعوا عمر، أو أبا عبيدة، فقال عمر: بل نبايعك أنت، فأنت سيدنا وخيرنا، وأحبنا إلى رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- ، فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس»([26]).

فرضي اللَّه عن عمر وأرضاه، فإنه عندما ارتفعت الأصوات في السقيفة وكثر اللَّغَطُ، وخشي عمر الاختلاف، ومن أخطر الأمور التي خشيها عمر أن يُبْدأ بالبيعة لأحد الأنصار، فتحدث الفتنة العظيمة؛ لأنه ليس من اليسير أن يبايع أحد بعد البدء بالبيعة لأحد الأنصار، فأسرع عمر -رضى الله عنه- إخماداً للفتنة، فقال لأبي بكر: ابسط يدك، فبسط يده فبايعه، وبايعه المهاجرون، ثم الأنصار([27]).

وعندما كان يوم الثلاثاء جلس أبو بكر على المنبر، فقام عمر فتكلم قبل أبي بكر، فحمد اللَّه وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أيها الناس، إني كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت، وما وجدتها في كتاب اللَّه، ولا كانت عهداً عهده إليّ رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-، ولكني قد كنت أرى أن رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- سيدبر أمرنا، يقول: يكون آخرنا، وإن اللَّه قد أبقى فيكم كتابه الذي به هدى اللَّه رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فإن اعتصمتم به هداكم اللَّه لما كان هداه له، وإن اللَّه قد جمع أمركم على خيركم صاحب رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-، ثاني اثنين إذ هما في الغار، فقوموا فبايعوه، فبايع الناس أبا بكر بيعته العامة بعد بيعة السقيفة([28]).

فكان عمر -رضى الله عنه- يذود ويقوي، ويشجع الناس على بيعة أبي بكر حتى جمعهم اللَّه عليه، وأنقذهم من الاختلاف والفرقة والفتنة.

فهذا الموقف الذي وقفه عمر مع الناس من أجل جمعهم على إمامة أبي بكر، موقف عظيم من أعظم مواقف الحكمة، التي ينبغي أن تسجل بماء الذهب من مواقف عمر الحكيمة.

رابعاً: موقفه الحكيم في إصلاح الأهل قبل الناس:

كان عمر -رضى الله عنه- مع أهله قوياً، فكان إذا أراد أن يأمر المسلمين بشيء أو ينهاهم عن شيء مما فيه صلاحهم ونجاحهم وفلاحهم، بدأ بأهله، وتقدم إليهم بالوعظ لهم، والوعيد على خلافهم أمره، فعن سالم بن عبد اللَّه بن عمر قال: «كان عمر إذا صعد المنبر فنهى الناس عن شيء جمع أهله، فقال: إني نهيت الناس عن كذا وكذا، وإن الناس ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، وأقسم باللَّه لا أجد أحداً منكم فعله إلا أضعفت عليه العقوبة»([29]).

وهذا من أعظم مواقف الحكمة؛ لأن الناس ينظرون إلى الداعية ومدى تطبيقه العملي والقولي لما يدعو إليه، كما ينظرون إلى تطبيقه ذلك على أهله ومن تحت يده.

خامساً: موقفه الحكيم في دعوته بتواضعه للَّه تعالى:

كان عمر – رضي اللَّه عنه وأرضاه – مع قوته في دين اللَّه، وشجاعته، وشدته على أعداء اللَّه، وهيبة الناس له، وفرار الشيطان منه، كان مع ذلك كله متواضعاً، وقَّافاً عند حدود اللَّه، وقد كان يقول: أحبّ الناس إليّ من أهدى إليّ عيوبي([30]). ومن ذلك ما يلي:

1- عندما مر بالجابية على طريق إيلياء وجلس عندهم، قيل له: أنت ملك العرب، وهذه بلاد لا تصلح بها الإبل، فلو لبست شيئاً غير هذا – يعنون قميصه المرقع – وركبت برذوناً([31])، لكان ذلك أعظم في أعين الروم، فقال: نحن قوم أعزنا اللَّه بالإسلام، فلا نطلب غير اللَّه بديلاً.

ثم سار عمر من الجابية إلى بيت المقدس، وقد تعبت دابته، فأتوه ببرذون فجعل يهملج به، فقال: لمن معه: احبسوا، احبسوا، فنزل عنه، وضرب وجهه، وقال: لا علّم اللَّه من علّمك، هذا من الخيلاء، ما كنت أظن الناس يركبون الشياطين، هاتوا جملي، ثم نزل وركب الجمل، ثم لم يركب برذوناً قبله ولا بعده([32]).

2- ولما قدم عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- الشام عرضت له مخاضة، فنزل عن بعيره، ونزع خُفَّيه، وأمسكهما بيده، وخاض الماء ومعه بعيره، فقال له أبو عبيدة: قد صنعت اليوم صنعاً عظيماً عند أهل الأرض، صنعت كذا وكذا، فصك عمر في صدره، وقال: أوَّه، لو غيرك يقولها يا أبا عبيدة، إنكم كنتم أذَّل الناس، وأحقر الناس، وأقلّ الناس، فأعزكم اللَّه بالإسلام، فمهما تطلبوا العزة بغيره يُذلكم اللَّه([33]).

وله مواقف حكيمة في دعوته إلى اللَّه إلى اللَّه – تعالى – لا يتسع المقام لذكرها([34]).

وهذه المواقف العظيمة يبين فيها للناس بقوله وفعله أن العزة والرفعة والتمكين لا تأتي عن طريق الكبر، والغطرسة، والإعجاب بالنفس أو الجاه أو السلطان، وإنما يأتي ذلك كله لمن تمسك بالإسلام، ولهذا قال لأبي عبيدة في الخبر السابق: «إنكم كنتم أذلّ الناس، وأحقرَ الناس، وأقلّ الناس، فأعزكم اللَّه بالإسلام، فمهما تطلبوا العزة من غير اللَّه يذلّكم اللَّه».

رضي اللَّه عن الفاروق وأرضاه، وجزاه عن أمة محمد خير الجزاء، فقد قام بالأعمال العظيمة، وسلك مسلك الحكمة التي من أُوتيها فقد أُوتي خيراً كثيراً، ونفَّذ وصية رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- في المشركين، من: يهود، ونصارى، ومجوس، وغيرهم من المشركين، حيث قال –صلى الله عليه وسلم-  قُبيل موته: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب»([35]).

فطهَّر -رضى الله عنه- جزيرة العرب من المشركين، ولم يترك أحداً منهم فيها، طبقاً لأمر رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم-.

فرضي اللَّه عنه وأرضا، وهذا غيض من فيض، وإلا فهو أفضل السابقين الأولين بعد أبي بكر -رضى الله عنه-، وصلى اللَّه وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه أجمعين.  

سعيد بن علي بن وهف القحطاني

([26])  البخاري مع الفتح، كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي –صلى الله عليه وسلم-  لو كنت متخذاً خليلاً، 7/20، (رقم 3668).

([27])  انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 7/32، وسيرة ابن هشام، 4/339، والبداية والنهاية، 5/246، 6/301، وحياة الصحابة، 2/11، وتاريخ الخلفاء، ص51.

([28])  انظر: سيرة ابن هشام، 4/340، والبداية والنهاية، 5/248، 6/301، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، 3/57.

([29])  انظر: تاريخ الأمم والملوك للإمام الطبري، 2/68، والكامل في التاريخ لابن الأثير، 3/31، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، 3/404، وأعلام المسلمين للبيطار، 2/54.

([30])  انظر: مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لابن الجوزي، ص154، وأعلام المسلمين لخالد البيطار، ص59.

([31])  البرذون: الدابة، ويطلق على غير العربي من الخيل والبغال. انظر: القاموس المحيط، باب النون، فصل الباء، ص1522، والمعجم الوسيط، مادة: برذن، 1/48، ومختار الصحاح، مادة (برذن)، ص18.

([32])  انظر: البداية والنهاية، 7/57، 7/60، 7/135، ومناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لابن الجوزي، ص150، 151.

([33])  انظر: البداية والنهاية لابن كثير، 7/60، وأعلام المسلمين لخالد البيطار، ص59، ومناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لابن الجوزي، ص150.

([34])  ومن حصره على التواضع أنه كان يدرب نفسه عليه، ولذلك إذا أنكر نفسه أدبها وجازاها وخاطبها يخوفها بالله، فعن أنس -رضى الله عنه- قال: كنت مع عمر، فدخل حائطاً لحاجته فسمعته يقول: - وبيني وبينه جدار الحائط –: <عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، بخ بخ، والله لتتقين الله يا ابن الخطاب، أو ليعذبنك>.

وقيل: إنه حمل قربة على عاتقه فقيل له في ذلك، فقال: إن نفسي أعجبتني فأردت أن أذلها. وكان يسمع الآية من القرآن فيغشى عليه فيحمل صريعاً إلى منزله، فيعاد أياماً ليس به مرض إلا الخوف من الله –عز وجل-، انظر: البداية والنهاية، 7/135.

وانظر مواقف له أخرى في: تاريخ الطبري، 2/567، 568، والكامل في التاريخ لابن الأثير، 3/30، ومناقب عمر بن الخطاب لابن الجوزي، ص69، والبداية والنهاية، 3/135، وحياة الصحابة للعلامة الكاندهلوي، 2/97.

([35])  البخاري مع الفتح، كتاب الجزية والموادعة، باب إخراج اليهود من جزيرة العرب، 6/271، (رقم 3168)، ومسلم، كتاب الوصية، باب الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه (رقم 1637).

 

]]>
es.islamcenter@gmail.com (mona) الصحابة Thu, 10 Jan 2013 09:10:43 +0000
نبذة يسيرة من سيرة عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- (1) http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/69-2013-01-08-06-56-02/462-2013-01-10-09-09-53.html http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/69-2013-01-08-06-56-02/462-2013-01-10-09-09-53.html Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4

نبذة يسيرة من سيرة عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- (1)

الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فهذه نبذة يسيرة جداً من سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- ([1])؛ خليفة رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- الثاني، بإجماع المسلمين، وأفضل البشر بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وبعد أبي بكر -رضى الله عنه-، فهو ثاني الخلفاء الراشدين، وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-  في حقهم: «فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ»([2])، وهو الذي أثنى عليه النبي –صلى الله عليه وسلم-  بقوله: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ»([3])، وبشره النبي –صلى الله عليه وسلم-  بقصر في الجنة بقوله –صلى الله عليه وسلم-: «دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ فِيهَا دَارًا ، أَوْ قَصْرًا ، فَقُلْتُ : لِمَنْ هَذَا ؟ فَقَالُوا : لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَكَ فَبَكَى عُمَرُ، وَقَالَ : أَيْ رَسُولَ اللهِ أَوَ عَلَيْكَ يُغَارُ؟»، وفي لفظ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا ؟ فَقَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَكَرْتُ غَيْرَةَ عُمَرَ، فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَبَكَى عُمَرُ»([4])، وهو الذي قال فيه النبي –صلى الله عليه وسلم-:  «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ»([5])،وهو الفاروق فرق الله به بين الحق والباطل»([6])، وهو من المحدَّثين؛ لقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «قَدْ كَانَ فِيمَا قَبْلَكُمْ مِنْ الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ فَإِنْ يَكُ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ فَإِنَّهُ عُمَرُ» زَادَ زَكَرِيَّاءُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم- «لَقَدْ كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رِجَالٌ يُكَلَّمُونَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ فَإِنْ يَكُنْ مِنْ أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ فَعُمَرُ»([7])، ولفظ مسلم: «أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «قَدْ كَانَ يَكُونُ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مِنْهُمْ» قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: تَفْسِيرُ مُحَدَّثُونَ: مُلْهَمُونَ»([8]).ومن سبَّه، أو انتقص من حقه،فهو أضل من حمار أهله؛ لقول النبي –صلى الله عليه وسلم-:«لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ»([9]).

ومن سيرته الجميلة الكريمة النماذج الآتية:

أولاً: ولادته، وأعماله، ووفاته:

ولد عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- بعد عام الفيل بثلاث عشرة سنة([10])، وأسلم بعد رجال سبقوه في السنة السادسة من النبوة، وله سبع وعشرون سنة، وقيل: ست وعشرون سنة، أسلم -رضى الله عنه- بعد أربعين رجلاً وإحدى عشرة امرأة([11]).

 فهو أحد السابقين الأولين، وكان إسلامه عزاً ظهر به الإسلام، ، وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وثاني الخلفاء الراشدين، وأحد أصهار رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- ، حيث زوّج رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم-  ابنته حفصة بنت عمر، وهو أحد كبار علماء الصحابة، وزهادهم([12]).

 وقد اتفق العلماء على أن عمر شهد بدراً، وأحداً، وبيعة الرضوان، وكل مشهد شهده رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم-، ولم يغب عن غزوة غزاها رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- ، وتوفي رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- ، وهو عنه راضٍ، وولي الخلافة بِعَهْدٍ من أبي بكر، وبويع له بها يوم مات أبو بكر -رضى الله عنه- باستخلافه له في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة، وقد كثرت الفتوحات الإسلامية في خلافته، فقد فتح اللَّه له الفتوح بالشام، والعراق، ومصر([13])، ففي سنة أربع عشرة للهجرة فتحت: دمشق، وحمص، وبعلبك، والبصرة([14])، وهو الذي دوّن الدواوين فى العطاء، ورتب الناس فيه على سوابقهم، وكان لا يخاف فى اللَّه لومة لائم، وهو الذى نوَّر شهر الصوم بصلاة الإشفاع فيه [التراويح، فجمع الناس على إمام واحد]، وأرخ التاريخ من الهجرة الذى بأيدى الناس إلى اليوم بقصة مشهورة، وهو أوَّل من سُمِّي بأمير المؤمنين، فسار بأحسن سيرة وأنزل نفسه من مال اللَّه بمنزلة رجل من الناس([15])، وهو أول من اتخذ بيت المال، وأوّل من عسَّ بالليل، فطاف يتفقد أحوال الناس، وأول من عاقب على الهجاء، وأول من ضرب في الخمر ثمانين، وأول من نهى عن بيع أمهات الأولاد، وأول من جمع الناس في صلاة الجنائز على أربع تكبيرات، وأول من اتخذ الديوان، وأول من فتح الفتوح، ومسح السواد، وأول من حمل الطعام من مصر في بحر أيلة إلى المدينة، وأول من احتبس صدقة في الإسلام، وأول من أعال الفرائض، وأول من أخذ زكاة الخيل، وأول من قال: أطال اللَّه بقاءك، قاله لعليٍّ، وأول من قال: أيّدك اللَّه، قاله لعليٍّ، وهو أول من اتخذ الدرة، وقد قيل بعده: لَدرّة عمر أهيب من سيفكم، وهو أول من استقضى القضاء في الأمصار، وأول من مصر الأمصار: الكوفة، والبصرة، و الجزيرة، والشام، ومصر، والموصل، ومرّ علي بن أبي طالب على المساجد في رمضان، وفيها القناديل، فقال: نوّر اللَّه على عمر في قبره، كما نوّر علينا في مساجدنا، واتخذ دار الدقيق، فجعل فيها الدقيق، والسويق، والتمر، والزبيب، وما يحتاج إليه: يعين به المنقطع، ووضع فيما بين مكة والمدينة بالطريق ما يصلح من ينقطع به، وهدم المسجد النبوي، وزاد فيه، ووسعه، وفرشه بالحصباء، وهو الذي أخرج اليهود من الحجاز إلى الشام، وأخرج أهل نجران إلى الكوفة، وهو الذي أخر مقام إبراهيم إلى موضعه اليوم، وكان ملصقاً بالبيت([16])، وفي سنة خمس عشرة للهجرة فتحت الأردن كلها، وفيها كانت وقعة اليرموك لمشهورة، والقادسية، وفي سنة ست عشرة فتحت الأهواز، والمدائن، وفيها كانت وقعة جلولاء، وفيها أقيمت أول جمعة في العراق، وفيها فتحت تكريت، وفيها سار عمر وفتح بيت المقدس، وفيها فتحت حلب، وأنطاكية، وغيرها، وفي سنة سبع عشرة زاد عمر في المسجد النبوي، وفي سنة ثمان عشرة فتحت جنديسابور، وحلوان، وفيها فتحت الرها، وسميساط، وحران، ونصيبين، وطائفة من الجزيرة، والموصل ونواحيها، وفي سنة تسع عشرة فتحت قيسارية، وفي سنة عشرين فتحت مصر، وفيها فتحت تستر، وفيها هلك قيصر عظيم الروم، وفيها أجلى عمر اليهود عن خيبر، وعن نجران، وفي سنة إحدى وعشرين فتحت الإسكندرية، ونهاوند، وبرقة، وغيرها، وفي سنة اثنتين وعشرين فتحت أذربيجان، والدِّينَوَرُ، وماسبذان، وهمذان، وطرابلس المغرب، والري، وعسكر، وقومس، وفي سنة ثلاث وعشرين كان فتح كرمان، وسجستان، ومكران من بلاد الجبل، وأصبهان ونواحيها، وغيرها([17])، وفي آخر هذه السنة توفي عمر -رضى الله عنه- شهيداً بعد رجوعه من الحج([18])، قتله أبو لؤلؤة المجوسي، وهويصلي بالناس في مسجد رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم-  صلاة الفجر -رضى الله عنه-، فطعن لثلاث بقين من ذي الحجة، فعاش ثلاثة أيام، ويقال سبعة أيام، وعن معدان بن طلحة قال: قتل عمر يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة، وهو ابن ثلاث وستين سنة، وكانت ولايته عشر سنين وستة أشهر وخمسة أيام أو تسعة([19]).

ثانياً: موقفه في إظهار الإسلام وهجرته:

عندما أسلم عمر -رضى الله عنه- على يد النبي –صلى الله عليه وسلم-  أراد أن يَعلم قريش بإسلامه، فسأل عن أنقلهم للحديث، لينقل خبر إسلامه إلى قريش، فقيل له: جميل بن معمر الجمحي، فذهب عمر t إلى جميل، وقال له: أعلمت يا جميل أنّي قد أسلمت، ودخلت في دين محمد؟ فقام جميل بن معمر يجر رداءه مُسرعاً حتى قام على باب المسجد، ثم صرخ بأعلى صوته: يا معشر قريش، ألا إن عمر بن الخطاب قد صبأ، فقال عمر وهو واقف خلفه: كذب، ولكني قد أسلمت وشهدت أن لا إله إلا اللَّه، وأن محمداً عبده ورسوله ×، فثار عليه قريش من أنديتهم حول الكعبة، وقاتلهم وقاتلوه، واستمر القتال بينهم وبينه في هذا الموقف حتى قامت الشمس على رؤوسهم، وقد تعب عمر -رضى الله عنه- فقعد وقاموا على رأسه، وهو يقول: افعلوا ما بدا لكم، فأحلف باللَّه أن لو قد كنا ثلاثمائة رجل لتركناها لكم، أو لتركتموها لنا، وبينما هم على ذلك إذ أقبل شيخ من قريش عليه حلّة حبرة، وقميص مُوشّح، حتى وقف عليهم، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: صبأ عمر، فقال: فمه، رجل اختار لنفسه أمراً فماذا تريدون؟ أترون بني عديّ بن كعب يسلمون لكم صاحبهم هكذا؟ خلُّوا عن الرجل! قال عبد اللَّه بن عمر: فواللَّه لكأنما كانوا ثوباً كشط عنه، قال: فقلت لأبي بعد أن هاجر إلى المدينة: يا أبت من الرجل الذي زجر القوم عنك بمكة يوم أسلمت وهم يقاتلونك، -جزاه اللَّه خيرا؟ - قال: يا بُنيَّ ذلك العاص بن وائل – لا جزاه اللَّه خيراً –([20]).

وبإسلام عمر وإظهاره إسلامه -رضى الله عنه- أعز اللَّه به الإسلام، وفرّق به بين الحق والباطل، فسُمِّي الفاروق -رضى الله عنه- وأظهر الصحابة صلاتهم حول الكعبة، وقريش ينظرون إليهم([21]).

قال عبد اللَّه بن مسعود -رضى الله عنه-: «مازلنا أعزّة منذ أسلم عمر»([22]).

وقال –صلى الله عليه وسلم-  أيضاً: «كان إسلام عمر فتحاً، وهجرته نصراً، وإمارته رحمةً، واللَّه ما استطعنا أن نُصلّي حول البيت ظاهرين حتى أسلم عمر، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا نصلي»([23]).

وقد كان عمر -رضى الله عنه- يتعرّض لرؤوس الكفر، ويعلن أمامهم إسلامه، بل يذهب إلى بيوتهم، ويطرق أبوابهم، ليخبرهم بأنه قد أسلم، لعلّهم يقومون بشيء ضدّه فيُصيبه ما يُصيب إخوانه من المسلمين، ويستطيع في الوقت نفسه أن ينتقم من تلك الرؤوس، ولم يُرد عمر أن يكون هو في نعمة وعافية وراحة، والمسلمون في إيذاء وتعذيب، فعندما أعلن إسلامه، وبدأت قريش تقاتله وثب على عتبة بن ربيعة فبرك عليه، وأدخل إصبعه في عينه، فجعل عتبة يصيح، فتنحى الناس عن عمر، وقام عمر، فجعل أحد لا يدنو منه إلا أخذ شريف من دنا منه، حتى تراجع الناس عنه([24]).

 وعندما اشتد أذى المشركين على المسلمين، وأذن لهم رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم-  بالهجرة من مكة إلى المدينة، وابتدأت وفود المسلمين متجهة إلى المدينة وكلها مختفية في هجرتها وانتقالها، إلا هجرة عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- فقد رُوي عن علي بن أبي طالب -رضى الله عنه- أنه قال: ما علمت أن أحداً من المهاجرين هاجر إلا مختفياً، إلا عمر بن الخطاب، فإنه لما هم بالهجرة تقلد سيفه، وتنكب قوسه، وانتضى في يده أسهماً وأتى الكعبة، وأشراف قريش بفنائها، فطاف سبعاً متمكناً، ثم أتى المقام فصلى ركعتين، ثم أتى حلقهم، ثم وقف على الحلق واحدة واحدة، فقال: شاهت الوجوه، من أراد أن تَثْكَله أمه وييتم ولده، وترمل زوجته، فليلقني خلف هذا الوادي، فما تبعه منهم من أحد([25]).



([1]) انظر سيرته بالتفصيل في: سير أعلام النبلاء، للإمام الذهبي، مجلد سير الخلفاء الراشدين، ص 69- 145 (مؤسسة الرسالة).

([2]) أخرجه الإمام أحمد، برقم 17144، وأبو داود، برقم 4607، والترمذي، برقم 2676.

([3]) رواه البخاري، برقم 3294، ومسلم، برقم 2396.

([4]) رواه البخاري، برقم 5226، ورقم 3242، ومسلم، برقم 2394ـ 2395.

([5]) مسند الإمام أحمد، برقم 5145، وأبي داود، برقم 2964، والترمذي، برقم 3682، وصححها الألباني في صحيح الترمذي، برقم 2908.

([6]) طبقات ابن سعد، 3/ 270،

([7]) البخاري، برقم 3689.

([8]) مسلم، برقم 3298.

([9]) رواه البخاري، برقم 3673، ومسلم، برقم 2540.

([10]) تاريخ خليفة، ص 153، والاستيعاب لابن عبد البر، 3/ 1145.

([11]) الاستيعاب ، 3/ 1145.

([12]) مناقب عمر لابن الجوزي، ص 9، وص 89- 92، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 131- 133.

([13]) الاستيعاب ، 3/ 1145.

([14]) مناقب عمر لابن الجوزي، ص 9، وص 89- 92.

([15]) الاستيعاب ، 3/ 1145.

([16]) تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 137.

([17]) انظر: تاريخ خليفة، ص 124- 151، و

([18]) تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 137.

([19]) تاريخ خليفة، ص 152.

([20])  انظر: سيرة ابن هشام، 1/370، والبداية والنهاية لابن كثير، وقال: هذا إسناد جيد قوي، 3/82، وانظر بعض القصة في البخاري مع الفتح، 7/177، وانظر: قصة إسلام عمر في البداية والنهاية 3/79- 81، وسيرة ابن هشام، 1/364-371، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، 109-115، وفتح الباري، 7/48، ومناقب عمر لابن الجوزي، ص12-18، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، 3/121-125.

([21])  انظر: مناقب عمر بن الخطاب لابن الجوزي، ص18-19، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، ص113-115، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، 3/124، وفتح الباري شرح صحيح البخاري، 7/44.

([22])  البخاري مع الفتح، في كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر، 7/41، برقم 3684، ومناقب الأنصار، 7/177، برقم 3836.

([23])  ذكره ابن حجر في فتح الباري، 7/48، وعزاه إلى الطبراني وابن أبي شيبة، وذكره السيوطي في تاريخ الخلفاء، ص115، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: <رجاله رجال الصحيح إلا أن القاسم لم يدرك جده ابن مسعود>، 9/62، وانظر: البداية والنهاية، 3/79.

([24])  انظر: التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، 3/125، وأعلام المسلمين لخالد البيطار، 2/22، 23.

([25])  انظر: تاريخ الخلفاء للإمام السيوطي، ص115، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، 3/125، وأعلام المسلمين، 2/25.


]]>
es.islamcenter@gmail.com (mona) الصحابة Thu, 10 Jan 2013 09:08:34 +0000
نبذة يسيرة من سيرة عثمان –رضى الله عنه- http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/69-2013-01-08-06-56-02/461-2013-01-10-07-27-11.html http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/69-2013-01-08-06-56-02/461-2013-01-10-07-27-11.html Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4

نبذة يسيرة من سيرة عثمان –رضى الله عنه-

الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فهذه نبذة يسيرة جداً من سيرة أمير المؤمنين عثمان بن عفان-رضى الله عنه-([1])؛ خليفة رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم-  الثالث، بإجماع المسلمين، وأفضل البشر بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأبي بكر، وعمر -رضى الله عنهم-، فهو ثالث الخلفاء الراشدين، وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم- في حقهم: «فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ»([2])، وهو الذي أثنى عليه النبي –صلى الله عليه وسلم-  وأثبت له الشهادة، كما في صحيح البخاري: «صَعِدَ النَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم- أُحُدًا، وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ، وَقَالَ: «اسْكُنْ أُحُدُ - أَظُنُّهُ ضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ - فَلَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ، وَصِدِّيقٌ، وَشَهِيدَانِ»([3])، وقال النبي –صلى الله عليه وسلم- فيه: «أَلاَ أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلاَئِكَةُ»([4])، ومن سبَّه، أو انتقص من حقه، فهو أضل من حمار أهله؛ لقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ»([5]).

ومن سيرته الجميلة الكريمة النماذج الآتية:

أولاً: مولده، وأعماله، ووفاته:

ولد في السنة السادسة بعد الفيل، وأسلم قديماً، وهو ممن دعاه الصِّدِّيق إلى الإسلام، وقد كان أول الناس إسلاماً بعد أبي بكر، وعلي، وزيد بن حارثة، وهاجر الهجرتين: الهجرة الأولى إلى أرض الحبشة([6]) فاراً بدينه مع زوجته رقية بنت رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم-، وكان أول خارج إليها، وتابعه سائر المهاجرين إلى أرض الحبشة، ثم هاجر الهجرة الثانية إلى المدينة، ولم يشهد بدراً لتخلفه على تمريض زوجته رقية، كانت عَلِيلَةً، فأمره رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- بالتخلف عليها، وضرب له –صلى الله عليه وسلم- بسهمه وأجره، فهو معدود فى البدريين لذلك،  وماتت رقية فى سنة اثنتين من الهجرة حين أتى خبر رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- بما فتح اللَّه عليه يوم بدر([7])، وبعدها زوّجه أم كلثوم، ولم يعرف أحد تزوج بنتي نبي غيره([8])، وقيل لعثمان ذا النورين؛ لأنه لم يعلم أن أحداً أرسل ستراً على ابنتي نبي غيره، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة الذين جعل عمر فيهم الشورى، وأخبر أن رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- توفي وهو عنهم راضٍ([9])، وأحد الصحابة الذين جمعوا القرآن الكريم([10])، وقد بويع له -رضى الله عنه- بالخلافة يوم السبت غرة المحرم سنة أربع وعشرين بعد دفن عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- بثلاثة أيام باجتماع الناس عليه، وفي هذه السنة فتح من حصون الروم حصوناً كثيرة ([11])، وفي سنة ست وعشرين زاد في المسجد الحرام، ووسَّعهُ، واشترى أماكن للزيادة، وفيها فتحت بعض الفتوحات.

وفي سنة سبع وعشرين غزا قبرص، وفيها فتحت بعض الفتوحات، وفيها فتحت إفريقية، ففتحت سهلاً وجبلاً، وفيها فتحت الأندلس، وفي سنة تسع وعشرين فتحت بعص الفتوحات، وزاد عثمان في المسجد النبوي، ووسعه، وبناه بالحجارة المنقوشة، وجعل عمده من حجارة، وسقفه بالساج، وفي سنة ثلاثين فتحت بلاد كثيرة من أرض خراسان، وفتحت نيسابور، ومرو، وفتحت بلاد واسعة([12])، وفي سنة خمس وثلاثين قتل عثمان رحمة الله عليه يوم الجمعة لأيام بقين من ذي الحجة، في أوسط أيام التشريق، وكانت ولايته إحدى عشرة سنة، وأحد عشر شهراً، وثمانية عشر يوماً، ويقال أربعة عشر يوماً، واختلف في سنه، فقيل: قتل وهو ابن ست وثمانين سنة، وقيل: قتل وهو ابن اثنتين وثمانين، ويقال أربع وثمانين([13]).

ثانياً: إنفاقه الأموال العظيمة الكثيرة في سبيل اللَّه تعالى:

كان عثمان -رضى الله عنه- من الأغنياء الذين أغناهم اللَّه –عز وجل-، وكان صاحب تجارة وأموال طائلة؛ ولكنه استخدم هذه الأموال في طاعة اللَّه –عز وجل- ابتغاء مرضاته وما عنده، وصار سبَّاقاً لكل خير، ينفق ولا يخشى الفقر.

ومما أنفقه -رضى الله عنه- من نفقاته الكثيرة على سبيل المثال ما يأتي:

1- عندما قدم النبي –صلى الله عليه وسلم-  المدينة المنورة وجد أن الماء العذب قليل، وليس بالمدينة ما يستعذب غير بئر رومة، فقال رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم-: «من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة»([14]).

وقال –صلى الله عليه وسلم-: «من حفر بئر رومة فله الجنة»([15]).

وقد كانت رومة قبل قدوم النبي –صلى الله عليه وسلم- المدينة لا يشرب منها أحد إلا بثمن، فلما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة، وكان يبيع منها القربة بمد، فقال له النبي –صلى الله عليه وسلم-: «تبيعنيها بعين في الجنة؟» فقال: يا رسول اللَّه! ليس لي ولا لعيالي غيرها، فبلغ ذلك عثمان -رضى الله عنه- فاشتراها بخمس وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال: أتجعل لي فيها ما جعلت له؟ قال: «نعم»، قال: قد جعلتها للمسلمين([16]).

وقيل: كانت رومة ركية ليهودي يبيع للمسلمين ماءها، فاشتراها عثمان بن عفان من اليهودي بعشرين ألف درهم، فجعلها للغني والفقير وابن السبيل([17]).

2- بعد أن بنى رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- مسجده في المدينة فصار المسلمون يجتمعون فيه، ليصلوا الصلوات الخمس، ويحضروا خطب النبي –صلى الله عليه وسلم- التي يُصدر إليهم فيها أوامره ونواهيه، ويتعلمون في المسجد أمور دينهم، وينطلقون منه إلى الغزوات ثم يعودون بعدها، ولذلك ضاق المسجد بالناس، فرغب النبي –صلى الله عليه وسلم- من بعض الصحابة أن يشتري بقعة بجانب المسجد، لكي تزاد في المسجد حتى يتسع لأهله، فقال –صلى الله عليه وسلم-: «من يشتري بقعة آل فلان فيزيدها في المسجد بخير له منها في الجنة»، فاشتراها عثمان بن عفان -رضى الله عنه- من صلب ماله([18]) بخمسة وعشرين ألف درهم، أو بعشرين ألفاً، ثم أضيفت للمسجد([19]).

ووسع على المسلمين رضي اللَّه عنه وأرضاه([20]).

3- عندما أراد رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- الرحيل إلى غزوة تبوك حثّ الصحابة الأغنياء على البذل؛ لتجهيز جيش العسرة، الذي أعده رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- لغزو الروم، فأنفق أهل الأموال من صحابة رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- كل على حسب طاقته وجهده.

أما عثمان بن عفان فقد أنفق نفقة عظيمة لم ينفق أحد مثلها، فقد ثبت أنه أنفق في هذه الغزوة ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها، وجاء بألف دينار فنثرها في حجر النبي ×، فأخذ النبي × يُقلِّبها في حجره، ويقول: «ما ضر عثمان ما عمل بعد هذا اليوم؟» قالها مراراً([21]).

وهذه نفقة عظيمة جداً تدل على صدق عثمان وقوة إيمانه، ورغبته فيما عند اللَّه – تعالى – وإيثار الآخرة على الدنيا – فرضي اللَّه عنه وأرضاه – فقد حصل على الثواب العظيم والجزاء الذي ليس بعده جزاء: «من جهز جيش العسرة فله الجنة»([22]).

ثالثاً: موقفه العظيم في جمع الأمة على قراءة واحدة، وحسم الاختلاف:

كان من أعظم مواقف الحكمة التي وقفها عثمان جمع شمل أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-على قراءة واحدة، فقد كان من مناقبه الكبار، وحسناته العظيمة، أنه جمع الناس على قراءة واحدة، وكتب المصحف على العرضة الأخيرة التي درسها جبريل على رسول اللَّه في آخر سني حياته، وكان سبب ذلك أن حذيفة بن اليمان كان في غزوة أهل الشام في فتح أرمينية، وأذربيجان، مع أهل العراق، وقد اجتمع في هذه الغزوة خلق من أهل الشام، ممن يقرأ على قراءة المقداد بن الأسود، وأبي الدرداء، وأُبيّ بن كعب، وجماعة من أهل العراق ممن يقرأ على عبد اللَّه بن مسعود، وأبي موسى، وجعل من لا يعلم بجواز القراءة على سبعة أحرف يفضل قراءته على غيره، وربما خطَّأ الآخر أو كفَّره، فأدَّى ذلك إلى اختلاف شديد، وانتشار في الكلام السيئ بين الناس، فركب حذيفة إلى عثمان وقد أفزعه اختلافهم في القراءة، فقال: يا أمير المؤمنين! أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى في كتبهم، وذكر له ما شاهد من اختلاف الناس في القراءة، فعند ذلك جمع عثمان الصحابة وشاورهم في ذلك، ورأى أن يكتب المصحف على حرف واحد، وأن يجمع الناس في سائر الأقاليم على القراءة به دون ما سواه، لما رأى في ذلك من مصلحة كفّ المنازعة، ودفع الاختلاف، فأرسل عثمان إلى حفصة -رضى الله عنها- يستدعي بالصحف التي كان الصديق أمر زيد بن ثابت بجمعها، فكانت عند الصديق أيام حياته، ثم كانت عند عمر، فلما توفي صارت إلى حفصة أم المؤمنين.

وعندما جاءت الصحف أمر عثمان زيد بن ثابت، وعبد اللَّه بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن ينسخوها في المصاحف، وأمرهم إذا اختلفوا في شيء أن يكتبوه بلغة قريش، ففعلوا، حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق من الآفاق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق([23]).

وكانت المصاحف الأئمة سبعة كالآتي:

أرسل مصحفاً إلى مكة، ومصحفاً إلى الشام، ومصحفاً إلى اليمن، ومصحفاً إلى البحرين، ومصحفاً إلى البصرة، ومصحفاً إلى الكوفة، وأقر بالمدينة مصحفاً، وهذه المصاحف كلها بخط زيد بن ثابت، وإنما يقال لها المصاحف العثمانية نسبة إلى أمر عثمان وزمانه وإمارته، وحرق ما سوى هذه المصاحف مما بأيدي الناس مما يخالف هذه المصاحف السبعة، وأجمع الصحابة على ذلك عند الشورى بالرسم، وعند التلقي فاجتمع شمل الأمة على هذه المصاحف وللَّه الحمد والمنة([24]).

فحصل الاجتماع والائتلاف، وزال الاختلاف والفرقة، واجتمعت القلوب بفضل اللَّه – تعالى –، ثم بفضل حكمة عثمان – رضي اللَّه عنه وأرضاه –.

فرضي اللَّه عنه وأرضاه، وهذا غيض من فيض، وإلا فهو أفضل السابقين الأولين بعد أبي بكر وعمر ب، وصلى اللَّه وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه أجمعين. 

سعيد بن علي بن وهف القحطاني

 



([1]) انظر سيرته بالتفصيل في: سير أعلام النبلاء، للإمام الذهبي، مجلد سير الخلفاء الراشدين، ص 147- 222 (مؤسسة الرسالة)

([2]) أخرجه الإمام أحمد، برقم 17144، وأبو داود، برقم 4607، والترمذي، برقم 2676.

([3]) رواه البخاري، برقم 3697.

([4]) رواه مسلم، برقم 2401.

([5]) رواه البخاري، برقم 3673، ومسلم، برقم 2540.

([6]) الاستيعاب، 3/ 1038، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 147، و150.

([7]) الاستيعاب، 3/ 1038، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 148.

([8]) تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 148

([9]) الاستيعاب، 3/ 1039.

([10]) تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 148.

([11]) الاستيعاب، 3/ 1044، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 153.

([12]) تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 155- 156.

([13]) تاريخ خليفة، ص 176- 177، وانظر: تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص 156.

([14])  النسائي في كتاب الوصايا، باب وقف المساجد، 6/235، (رقم 3605)، وانظر: صحيح النسائي 2/766، وأخرجه الترمذي في المناقب، باب مناقب عثمان -رضى الله عنه-، 5/627، (رقم  3699)، وانظر: صحيح الترمذي، 3/209، وتحفة الأحوذي، 10/196، وفتح الباري، 7/54.

([15])  البخاري مع الفتح، كتاب الوصايا، باب إذا وقف أرضاً أو بئراً، 5/407، (رقم 2778)، 7/52، 8/111، وانظر: تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص151.

([16])  ذكره ابن حجر في فتح الباري، 5/407، وعزاه بسنده إلى البغوي في الصحابة، وانظر: تحفة الأحوذي بشرح سنن الترمذي، 10/196.

([17])  انظر: تحفة الأحوذي بشرح سنن الترمذي، 10/190، وأعلام المسلمين لخالد البيطار، 3/39، وفتح الباري، 5/408.

([18])  الترمذي، كتاب المناقب، باب مناقب عثمان -رضى الله عنه-، 5/627، (رقم 3703)، وانظر: صحيح الترمذي، 3/209، وأخرجه النسائي، كتاب الوصايا، باب وقف المساجد، 6/235، (رقم 3606).

([19])  النسائي، كتاب الوصايا، باب وقف المساجد، 6/234، (3605)، وانظر: صحيح النسائي، 2/ 766.

([20])  انظر: فتح الباري، 5/408، وأعلام المسلمين لخالد البيطار، 3/41.

([21])  الترمذي، في كتاب المناقب، باب مناقب عثمان -رضى الله عنه-، 5/626، (رقم 3700)، والحاكم – واللفظ له – وصححه ووافقه الذهبي، 3/102، وانظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 7/54، 5/408، 8/111، وسيرة ابن هشام، 4/172، والبداية والنهاية، 5/4، 7/201، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، ص151، وحياة الصحابة، 2/264، 265، وانظر: صحيح الترمذي، 3/208، 210، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، 3/223، 2/353.

([22])  البخاري مع الفتح، كتاب الوصايا، باب إذا وقف أرضاً أو بئراً، 5/407، (رقم 2778)، وتقدم تخريجه، وانظر: البداية والنهاية، 7/201.

([23])  انظر: البخاري مع الفتح، كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن، 9/10، 11، (رقم 4987)، وكتاب التفسير، باب {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ}، 8/344، (رقم 4679)، والبداية والنهاية، 7/217، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، ص77.

([24])  انظر: البداية والنهاية لابن كثير، 7/217، وفتح الباري، 9/20.

والفرق بين جمع أبي بكر، وجمع عثمان، أن جمع أبي بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب حملته؛ لأنه لم يكن مجموعاً في موضع واحد، فجمعه في صحائف مرتباً لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي ×، وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القرآن حين قرءوه بلغاتهم على اتساع اللغات، فأدى ذلك ببعضهم إلى تخطئة بعض، فخشي من الفتنة والهلاك، فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد.

انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 9/21، وتاريخ الخلفاء للإمام جلال الدين السيوطي، ص77.

]]>
es.islamcenter@gmail.com (mona) الصحابة Thu, 10 Jan 2013 07:26:12 +0000
نبذة يسيرة من سيرة علي بن أبي طالب –رضى الله عنه- http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/69-2013-01-08-06-56-02/460-2013-01-09-08-45-31.html http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/69-2013-01-08-06-56-02/460-2013-01-09-08-45-31.html نبذة يسيرة من سيرة علي بن أبي طالب –رضى الله عنه-

الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فهذه نبذة يسيرة جداً من سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب –رضى الله عنه-([1])؛ خليفة رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- الرابع بإجماع المسلمين، وأفضل البشر بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأبي بكر، وعمر، وعثمان –رضى الله عنهم-، وهو رابع الخلفاء، وأفضلهم، وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم-  في حقهم: «فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ»([2])، وهو الذي شهد له النبي –صلى الله عليه وسلم-  بالشهادة فعن أَبِي هُرَيْرَةَ –رضى الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- ، كَانَ عَلَى جَبَلِ حِرَاءٍ فَتَحَرَّكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-: «اسْكُنْ حِرَاءُ، فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ، أَوْ صِدِّيقٌ، أَوْ شَهِيدٌ»، وَعَلَيْهِ النَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم- ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ –رضى الله عنهم-، ومن سبَّه، أو انتقص من حقه، فهو أضل من حمار أهله؛ لقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ»([3]).

ومن سيرته الجميلة الكريمة النماذج الآتية:

أولاً: مولده، وأعماله، ووفاته:

قال الحافظ ابن حجر /: ولد على الصحيح قبل البعثة بعشر سنين، فرُبّي في حجر النبي –صلى الله عليه وسلم- ، وشهد معه المشاهد إلا غزوة تبوك، استخلفه النبي –صلى الله عليه وسلم-  على المدينة... وكان اللواء بيده في أكثر المشاهد([4]).

وعلي –رضى الله عنه- أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وهو صهر رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم-  على فاطمة سيدة نساء العالمين، وهو أحد السابقين، وأحد العلماء الربانيين، والشجعان المشهورين، والزهاد المذكورين، والخطباء المعروفين، وأول من أسلم من الصبيان([5]).

وفي سنة ست وثلاثين بعد الهجرة النبوية بويع لعلي بن أبي طالب بالمدينة بالخلافة، بعد  مقتل عثمان –رضى الله عنه-، فأتاه أصحاب رسول اللًّه فقالوا: لا بد للناس من إمام، ولا نجد اليوم أحداً أحق بهذا الأمر منك، ولا أقدم سابقة، ولا أقرب من رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- ، فلما دخل دخل المهاجرون والأنصار فبايعوه ثم بايعه الناس([6]).

ولد علي بمكة في شعب بني هاشم وقتل بالكوفة([7])، وفي سنة ثمان وثلاثين([8]) بدأ بحروب الخوارج في معركة النهروان، وقام الخوارج باغتياله، فمات شهيداً، قتله عبد الرحمن بن ملجم المرادي في مسجد الكوفة بسيف مسموم، عند قيامه إلى الصلاة، وذلك ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة مضت من شهر رمضان، ومات –رضى الله عنه- غداة يوم الجمعة، وله يوم مات اثنتان وستون سنة([9])، وكانت خلافته خمس سنين، وثلاثة أشهر إلا أربعة عشر يوماً([10]).

ثانياً: موقفه –رضى الله عنه-في تقديم نفسه فداء للنبي –صلى الله عليه وسلم- ودعوته

عندما اجتمع قريش في دار الندوة، وأجمعوا على قتل النبي -صلى الله عليه وسلم- والتخلص منه، أعلم اللَّه نبيه –صلى الله عليه وسلم-  بذلك، وكان النبي –صلى الله عليه وسلم-  أحكم خلق اللَّه، فأراد أن يبقى من أراد قتله ينظر إلى فراشه ينتظرونه يخرج عليهم، فأمر علي بن أبي طالب الشاب البطل أن ينام في فراشه تلك الليلة، ومن يجرؤ على البقاء في فراش رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم-  والأعداء قد أحاطوا بالبيت يتربصون به ليقتلوه؟ من يفعل هذا ويستطيع البقاء في هذا البيت وهو يعلم أن الأعداء لا يفرقون بينه وبين رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم-  في مضجعه؟ إنه لا يفعل ذلك إلا أبطال الرجال وشجعانهم بفضل اللَّه – تعالى – فرضي اللَّه عن علي وأرضاه.

وقد أمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُقيم بمكة أياماً حتى يؤدي أمانة الودائع والوصايا التي كانت عنده إلى أصحابها من أعدائه كاملة غير منقوصة، وهذا من أعظم العدل وأداء الأمانة([11]).

ثالثاً: موقفه في بدر مع رؤوس الكفر

عندما تراجع غزوات النبي -صلى الله عليه وسلم- الكبيرة يوجد ذكر على بن أبي طالب مقروناً بها، فتارة يحمل اللواء، وتارة يفرق جموع الأعداء، وتارة يفتح الحصون المستعصية ويهدم الأصنام، فهو بطل معلم.

عندما تواجه الجيشان في معركة بدر الكبرى، والتقى الفريقان، وحضر الخصمان بين يدي الرحمن، واستغاث بربه سيد الأنبياء، وضج الصحابة بصنوف الدعاء إلى رب الأرض والسماء، وكاشف البلاء، وقبل اشتباك المعركة والتحامها خرج من جيش المشركين عتبة بن ربيعة – يريد أن يظهر شجاعته – فبرز بين أخيه شيبة وابنه الوليد، فلما توسطوا بين الصفين دعوا إلى البراز، فخرج إليهم ثلاثة من الأنصار: عوف بن الحارث، ومعوذ بن الحارث – ابنا العفراء – وعبد اللَّه بن رواحة، فقالوا: من أنتم؟ فقالوا: رهط من الأنصار، فقالوا: ما لنا بكم من حاجة، ونادى مناديهم: يا محمد، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، فقيل: قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا علي، فلما دنوا منهم، قالوا: من أنتم؟ فقال عبيدة: عبيدة، وقال حمزة: حمزة، وقال علي: علي. قالوا: أكفاء كرام، فبارز عبيدة – وكان أسن القوم – عتبة، وبارز حمزة شيبة، وبارز علي الوليد بن عتبة.

فقتل علي الوليد فوراً، وقتل حمزة شيبة في الحال، واختلف عبيدة وعتبة بينهما بضربتين كلاهما أثبت صاحبه، فكرَّ حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فأكملا قتله، واحتملا صاحبهما فحازاه إلى أصحابهما –رضى الله عنهم-.

وكان ذلك – بإذن اللَّه تعالى – بداية النصر وتشجيع المسلمين، وخذلان ورعب في قلوب المشركين([12]).

روى البخاري عن علي بن أبي طالب –رضى الله عنه- قال: ((أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن للخصومة يوم القيامة، وقال قيس بن عباد: وفيهم أنزلت: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} ([13]).

قال: هم الذين بارزوا يوم بدر: حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث، وشيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة((([14]).

فرضي اللَّه عن جميع الصحابة وأرضاهم، فإنهم كانوا لا تأخذهم في اللَّه لومة لائم، قال اللَّه –عز وجل: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا} ([15]).

رابعاً: موقف علي –رضى الله عنه- في يوم الأحزاب (يوم الخندق):

في سنة خمس من الهجرة كانت غزوة الخندق في شهر شوال.

وكان سبب هذه الغزوة أن جماعة من اليهود خرجوا حتى قدموا على قريش بمكة، فدعوهم إلى حرب رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- ، وقالوا: إنا سنكون معكم عليه حتى نستأصله، فتعاهدوا على حرب النبي –صلى الله عليه وسلم- ، ثم خرج هؤلاء الجماعة من اليهود حتى جاءوا قبائل غطفان فدعوهم لذلك، فأجابوهم، ثم طافوا في قبائل العرب، فاستجاب لهم من استجاب، ونقضت بنو قريظة العهد امتثالاً لأمر حيي بن أخطب، عندما حرض كعب بن أسد القرظي على رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- ، ولما سمع رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم-  بهم، وبما أجمعوا عليه من الأمر ضرب الخندق على المدينة بمشورة سلمان الفارسي، فحفروا الخندق بينهم وبين العدو، وجعلوا جبل سلع من خلف ظهورهم، وقد صار المحاربون لرسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم-  خمسة أصناف هم: المشركون من أهل مكة، والمشركون من قبائل العرب، واليهود من خارج المدينة، وبنو قريظة، والمنافقون، وكان من وافى الخندق من الكفار عشرة آلاف، والمسلمون مع النبي –صلى الله عليه وسلم-  ثلاثة آلاف، وقد حاصروا النبي –صلى الله عليه وسلم-  شهراً، ولم يكن بينهم قتال، لأجل ما حال اللَّه به من الخندق بينهم وبين المسلمين، إلا أن فوارس من قريش، منهم عمرو بن عبد وُدٍّ العامري أقبلوا، فجالت بهم خيولهم، فنظروا إلى مكان ضيق من الخندق فاقتحموه، ثم جالت بهم خيولهم في السبخة بين الخندق وسلع، ودعوا إلى البراز([16]).

وهذا هو موضع الشاهد لموقف علي بن أبي طالب –رضى الله عنه-:

قال عمرو بن عبد ودّ في هذا الموقف: من يُبارز؟ فقام علي بن أبي طالب، فقال: أنا لها يا رسول اللَّه! فقال: ((إنه عمرو، اجلس))، ثم نادى عمرو: ألا رجل يبرز؟ فجعل يؤنبهم، ويقول: أين جنتكم التي تزعمون أنه من قتل منكم دخلها؟ أفلا تبرزون إليَّ رجلاً؟ فقام علي، فقال: أنا يا رسول اللَّه! فقال: ((اجلس)) ثم نادى الثالثة... فقام علي –رضى الله عنه- فقال: يا رسول اللَّه، أنا، فقال: ((إنه عمرو))، فقال: وإن كان عمراً! فأذن له رسول اللَّه ×، فمشى إليه علي حتى أتى إليه، فقال له عمرو: من أنت؟ قال: أنا علي. قال: ابن عبد مناف؟ قال: أنا علي بن أبي طالب، وقال علي: يا عمرو، إنك كنت عاهدت اللَّه ألا يدعوك رجل من قريش إلى إحدى خلتين إلا أخذتها منه، قال له: أجل، قال علي: فإني أدعوك إلى اللَّه وإلى رسوله وإلى الإسلام، قال: لا حاجة لي بذلك، قال: فإني أدعوك إلى النزال، فقال له: لم يا ابن أخي؟ فواللَّه ما أحب أن أقتلك. قال له علي: ولكني واللَّه أحب أن أقتلك، فغضب عمرو عند ذلك فاقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه، ثم أقبل على عليٍّ وسل سيفه كأنه شعلة نار، فاستقبله عليٌّ بالترس، فشق السيف الترس، فضربه عليُّ على حبل عاتقه، فسقط وثار الغبار، وسمع المسلمون التكبير، فعرفوا أن عليًّا قتله.

وقال علي –رضى الله عنه-:

نصر الحجارة من سفاهة رأيه

 

ونصرت رب محمد بصوابي

فصدرت حين تركته متجدلاً

 

كالجذع بين دكادك وروابي

وبعد هذه المبارزة انهزم الباقون، وخرجت خيولهم حتى اقتحمت الخندق([17]).

وهكذا ظهرت الشجاعة العظيمة الحكيمة، ومن عظم هذه الحكمة أن علي بن أبي طالب –رضى الله عنه- دعا عمراً إلى اللَّه فأبى ذلك، فدعاه إلى النزال فنزل، فقتله –رضى الله عنه- فكان ذلك من أسباب نصر المسلمين بإذن اللَّه تعالى([18]).

فظهرت حكمة علي –رضى الله عنه- في هذا الموقف من عدة وجوه، منها:

1-    استئذانه النبي –صلى الله عليه وسلم-  في المبارزة.

2-    تذكيره لعمرو بن عبد ودّ ما عاهد عليه اللَّه من قبول ما يعرض عليه من الخصال من قريش.

3-    وعند إقرار عمرو بما عاهد اتخذ عليٌّ ذلك مدخلاً، فقال: إني أدعوك إلى اللَّه وإلى رسوله وإلى الإسلام.

4-  وعندما امتنع من قبول هذه الدعوة دعاه إلى النزال، فلم ينزل فاستفزه ليغضبه، فلما نزل قتله –رضى الله عنه- فانهزم المشركون بفضل اللَّه، ثم بدخول الرعب في قلوبهم بهذا الموقف الحكيم.

خامساً: موقف علي –رضى الله عنه- في غزوة خيبر:

في السنة الرابعة للَّهجرة سار رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم-  إلى خيبر، وكان إذا أتى قوماً بليل لم يقربهم حتى يُصبح، فلما أصبح صبح خيبر بكرة، فخرج أهلها بمساحيهم ومكاتلهم، فلما رأوا رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- قالوا: محمد واللَّه، محمد والخميس، فقال رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم-: ((اللَّه أكبر، خربت خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين))([19]).

وعندما رأى أهل خيبر الجيش رجعوا هاربين إلى حصونهم، وخرج ملكهم مَرْحَب يرفع سيفه مرة، ويضعه أخرى ويقول:

قد علمت خيبر أني مرحب                    شاكي السلاح بطل مجرب

                        إذا الحروب أقبلت تلهبف

برز له عامر بن الأكوع، فقال:

قد علمت خيبر أني عامر                    شاكي السلاح بطل مغامر

فاختلفا ضربتين فوقع سيف مرحب في ترس عامر، وذهب عامر يضربه من أسفله، فرجع سيفه على نفسه فمات شهيداً([20]).

ثم قال رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم-  يوم خيبر: ((لأعطين هذه الراية غداً رجلاً يفتح اللَّه على يديه، يحب اللَّه ورسوله، ويحبه اللَّه ورسوله))، فبات الناس يدوكون([21]) ليلتهم: أيهم يُعطاها، فلما أصبح الناس غدوا إلى رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم-  كلهم يرجو أن يعطاها، فقال: ((أين علي بن أبي طالب؟)) قيل: هو يا رسول اللَّه يشتكي عينيه، قال: ((فأرسلوا إليه))، فأُتي به، فبصق رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم-  في عينيه، ودعا له، فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية، فقال علي: يا رسول اللَّه! أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: ((انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق اللَّه فيه، فواللَّه لأن يهدي اللَّه بك رجلاً واحداً خير لك من أن يكون لك حمر النعم))([22]).

وبدأ علي –رضى الله عنه- وأخذ الراية، وخرج مرحب فقال:

قد علمت خيبر أني مرحب                 شاكي السلاح بطل مجرب

                      إذا الحروب أقبلت تلهب

فقال علي:

أنا الذي سمتني أمي حيدره([23])      كليث غابات كريه المنظره

                  أوفيهم بالصاع كيل السندره([24])

فضرب رأس مرحب فقتله، ثم كان الفتح على يديه([25]).

فرضي اللَّه عن علي وأرضاه، فقد قام بهذه البطولة النادرة بعد حصار النبي –صلى الله عليه وسلم-  لأهل خيبر قريباً من عشرين يوماً، ثم يسر اللَّه فتحها على يد علي –رضى الله عنه- فخرج الناس من حصونهم يسعون في السكك، فقتل النبي –صلى الله عليه وسلم- المقاتلة، وسبى الذرية، وكان في السبي صفية، ثم صارت إلى النبي × فأعتقها، وجعل عتقها صداقها، فأصبحت أما للمؤمنين([26]).

وعلي –رضى الله عنه- له مواقف أخرى كثيرة، تظهر فيها الحكمة العظيمة، ولكن المقام لا يتسع إلا لما ذكر من المواقف السابقة، وهكذا يفعل من يرجو اللَّه واليوم الآخر، فإن الإنسان إذا كان همه للَّه، وقلبه معلق باللَّه، عمل كل ما يحب مولاه تبارك وتعالى.

وقد ظهرت حكمة علي –رضى الله عنه- في هذا الموقف من عدّة وجوه، منها:

1- قوله: «أُقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟»؛ فإنه –رضى الله عنه- استفسر من النبي –صلى الله عليه وسلم- –صلى الله عليه وسلم- قبل القتال، إلى أي مدى يستمر القتال؟ وهذا من أعظم الحكمة؛ لأن الداعية لابد له من وضوح الهدف والغاية، وأن يكون على بصيرة من أمره.

2- وقوله: «أنا الذي سمتني أمي حيدرة»، وهذا فيه تذكير لمرحب؛ لأنه قد رأى في المنام أن أسداً يقتله، فذكره علي –رضى الله عنه- بذلك، ليخيفه ويضعف نفسه، حتى يستولي على قتله.

3- وقوله: «أوفيهم بالصاع كيل السندرة» هذا فيه إرهاب وإخبار لمرحب أن علي بن أبي طالب يقتل الأعداء قتلاً واسعاً ذريعاً.

4- ثم ختم هذه الحكم بقتل مرحب، فهزم اللَّه به الأعداء، ونصر المسلمين عليهم نصراً مؤزراً، فله الحمد أولاً وآخراً.

وهذا غيض من فيض، وإلا فهو أفضل السابقين الأولين بعد أبي بكر، وعمر، وعثمان –رضى الله عنهم-، وصلى اللَّه وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه أجمعين.   

سعيد بن علي بن وهف القحطاني

 



([1]) انظر سيرته بالتفصيل في: سير أعلام النبلاء، للإمام الذهبي، مجلد سير الخلفاء الراشدين، ص 223- 290 (مؤسسة الرسالة).

([2]) أخرجه الإمام أحمد، برقم 17144، وأبو داود، برقم 4607، والترمذي، برقم 2676.

([3]) رواه البخاري، برقم 3673، ومسلم، برقم 2540.

([4]) الإصابة في تمييز الصحابة، لابن خحر، 2/ 507، وانظر: تاريخ الخلفاء، ص 166.

([5]) الاستيعاب لابن عبد البر، 3/ 1093.

([6]) تاريخ الطبري، 2/ 696.

([7]) تاريخ خليفة بن خياط، ص: 199. وإن اختلاف العلماء الكبير في عمره يوم أسلم، أدى فيما يبدو إلى عدم تطرقهم كثيراً إلى عام مولده.

([8]) المرجع السابق، ص: 197.

([9]) وقد سبق ترجيح ابن حجر أن ولادته كانت قبل البعثة بعشر سنين، فعلى هذا يكون عمره إحدى وستين سنة، والعلم عند اللَّه تعالى.

([10]) مشاهير علماء الأمصار، لابن حبان، ص 6.

([11])  انظر: تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص166.

([12])  انظر: البداية والنهاية لابن كثير، 3/272، 273 بتصرف، وفتح الباري، 7/299، وزاد المعاد لابن القيم، 3/179، وقصة المبارزة أخرجها أحمد، 1/117، أبو داود، 3/52، برقم 2665، في الجهاد، باب المبارزة من حديث علي، وإسناده قوي، وانظر: صحيح سنن أبي داود، 2/507.

([13])  سورة الحج، الآية: 19. وانظر: فتح البخاري مع الفتح، 7/96.

([14])  البخاري مع الفتح، في كتاب المغازي، باب قتل أبي جهل، 7/296، 297، (رقم 3965،  3966)، وفي كتاب التفسير، باب (هذان خصمان اختصموا في ربهم) 9/443، (رقم 4744)، وانظر أيضا: البداية والنهاية 3/273، وأعلام المسلمين لخالد البيطار، ص62.

([15])  سورة الأحزاب، الآية: 23.

([16])  انظر: زاد المعاد، 3/269-276، وسيرة ابن هشام، 3/229-252، والبداية والنهاية، 4/92-116.

([17])  انظر: البداية والنهاية، 4/106، وسيرة ابن هشام، 3/240، وزاد المعاد، 3/272، وانظر أيضاً شجاعة علي –رضى الله عنه- في حياة الصحابة للعلامة الكاندهلوي، 1/541-546.

([18])  انظر: غزوة الخندق كاملة في زاد المعاد، 3/269-276، وسيرة ابن هشام، 3/229-252، والبداية والنهاية، 4/92-116.

([19])  البخاري مع الفتح، المغازي، باب غزوة خيبر 7/467، (رقم 4197)، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة خيبر 3/1427، (رقم 1365)، وانظر: زاد المعاد لابن القيم، 3/316.

([20])  انظر: صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة ذي قرد وغيرها، من حديث سلمة بن الأكوع، 3/1440، 1441، (رقم 1807)، وزاد المعاد لابن القيم، 3/319.

([21])  يدوكون: أي يخوضون ويتحدثون في ذلك. انظر: شرح النووي، 12/178.

([22])  البخاري مع الفتح، في كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، 7/476، (رقم 4210)، وكتاب فضائل الصحابة، باب مناقب علي –رضى الله عنه-، 7/70، ومسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل علي –رضى الله عنه-، (رقم 2406)، 4/1871، 3/1441.

([23])  حيدرة: اسم للأسد، وكان عليٌّ –رضى الله عنه- قد سُمِّي أسداً في أول ولادته، وكان مرحب قد رأى أن أسداً يقتله، فذكره عليٌّ بذلك ليخيفه ويضعف نفسه. شرح النووي على صحيح مسلم 12/185.

([24])  معناه: أقتل الأعداء قتلاً واسعاً ذريعاً، وقيل السندرة: مكيال واسع. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم، 12/185.

([25])  أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الجهاد والسير، باب غزوة ذي قرد وغيرها مطولاً، 3/1441، (رقم 1807)، وانظر: زاد المعاد، 3/321، وحياة الصحابة، 1/544.

([26])  انظر: البخاري مع الفتح، كتاب المغازي. باب غزوة خيبر، 7/469، (رقم 4200، 4201)، وانظر: البداية والنهاية، 4/181-191، وابن هشام، 3/378-388، وانظر: ترجمة علي بن أبي طالب –رضى الله عنه- كاملة في الإصابة في تمييز الصحابة، 2/507-510، والبداية والنهاية، 7/222-224، وانظر: شجاعة علي أيضاً في حياة الصحابة للكاندهلوي، 1/541- 546]]>
es.islamcenter@gmail.com (mona) الصحابة Wed, 09 Jan 2013 08:44:33 +0000
نبذة من فضائل أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- (2) http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/69-2013-01-08-06-56-02/458--2.html http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/69-2013-01-08-06-56-02/458--2.html نبذة من فضائل أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- (2)

7-وقال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} ([16])، «يخبر تعالى بفضله ورحمته، برضاه عن المؤمنين إذ يبايعون الرسول صلى الله عليه وسلم- تلك المبايعة التي بيّضت وجوههم، واكتسبوا بها سعادة الدنيا والآخرة، وكان سبب هذه البيعة -التي يقال لها (بيعة الرضوان) لرضا اللَّه عن المؤمنين فيها، ويقال لها (بيعة أهل الشجرة) - أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم- لمّا دار الكلام بينه وبين المشركين يوم الحديبية في شأن مجيئه، وأنه لم يجئ لقتال أحد، وإنما جاء زائراً هذا البيت، معظماً له، فبعث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم- عثمان بن عفان لمكة في ذلك، فجاء خبر غير صادق، أن عثمان قتله المشركون، فجمع رسول اللَه صلى الله عليه وسلم- من معه من المؤمنين، وكانوا نحواً من ألف وخمسمائة، فبايعوه تحت شجرة على قتال المشركين، وأن لا يفرّوا حتى يموتوا، فأخبر تعالى أنه رضي عن المؤمنين في تلك الحال، التي هي من أكبر الطاعات، وأجل القربات، {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} من الإيمان، {فَأَنزلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} شكراً لهم على ما في قلوبهم، زادهم هدى، وعلم ما في قلوبهم من الجزع من تلك الشروط التي شرطها المشركون على رسوله، فأنزل عليهم السكينة تثبتهم، وتطمئن بها قلوبهم، {وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا}وهو: فتح خيبر، لم يحضره سوى أهل الحديبية، فاختصّوا بخيبر وغنائمها، جزاءً لهم، وشكراً على ما فعلوه من طاعة اللَّه تعالى، والقيام بمرضاته»([17]).

8-    وقال سبحانه: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} ([18]). فقد تقرر أن من اتبع غير سبيلهم ولاَّه الله ما تولَّى وأصلاه جهنم([19]).

9-    وعن أبي سعيد الخدري  –رضى الله عنه-  قال: قال رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم-: «لا تسبّوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك مُدّ أحدهم ولا نصيفه»([20]).

10-  وعن أبي موسى الأشعري  –رضى الله عنه-  قال: قال رسول اللَه –صلى الله عليه وسلم-: «النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي، فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ»([21]).

11-    وقال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر، ولكن أخي وصاحبي»([22]).

12-  وعن عمرو بن العاص بأنه سأل النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال: أيُّ الناس أحبُّ إليك؟ قال: «عائشة»، قلت: من الرجال؟ قال: «أبوها»، قلت: ثم من؟ قال: «ثم عمر بن الخطاب»، فعدّ رجالاً، فسكتُّ مخافة أن يجعلني في آخرهم([23]).

13-  وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ  –رضى الله عنه- ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ، وَمَوَدَّتُهُ، لاَ يَبْقَيَنَّ فِي المَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ، إلاَّ بَابُ أَبِي بَكْرٍ»([24]).

14-     وعن عبد اللَّه بن عمر  –رضى الله عنه-  أنّ رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- قال: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ»([25]).

15-  وقال النبي –صلى الله عليه وسلم- في عمر  –رضى الله عنه-  أيضاً: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ»([26]).

16-    وقال عليه الصلاة والسلام: «إن عبد اللَّه رجل صالح»([27])، يعني عبد اللَّه بن عمر ب.

17-  وعَنْ سعد بن أبي وقاص  –رضى الله عنه- ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- خَرَجَ إِلَى تَبُوكَ، وَاسْتَخْلَفَ عَلِيًّا، فَقَالَ: أَتُخَلِّفُنِي فِي الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ؟ قَالَ: «أَلاَ تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ، مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي»([28]).

18-  وعن عبد اللَّه بن مسعود قال: قال رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم-: «خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يأتي قوم من بعد ذلك تسبق أيمانهم شهاداتهم، وشهاداتهم أيمانهم»([29]).

فهؤلاء الصحابة وغيرهم من أصحاب رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- الذين مدحهم اللَّه في كتابه، ومدحهم ودعا لهم بالمغفرة رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- الناطق بالوحي، واحداً واحداً، وجماعةً جماعةً، ويمدحهم ويُثني عليهم كل من سلك مسلكه، واتبع سبيله من المؤمنين غير المنافقين من أتباع اليهود، والمجوس، والرافضة الذين أكلت قلوبهم البغضاء والشحناء، والحسد عليهم لأعمالهم الجبَّارة في سبيل اللَّه، وفي سبيل نشر هذا الدين الميمون المبارك، وكان هذا هو السبب الحقيقي لحنق الكفرة على هؤلاء المجاهدين، العاملين بالكتاب والسنة، وخاصة على أبي بكر، وعمر، وعثمان  –رضى الله عنه-  ، الذين قادوا جيوش الظفر، وجهزوا عساكر النصر، وكان سبب احتراق اليهود على المسلمين خاصة أنهم هدموا أساسهم وقطعوا جذورهم، واستأصلوهم استئصالاً، تحت راية النبي –صلى الله عليه وسلم-، حين كان أسلافهم من بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريظة، يقطنون المدينة، ومن بعد النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في زمن عمر الفاروق  –رضى الله عنه- ؛ حيث نفَّذ فيهم وصية رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم-: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب»([30])، وطهَّر جزيرة العرب من نجاستهم ودسائسهم، ولم يترك أحداً من اليهود في الجزيرة طبقاً لأمر رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- ([31]).

وقد أجمع أهل السنة أن أفضل الناس بعد رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ثم سائر العشرة، ثم باقي أهل بدر، ثم باقي أهل أحد، ثم باقي أهل البيعة [بيعة الرضوان في الحديبية تحت الشجرة]، ثم باقي الصحابة، هكذا حكى الإجماع عليه أبو منصور البغدادي([32]).

«وَمِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ: سَلاَمَةُ قُلُوبِهِمْ، وَأَلْسِنَتِهِمْ لأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-، كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاؤُو مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَاغِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} ([33])، وَطَاعَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم- فِي قَوْلِهِ: «لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ»([34]).

وَيَقْبَلُونَ مَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ، وَالسَّنَّةُ، وَالإِجْمَاعُ مِنْ فَضَائِلِهِمْ، وَمَرَاتِبِهِمْ، وَيُفَضِّلُونَ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ - وَهُوَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ - وَقَاتَلَ عَلَى مَنْ أَنْفَقَ مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلَ، وَيُقَدِّمُونَ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى الأَنْصَارِ، وَيُؤْمِنُونَ بِأَنَّ اللَّهَ قَالَ لأَهْلِ بَدْرٍ - وَكَانُوا ثَلاثَ مِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَر-: «اعْمَلُوا مَا شِئْتُم. فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»([35])، وَبِأَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ؛ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم-، بَلْ لَقَدْ رَضَيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَرَضُوا عَنْهُ، وَكَانُوا أَلْفاً وَخَمْسَماِئَة؛ لحديث: سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ، فَقَالَ: «لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا أَلْفًا وَخَمْسَ مِائَةٍ»([36]). وَيَشْهَدُونَ بِالْجَنَّةِ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم-، كَالْعَشَرَةِ، وَثَابِتِ بْنِ قِيْسِ بنِ شَمَّاسٍ، وَغَيْرِهِم مِّنَ الصَّحَابَةِ.

وَيُقِرُّونَ بِمَا تَوَاتَرَ بِهِ النَّقْلُ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ  –رضى الله عنه- ، وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ خَيْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا: أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، وَيُثَلِّثُونَ بِعُثْمَانَ، وَيُرَبِّعُونَ بِعَلِيٍّ  –رضى الله عنه- ؛ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الآثَارُ، وَكَمَا أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلَى تَقْدِيمِ عُثْمَانُ فِي الْبَيْعَةِ، مَعَ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ السُّنَّةِ كَانُوا قَدِ اخْتَلَفُوا فِي عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ ب- بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - أَيُّهُمَا أَفْضَلُ؟ فَقَدَّمَ قَوْمٌ عُثْمَانَ: وَسَكَتُوا، أَوْ رَبَّعُوا بِعَلِيٍّ، وَقَدَّم قَوْمٌ عَلِيًّا، وَقَوْمٌ تَوَقَّفُوا.

لَكِنِ اسْتَقَرَّ أَمْرُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى تَقْدِيمِ عُثْمَانَ، ثُمَّ عَلِيٍّ، وَإِنْ كَانَتْ هَذِه الْمَسْأَلَةُ - مَسْأَلَةُ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - لَيْسَتْ مِنَ الأُصُولِ الَّتِي يُضَلَّلُ الْمُخَالِفُ فِيهَا عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ.

لَكِنِ المسألة الَّتِي يُضَلَّلُ فِيهَا: مَسْأَلَةُ الْخِلاَفَةِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ أَنَّ الْخَلِيفَةَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-: أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ عَلِيٌّ، وَمَنْ طَعَنَ فِي خِلاَفَةِ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلاءِ؛ فَهُوَ أَضَلُّ مِنْ حِمَارِ أَهْلِهِ.

وَيُحِبُّونَ أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-، وَيَتَوَلَّوْنَهُمْ، وَيَحْفَظُونَ فِيهِمْ وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-: حَيْثُ قَالَ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ: «أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي»([37]). وَقَالَ أَيْضًا لِلْعَبَّاسِ عَمِّه - وَقَدِ اشْتَكَى إِلَيْهِ أَنَّ بَعْضَ قُرَيْشٍ يَجْفُو بَنِي هَاشِمٍ - فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحِبُّوكُمْ؛ للهِ وَلِقَرَابَتِي»([38])، وَقَالَ: «إِنَّ اللهَ اصْطَفَى بَنِي إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي إسْمَاعِيلَ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ كِنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ»([39]).

وَيَتَوَلَّوْنَ أَزْوَاجَ رَسُولِ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيُؤْمِنُونَ بَأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُهُ فِي الآخِرَةِ: خُصُوصًا خَدِيجَةَ ب أُمَّ أَكْثَرِ أَوْلاَدِهِ، وَأَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَعَاَضَدَهُ عَلَى أَمْرِه، وَكَانَ لَهَا مِنْهُ الْمَنْزِلَةُ الْعَالِيَةُ.

وَالصِّدِّيقَةَ بِنْتَ الصِّدِّيقِ ب، الَّتِي قَالَ فِيهَا النَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم-: «فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ»([40]).

وَيَتَبَرَّؤُونَ مِنْ طَرِيقَةِ الرَّوَافِضِ الَّذِينَ يُبْغِضُونَ الصَّحَابَةَ وَيَسُبُّونَهُمْ، وَطَرِيقَةِ النَّوَاصِبِ الَّذِينَ يُؤْذُونَ أَهْلَ الْبَيْتِ بِقَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ.

وَيُمْسِكُونَ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّ هَذِهِ الآثَارَ الْمَرْوِيَّةَ فِي مَسَاوِيهِمْ مِنْهَا مَا هُوَ كَذِبٌ، وَمَنْهَا مَا قَدْ زِيدَ فِيهِ وَنُقِصَ، وَغُيِّرَ عَنْ وَجْهِهِ، وَالصَّحِيحُ مِنْهُ هُمْ فِيهِ مَعْذُورُونَ: إِمَّا مُجْتَهِدُونَ مُصِيبُونَ، وَإِمَّا مُجْتَهِدُونَ مُخْطِئُونَ.

وَهُم مَّعَ ذَلِكَ لاَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مَعْصُومٌ عَنْ كَبَائِرِ الإِثْمِ وَصَغَائِرِهِ؛ بَلْ يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الذُّنُوبُ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَهُم مِّنَ السَّوَابِقِ وَالْفَضَائِلِ مَا يُوجِبُ مَغْفِرَةَ مَا يَصْدُرُ مِنْهُمْ - إِنْ صَدَرَ -، حَتَّى إنَّهُمْ يُغْفَرُ لَهُم مِّنَ السَّيِّئَاتِ مَا لاَ يُغْفَرُ لِمَنْ بَعْدَهُمْ؛ لأَنَّ لَهُم مِّنَ الْحَسَنَاتِ الَّتِي تَمْحُو السَّيِّئَاتِ مَا لَيْسَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ.

وَقَدْ ثَبَتَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُمْ خَيْرُ الْقُرُونِ([41])، وَأَنَّ الْمُدَّ مِنْ أَحَدِهِمْ إذَا تَصَدَّقَ بِهِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ جَبَلِ أُحُدٍ ذَهَبًا مِمَّن بَعْدَهُمْ([42]). ثُمَّ إِذَا كَانَ قَدْ صَدَرَ مِنْ أَحَدِهِمْ ذَنْبٌ؛ فَيَكُونُ قَدْ تَابَ مِنْهُ، أَوْ أَتَى بَحَسَنَاتٍ تَمْحُوهُ، أَو غُفِرَ لَهُ؛ بِفَضْلِ سَابِقَتِهِ، أَوْ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ –صلى الله عليه وسلم- الَّذِي هُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِشَفَاعَتِهِ، أَوْ ابْتُلِيَ بِبَلاَءٍ فِي الدُّنْيَا، كُفِّرَ بِهِ عَنْهُ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الذُّنُوبِ الْمُحَقَّقَةِ؛ فَكَيْفَ الأُمُورُ الَّتِي كَانُوا فِيهَا مُجْتَهِدِينَ: إنْ أَصَابُوا؛ فَلَهُمْ أَجْرَانِ، وَإِنْ أَخْطَؤُوا؛ فَلَهُمْ أَجْرٌ وَاحِدٌ، وَالْخَطَأُ مغْفُورٌ.

ثُمَّ إِنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يُنْكَرُ مِنْ فِعْلِ بَعْضِهِمْ قَلِيلٌ نَزْرٌ مَغْفُورٌ فِي جَنْبِ فَضَائِلِ الْقَوْمِ وَمَحَاسِنِهِمْ؛ مِنَ الإِيمَانِ بِاللَّهِ، وَرَسُولِهِ، وَالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ، وَالْهِجْرَةِ، وَالنُّصْرَةِ، وَالْعِلْمِ النَّافِعِ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَمَن نَّظَرَ فِي سِيرَةِ الْقَوْمِ بِعِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ، وَمَا مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم بِهِ مِنَ الْفَضَائِلِ؛ عَلِمَ يَقِينًا أَنَّهُمْ خِيْرُ الْخَلْقِ بَعْدَ الأَنْبِيَاءِ؛ لاَ كَانَ، وَلا يَكُونُ مِثْلُهُمْ، وَأَنَّهُمُ الصَّفْوَةُ مِنْ قُرُونِ هَذِهِ الأُمَّةِ الَّتِي هِيَ خَيْرُ الأُمَمِ، وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ([43]).

واللَّهَ أسأل أن يحشرنا، ووالدينا، ومشايخنا، وأزواجنا، وذرياتنا في زمرة النبي –صلى الله عليه وسلم-، وأصحابه السابقين من المهاجرين، والأنصار، والذين اتّبعوهم بإحسان.

وصلّى اللَّه وسلّم على نبيّنا محمّد بن عبد اللَّه، وعلى آله، وأصحابه أجمعين.

 

سعيد بن علي بن وهف القحطاني

 

([16]) سورة الفتح، الآية: 18.

([17]) تيسير الكريم الرحمن، ص 793.

([18]) سورة النساء، الآية: 115.

([19])  فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، 4/1، و2.

([20])  أخرجه البخاري، برقم 3673، ومسلم، برقم 2541.

([21]) صحيح مسلم، برقم 2531.

([22])  أخرجه البخاري، برقم 3656.

([23])  أخرجه البخاريً،برقم 3662، ورقم 4385، ومسلم،برقم 2384.

([24]) البخاري، برقم 466، ورقم 3904، ومسلم، برقم 2382.

([25]) مسند الإمام أحمد، برقم 5145، وأبي داود، برقم 2964، والترمذي، برقم 3682، وصححها الألباني في صحيح الترمذي، برقم 2908.

([26]) رواه البخاري، برقم 3294، ومسلم، برقم 2396.

([27])  أخرجه البخاري، برقم 3740، 3741، ومسلم، برقم 2478.

([28]) البخاري، برقم 4416، ومسلم، برقم 2404، واللفظ له.

([29])  أخرجه البخاري، برقم 2652، برقم 2533.

([30])  أخرجه البخاري، برقم 3053، ومسلم، برقم 1637.

([31])  السنة والشيعة، ص51-55 ببعض التصرف.

([32]) تاريخ الخلفاء، للسيوطي، ص 44.

([33]) سورة الحشر، الآية: 10.

([34]) متفق عليه، البخاري، برقم 3673، ومسلم، برقم 2540.

([35]) متفق عليه، البخاري، برقم 3007،

([36]) مسلم، برقم 73- (1856)، و74- (1856).

([37]) مسلم، برقم 2408.

([38]) مسند أحمد، 3/ 278، برقم 1777.

([39]) مسلم، برقم 2276، ولفظه: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ»، ولفظ الترمذي: «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ، إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ بَنِي كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي كِنَانَةَ قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ».

([40]) البخاري، برقم 3770، ومسلم، برقم 2446.

([41]) انظر: البخاري، برقم 2651 ، ومسلم، برقم 2535، وتقدم تخريجه.

([42]) متفق عليه، البخاري، برقم 3673، ومسلم، برقم 2540، وتقدم تخريجه.

([43]) انظر: العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، مه شرحه للهراس، ص 323- 343.

 

]]>
es.islamcenter@gmail.com (mona) الصحابة Tue, 08 Jan 2013 10:04:31 +0000
نبذة من فضائل أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- (1) http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/69-2013-01-08-06-56-02/457-2013-01-08-10-02-15.html http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/69-2013-01-08-06-56-02/457-2013-01-08-10-02-15.html 1024x768

نبذة من فضائل أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- (1)

الحمد للَّهِ، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد.

فإن أصحاب النبي محمد –صلى الله عليه وسلم- هم أفضل البشر، –صلى الله عليه وسلم- بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وقد اختارهم اللَّه –عز وجل- لصحبة نبيه، ونصرته، ومدحهم، وأثنى عليهم –سبحانه وتعالى- في كتابه الكريم في مواضع كثيرة، ومدحهم النبي –صلى الله عليه وسلم-، وأثنى عليهم في أحاديث كثيرة، ومن ذلك الآيات والأحاديث الآتية:

1-     قال اللَّه –عز وجل- في مدح النبي صلى الله عليه وسلم- وأصحابه: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}([1]).

وقد ثبت في حديث أبي هريرة  –رضى الله عنه-  قال: «لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، قَالَ: فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-، ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ، فَقَالُوا: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، كُلِّفْنَا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ: الصَّلَاةَ، وَالصِّيَامَ، وَالْجِهَادَ، وَالصَّدَقَةَ، وَقَدِ اُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَا نُطِيقُهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم-: «أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا؟، بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ»، قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ، فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ، ذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي إِثْرِهَا: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا اللَّهُ تَعَالَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ –عز وجل-: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}، قَالَ: «نَعَمْ»، {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا}، قَالَ: «نَعَمْ»، {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}، قَالَ: «نَعَمْ»، {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}، قَالَ: «نَعَمْ»([2]).

وعن ابْنِ عَبَّاسٍ ب، قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ}، قَالَ: دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يَدْخُلْ قُلُوبَهُمْ مِنْ شَيْءٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم-: «قُولُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَسَلَّمْنَا»، قَالَ: فَأَلْقَى اللَّهُ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا}، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ، {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا}، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ {وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا}، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ»([3]).

2-    وقال اللَّه –سبحانه وتعالى- في مدح المهاجرين والأنصار: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}([4])، والمعنى أن اللَّه –عز وجل- مدح المهاجرين والأنصار أصحاب النبي محمد بن عبد اللّه صلى الله عليه وسلم-، وأثنى عليهم بالإيمان، وبيَّن ثوابهم؛ لأنهم صدَّقوا إيمانهم بما قاموا به من الهجرة، والنصرة، والموالاة؛ بعضهم لبعض، وجهادهم لأعداء اللَّه ورسوله، من الكفار والمنافقين {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ ورِزْقٌ كَرِيمٌ}([5]).

3-    وقال –عز وجل-: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}([6])، «يخبر تعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من المهاجرين والأنصار، أنهم بأكمل الصفات، وأجلّ الأحوال، وأنهم {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ}، أي: جادُّون ومجتهدون في عداوتهم، وساعون في ذلك بغاية جهدهم، فلم يروا منهم إلا الغلظة والشدة، فلذلك ذلّ أعداؤهم لهم، وانكسروا، وقهرهم المسلمون، {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}، أي: متحابُّون، متراحمون، متعاطفون، كالجسد الواحد، يحب أحدهم لأخيه ما يحب لنفسه، هذه معاملتهم مع الخلق، وأما معاملتهم مع الخالق؛ فإنك {تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا}، أي: وصفهم كثرة الصلاة، التي أجل أركانها الركوع والسجود، {يَبْتَغُونَ} بتلك العبادة {فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا}، أي: هذا مقصودهم بلوغ رضا ربهم، والوصول إلى ثوابه، {سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ}، أي: قد أثرت العبادة -من كثرتها وحسنها- في وجوههم، حتى استنارت، لما استنارت بالصلاة بواطنهم، استنارت بالجلال ظواهرهم، {ذَلِكَ} المذكور {مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ}، أي: هذا وصفهم الذي وصفهم اللَّه به، مذكور بالتوراة هكذا، وأمّا مثلهم في الإنجيل؛ فإنهم موصوفون بوصف آخر، وأنهم في كمالهم وتعاونهم {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ}، أي: أخرج فراخه، فوازرته فراخه في الشباب والاستواء، {فَاسْتَغْلَظَ} ذلك الزرع، أي: قوي وغلظ {فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} جمع ساق، {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ} من كماله واستوائه، وحسنه واعتداله، كذلك الصحابة –رضى الله عنهم-، هم كالزرع في نفعهم للخلق، واحتياج الناس إليهم، فقوة إيمانهم، وأعمالهم بمنزلة قوة عروق الزرع، وسوقه، وكون الصغير والمتأخر إسلامه، قد لحق الكبير السابق، ووازره، وعاونه على ما هو عليه، من إقامة دين اللَه والدعوة إليه، كالزرع الذي أخرج شطأه، فآزره فاستغلظ، ولهذا قال: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} حين يرون اجتماعهم وشدتهم على دينهم، وحين يتصادمون هم، وهم في معارك النزال، ومعامع القتال، {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} فالصحابة –رضى الله عنهم-، الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح، قد جمع اللَّه لهم بين المغفرة، التي من لوازمها وقاية شرور الدنيا والآخرة، والأجر العظيم في الدنيا والآخرة»([7]).

4-    وقال –سبحانه وتعالى-: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} ([8]). ذكر اللَّه –عز وجل- أموال الفيء، وحدد أصحابها «ثم ذكر تعالى الحكمة، والسبب الموجب لجعله تعالى الأموال أموال الفيء لمن قدرها له، وأنهم حقيقون بالإعانة، مستحقون لأن تجعل لهم، وأنهم ما بين مهاجرين قد هجروا المحبوبات والمألوفات، من الديار، والأوطان، والأحباب، والخلان، والأموال، رغبة في اللَّه، ونصرة لدين اللَّه، ومحبة لرسول اللَّه، فهؤلاء هم الصادقون الذين عملوا بمقتضى إيمانهم، وصدقوا إيمانهم بأعمالهم الصالحة، والعبادات الشاقة، بخلاف من ادّعى الإيمان، وهو لم يصدقه بالجهاد، والهجرة وغيرهما من العبادات، وبين أنصار، وهم الأوس والخزرج الذين آمنوا باللَّه ورسوله؛ طوعاً، ومحبة، واختياراً، وآووا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم-، ومنعوه من الأحمر والأسود، وتبوؤوا دار الهجرة والإيمان، حتى صارت موئلاً، ومرجعاً يرجع إليه المؤمنون، ويلجأ إليه المهاجرون، ويسكن بحماه المسلمون إذ كانت البلدان كلها بلدان حرب، وشرك، وشر، فلم يزل أنصار الدين تأوي إلى الأنصار، حتى انتشر الإسلام، وقوي، وجعل يزيد شيئاً شيئاً فشيئاً، وينمو قليلاً قليلاً، حتى فتحوا القلوب بالعلم والإيمان، والقرآن، والبلدان بالسيف والسنان، الذين من جملة أوصافهم الجميلة أنهم {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}؛ وهذا لمحبتهم للَّه، ولرسوله، أحبوا أحبابه، وأحبوا من نصر دينه، {وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا}، أي: لا يحسدون المهاجرين على ما آتاهم اللَّه من فضله، وخصَّهم به من الفضائل، والمناقب التي هم أهلها، وهذا يدل على سلامة صدورهم، وانتفاء الغلِّ، والحقد، والحسد عنها، ويدل ذلك على أن المهاجرين، أفضل من الأنصار، لأن اللَّه قدمهم بالذكر، وأخبر أن الأنصار لا يجدون في صدورهم حاجة ممّا أوتوا، فدل على أن اللَّه تعالى آتاهم ما لم يؤت الأنصار ولا غيرهم، ولأنهم جمعوا بين النصرة والهجرة، وقوله: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} أي: ومن أوصاف الأنصار التي فاقوا بها غيرهم، وتميّزوا بها على من سواهم: الإيثار، وهو أكمل أنواع الجود، وهو الإيثار بمحابّ النفس من الأموال وغيرها، وبذلها للغير مع الحاجة إليها، بل مع الضرورة والخصاصة، وهذا لا يكون إلا من خلق زكي، ومحبة للَّه تعالى مقدمة على محبة شهوات النفس ولذاتها، ومن ذلك قصة الأنصاري الذي نزلت الآية بسببه، حين آثر ضيفه بطعامه، وطعام أهله وأولاده، وباتوا جياعاً، والإيثار عكس الأثرة، فالإيثار محمود، والأثرة مذمومة؛ لأنها من خصال البخل، والشح، ومن رزق الإيثار فقد وُقي شح نفسه {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، ووقاية شحّ النفس، يشمل وقايتها الشحّ، في جميع ما أمر به، فإنه إذا وُقي العبد شحّ نفسه، سمحت نفسه بأوامر اللَّه ورسوله، ففعلها طائعاً منقاداً، منشرحاً بها صدره، وسمحت نفسه بترك ما نهى اللَّه عنه، وإن كان محبوباً للنفس، تدعو إليه، وتطلع إليه، وسمحت نفسه ببذل الأموال في سبيل اللَّه، وابتغاء مرضاته، وبذلك يحصل الفلاح والفوز، بخلاف من لم يوق شحّ نفسه، بل ابتلي بالشح بالخير، الذي هو أصل الشر، ومادته، فهذان الصنفان، الفاضلان الزكيان هم الصحابة الكرام، والأئمة الأعلام، الذين حازوا من السوابق، والفضائل، والمناقب ما سبقوا به من بعدهم، وأدركوا به من قبلهم، فصاروا أعيان المؤمنين، وسادات المسلمين، وقادات المتقين»([9]).

5-    وقال اللَّه –عز وجل-: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}([10])، لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم- من (أحد) إلى المدينة، وسمع أن أبا سفيان، ومن معه من المشركين، قد همّوا بالرجوع إلى المدينة، ندب أصحابه إلى الخروج، فخرجوا -على ما بهم من الجراح- استجابة للَّه ولرسوله، وطاعة للَّه ولرسوله، فوصلوا إلى (حمراء الأسد)، وجاءهم من جاءهم، وقال لهم: {إن الناس قد جمعوا لكم}، وهمّوا باستئصالكم، تخويفاً لهم وترهيباً، فلم يزدهم ذلك إلا إيماناً باللَّه، واتكالاً عليه، {وقالوا حسبنا اللَّه} أي: كافينا كل ما أهمّنا {ونعم الوكيل} المفوّض إليه تدبير عباده، والقائم بمصالحهم، {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}، {فانقلبوا} أي: رجعوا {بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء}، وجاء الخبر المشركين أن الرسول وأصحابه قد خرجوا إليكم، وندم من تخلّف منهم، فألقى اللَّه الرعب في قلوبهم، واستمروا راجعين إلى مكة، ورجع المؤمنون بنعمة من اللَّه وفضل، حيث مَنَّ عليهم بالتوفيق للخروج بهذه الحالة، والاتكال على ربهم، ثم إنه قد كتب لهم أجر غزاة تامة، فبسبب إحسانهم بطاعة ربهم، وتقواهم عن معصيته، لهم أجر عظيم، وهذا فضل اللَّه عليهم»([11]).

6-    وقال –عز وجل-: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} ([12])، «السابقون هم الذين سبقوا هذة الأمة، وبدروها إلى الإيمان والهجرة، والجهاد، وإقامة دين اللَّه {مِنَ الْمُهَاجِرِينَ} {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} ([13])،{و} من {الأنْصَارِ} {الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ}، {مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} ([14])،{وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} بالاعتقادات، والأقوال، والأعمال، فهؤلاء، هم الذين سلموا من الذمّ، وحصل لهم نهاية المدح، وأفضل الكرامات من اللَّه، {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ}، ورضاه تعالى أكبر من نعيم الجنة، {وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ} الجارية التي تساق إلى سَقْيِ الجنان، والحدائق الزاهية الزاهرة، والرياض الناضرة {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} لا يبغون عنها حولاً، ولا يطلبون منها بدلاً؛ لأنهم مهما تمنّوه، أدركوه، ومهما أرادوه، وجدوه {ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} الذي حصل لهم فيه، كل محبوب للنفوس، ولذّةٍ للأرواح، ونعيم للقلوب، وشهوة للأبدان، واندفع عنهم كل محذور»([15]).





([1]) سورة البقرة، الآية: 285.

([2]) مسلم، برقم 125.

([3]) مسلم، برقم 126.

([4]) سورة الأنفال، الآية: 74.

([5]) انظر: تيسير الكريم الرحمن، ص 327.

([6]) سورة الفتح، الآية: 29.

([7]) تيسير الكريم الرحمن، ص 795.

([8]) سورة الحشر، الآيتان: 8-9.

([9]) تيسير الكريم الرحمن، ص 850.

([10]) سورة آل عمران، الآيات: 172- 173.

([11]) تيسير الكريم الرحمن، ص 157.

([12]) سورة التوبة، الآية: 100.

([13]) سورة الحشر، الآية: 8.

([14]) سورة الحشر، الآية: 9.

([15]) تيسير الكريم الرحمن، ص 349.


]]>
es.islamcenter@gmail.com (mona) الصحابة Tue, 08 Jan 2013 10:01:05 +0000
نبذة من سيرة أبي بكر-رضى الله عنه- (2) http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/69-2013-01-08-06-56-02/456--2.html http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/69-2013-01-08-06-56-02/456--2.html  

نبذة من سيرة أبي بكر-رضى الله عنه- (2)

خامساً: موقف أبي بكر عقب وفاة النبي –صلى الله عليه وسلم- ([26]):

أُصيب المسلمون يوم وفاة الرسول × بمصيبة عظيمة، وهزّة عنيفة، أفقدت الكثير منهم صوابهم، حتى إن عمر أنكر موت النبي –صلى الله عليه وسلم- وخرج إلى الناس وخطبهم، وقال: «واللَّه ما مات رسول اللَّه × وليبعثنه اللَّه فليقطعن أيدي رجال وأرجلهم.

وأقبل أبو بكر  –رضى الله عنه-  على فرس من مسكنه بالسُّنح حتى نزل فدخل المسجد فلم يُكلّم الناس حتى دخل على عائشة فتيمم رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- وهو مغشى بثوب حبرة، فكشف عن وجهه، ثم أكبّ عليه فقبله وبكى، ثم قال: بأبي أنت وأمي، واللَّه لا يجمع اللَّه عليك موتتين، أما الموتة التي كُتبتْ لك فقد متها([27])، ثم خرج أبو بكر – وعمر يُكلم الناس – فقال: أيها الحالف على رسْلِك، وقال: اجلس يا عمر، فأبي عمر أن يجلس، فلما تكلم أبو بكر أقبل الناس إليه وتركوا عمر، فجلس عمر  –رضى الله عنه-  فحمد اللَّه أبو بكر وأثنى عليه، وقال: أما بعد، فمن كان منكم يعبد محمداً –صلى الله عليه وسلم- فإن محمداً –صلى الله عليه وسلم- قد مات، ومن كان منكم يعبد اللَّه فإن اللَّه حي لا يموت، قال اللَّه – تعالى –: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} ([28]). وقال: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} ([29]).

فواللَّه لكأن الناس لم يكونوا يعلمون أن اللَّه أنزل الآية حتى تلاها أبو بكر  –رضى الله عنه-  وقال عمر: واللَّه ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعقرت حتى ما تقلني رجلاي، وحتى أهويت إلى الأرض حين سمعته تلاها، علمت أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قد مات.

وقال الراوي: فتلقاها الناس كلهم، فما أسمع بشراً من الناس إلا يتلوها، ونشج الناس يبكون»([30]).

إن المصيبة عظيمة، والأمر كبير، والحادث جليل، والخلاف واقع؛ ولكن أبا بكر ––رضى الله عنه-  بفضل اللَّه تعالى – حل الخلاف، وألف بين القلوب وثبّتها، ولا يقدر على هذا إلا من أوتي قلباً ثابتاً، وشجاعة فائقةً، وعقلاً راجحاً، وحكمة بالغةً،  –رضى الله عنه-  وأرضاه.

وفي اليوم الثاني – يوم الثلاثاء – خطب أبو بكر الناس، وبين لهم ما عليهم، وما لهم، فقام  –رضى الله عنه- وأرضاه – فحمد اللَّه وأثنى عليه بالذي هو أهله، ثم قال: أيها الناس، فإني قد وُلِّيتُ عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوِّموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قويٌّ عندي حتى أريح عليه([31]) حقه إن شاء اللَّه، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء اللَّه، لا يدع قوم الجهاد في سبيل اللَّه إلا ضربهم اللَّه بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمَّهم اللَّه بالبلاء، أطيعوني ما أطعت اللَّه ورسوله فيكم، فإذا عصيت اللَّه ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم اللَّه([32]).

وقوله  –رضى الله عنه-: ولِّيت عليكم ولست بخيركم: من باب التواضع، وإلا فإن الصحابة كلهم مُجمعون على أنه أفضلهم وخيرهم، رضي اللَّه عنهم أجمعين([33]).

سادساً: موقفه  –رضى الله عنه-  في إنفاذ جيش أسامة بن زيد  –رضى الله عنه-:

ظهرت حكمة الصديق  –رضى الله عنه-  أثناء تنفيذ جيش أسامة بن زيد  –رضى الله عنه-  من عدة وجوه:

1- تنفيذ بعث أسامة  –رضى الله عنه-  على الرغم من شدة الأحوال ومعارضة بعض الصحابة، وذلك امتثالاً لأمر النبي ×.

بعث النبي –صلى الله عليه وسلم- أسامة بن زيد  –رضى الله عنه-  في مرضه الذي توفي فيه([34])، وندب الناس إلى غزو الروم، وكان تجهيز جيش أسامة قبل وفاة النبي × بيومين، وكان ذلك يوم السبت، وقد كان ابتداء ذلك قبل مرض النبي ×، ثم اشتد به مرضه، فأمر بإنفاذ جيش أسامة، وتوفي  –رضى الله عنه-  فعَظُم الخطب، واشتد الحال، وظهر النفاق بالمدينة، وارتدت أحياء من العرب حول المدينة، وامتنع آخرون من دفع الزكاة، ولم يبق للجمعة مقام في بلد سوى مكة والمدينة، وكانت جواثا من البحرين أول قرية أقامت الجمعة بعد رجوع الناس إلى الحق؛ وثبتت ثقيف بالطائف على الإسلام لم يرتدوا.

وعندما وقعت هذه الأمور أشار كثير من الناس على أبي بكر الصديق ألا ينفذ جيش أسامة لاحتياجه إليه فيما هو أهم؛ لأن ما جُهِّز بسببه في حال السلامة.

وكان من جملة من أشار بذلك عمر بن الخطاب  –رضى الله عنه- فامتنع الصديق من ذلك، وأبى أشد الإباء إلا أن ينفذ جيش أسامة، وقال كلمته العظيمة: واللَّه لا أحل عقدة عقدها رسول اللَّه ×، ولو أن الطير تخطفنا والسباع من حول المدينة، ولو أن الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين، لأجهزنَّ جيش أسامة، وأمر الحرس أن يكونوا حول المدينة.

2- ثم إن بعض الناس أشار على أبي بكر أن يولي الجيش رجلاً أقدم سنًّا من أسامة؛ فغضب  –رضى الله عنه-  لذلك، لأن الرسول –صلى الله عليه وسلم- هو الذي أَمَّر أسامة على الجيش، فلا يريد  –رضى الله عنه-  أن يغير شيئاً فعله رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم-.

3- وخرج أبو بكر  –رضى الله عنه-  يشيع الجيش ويودع أسامة وجيشه، وأبو بكر يسير على قدميه، وأسامة راكباً، فقال له أسامة: يا خليفة رسول اللَّه، إما أن تركب، وإما أن أنزل، فقال أبو بكر: واللَّه لستُ براكب ولستَ بنازل، وما عليَّ أن أغبر قدمي ساعة في سبيل اللَّه.

4- واستأذن أبو بكر  –رضى الله عنه-  من أسامة لعمر بن الخطاب، وقد كان عمر من ضمن الجنود في جيش أسامة، فأذِنَ أسامة لعمر بن الخطاب – رضي اللَّه عن الجميع وأرضاهم.

فكان خروج أسامة إلى الروم بأرض الشام في ذلك الوقت من أكبر المصالح، فساروا لا يمرون بحي من أحياء العرب إلا أُرعبوا منهم وأخذهم الخوف والفزع، وقالوا: ما خرج هؤلاء القوم إلا وبهم منعة شديدة، وسنتركهم حتى يلقوا الروم، فلقوا الروم فهزموهم وقتلوهم، وبقوا أربعين يوماً – وقيل سبعين يوماً – ثم أتوا سالمين غانمين، وعندما رجعوا جهزهم أبو بكر مع الجيش لقتال أهل الردة ومانعي الزكاة([35]).

اللَّه أكبر ما أعظم هذا الموقف، وما أحكمه! فقد ظهرت حكمته وشجاعته وطاعته لرسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم-، وهي سبب النصر والفلاح، وبتنفيذ هذا الجيش أدخل اللَّه الرعب في قلوب المرتدين، واليهود، والنصارى، وهذا كله بفضل اللَّه، ثم بامتثال أمر رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- بإنفاذ جيش أسامة بن زيد {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ([36]).

وهذا مما يؤكد على كل مسلم أن يعتني بأمر رسول اللَّه × ويبتعد عن نهيه، وذلك كله هو مدار السعادة والفلاح، والفوز والنجاح في الدنيا والآخرة.

سابعاً: موقف أبي بكر  –رضى الله عنه-  مع أهل الردة ومانعي الزكاة:

عندما توفي رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- ارتدت أحياء كثيرة من العرب، وظهر النفاق، وقد كان أهل الردة على قسمين:

القسم الأول: ارتدوا عن الدين، ونابذوا الملة، وهذه الفرقة طائفتان:

مُدّعو النبوة كمسيلمة الكذاب، وأتباعهم.

والطائفة الأخرى ارتدوا عن الدين، وتركوا الصلاة والزكاة، وعادوا إلى ما كانوا عليه في الجاهلية.

القسم الثاني: هم الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة، فأنكروا فرض الزكاة ووجوب أدائها.

وهذا القسم هو الذي وقع فيه الخلاف، فثبت أبو بكر  –رضى الله عنه-  ثم وافقه جميع الصحابة على قتال جميع المرتدين ومانعي الزكاة([37]).

فعن أبي هريرة  –رضى الله عنه-  قال: لما توفي رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب لأبي بكر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم-: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا اللَّه، فمن قال: لا إله إلا اللَّه فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على اللَّه))؟! فقال أبو بكر: واللَّه لأقاتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، واللَّه لو منعوني عِقالاً([38]) كانوا يؤدونه إلى رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعه، فقال عمر بن الخطاب: فواللَّه ما هو إلا أن رأيت اللَّه –عز وجل- قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفت أنه الحق([39]).

وفي رواية: أن أبا بكر  –رضى الله عنه-  قال: «واللَّه لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، واللَّه لو منعوني عَناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم-  لقاتلتهم على منعها...»([40]).

وفي هذا الموقف الحكيم لأبي بكر أدلّ دليل على شجاعته  –رضى الله عنه-  وتقدّمه في الشجاعة والعلم على غيره، فإنه ثبت للقتال في هذا الموطن العظيم الذي هو أكبر نعمة أنعم اللَّه – تعالى – بها على المسلمين بعد رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم-، واستنبط  –رضى الله عنه-  من العلم بحكمته، ودقيق نظره، ورصانة فكره، ما لم يُشاركه في الابتداء به غيره، فلهذا وغيره مما أكرمه اللَّه به، أجمع أهل العلم بالحق على أنه أفضل أمة محمد –صلى الله عليه وسلم- ([41]).

فرضي اللَّه عن أبي بكر وأرضاه، وجزاه عن أمة محمد خير الجزاء؛ فإنه قد قام بما يجب عليه نحوها، من ترسيخ معاني الإسلام في قلوب ونفوس وحياة أمة محمد –صلى الله عليه وسلم-، وأمرها بالثبات على دين اللَّه الذي جاء به النبي –صلى الله عليه وسلم- من غير زيادة ولا نقص، وطبق ذلك تطبيقاً عمليّا على نفسه، وعلى جميع من بايعه، وقاتل من أنكر شيئاً من ذلك، فقد أعز اللَّه به الإسلام والمسلمين، وخذل به أعداء اللَّه وأعداء الدين، ولهذا لم ينقص الدين في حياته كما قال  –رضى الله عنه- لعمر بن الخطاب حينما أشكل عليه قتال مانعي الزكاة: إنه قد انقطع الوحي وتمّ الدين، أفينقص وأنا حيّ؟ واللَّه لأقاتلنّ من فرّق بين الصلاة والزكاة، أليس قد قال رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم-: «إلا بحقها»، ومن حقها: إيتاء الزكاة، واللَّه لو خذلني الناس كلهم لجاهدتهم بنفسي»([42]).

وصدق  –رضى الله عنه- ، فقد حفظ اللَّه به الدين، ولم ينقص وهو حي، ولهذا كانت خلافته مليئة بالأعمال الجليلة التي تحتاج إلى السنوات الطوال لإنجازها على الرغم من قصر مدة خلافته  –رضى الله عنه- ، فهي لم تزد على سنتين وثلاثة أشهر وعشرة أيام، وهذا يدل على حكمة أبي بكر العظيمة ووعيه التام بالإسلام، وعزيمته الثابتة الراسخة كالجبال الرواسي، وإيمانه الذي لو وُزِنَ وإيمان الأمة كلها([43]) لرجح إيمان أبي بكر بإيمان أمة محمد –صلى الله عليه وسلم-، ولهذا يُعدّ  –رضى الله عنه-  هو الذي أرسى الدعائم بعد وفاة النبي ×. وأثبت المفاهيم، فرضي اللَّه عنه وأرضاه، وهذا غيض من فيض، وإلا فهو أفضل السابقين الأولين، وصلى اللَّه وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه أجمعين.  

سعيد بن علي بن وهف القحطاني

([26])  انظر له مواقف حكيمة في البخاري مع الفتح في كتاب مناقب الأنصار، باب أيام الجاهلية، 7/149، وأبي نعيم في الحلية، 1/31، وأحمد في الزهد بمعناه، ص164، وانظر: حياة الصحابة، 2/611، 612، وأعلام المرسلين لخالد البيطار، 1/30، وصحيح الجامع الصغير للألباني، 4/172، برقم 4395، وانظر أيضاً: فتح الباري، 7/14، فقد ذكر لأبي بكر عجائب في الورع.

([27])  البخاري مع الفتح، كتاب الجنائز، باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه، 3/133، (رقم 1241، 1242)، وكتاب المغازي، باب مرض النبي –صلى الله عليه وسلم- ووفاته، 8/145، (رقم 4452-4454).

([28])  سورة الزمر، الآية: 30.

([29])  سورة آل عمران، الآية: 144.

([30])  انظر: البخاري مع الفتح، وقد صغت هذه الألفاظ من مواضع متفرقة منه، من كتاب الجنائز، باب الدخول على الميت إذا أدرج في أكفانه، 3/113، (رقم 1241، 1242)، وكتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: لو كنت متخذاً خليلاً، 7/19، (رقم 3667)، وكتاب المغازي، باب مرض النبي –صلى الله عليه وسلم- ووفاته، 8/145، (رقم 4454)، وانظر: البداية والنهاية لابن كثير، 5/241، 242، وحلية الأولياء، 1/29.

([31])  والمعنى: حتى أرد عليه حقه. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير، باب الراء مع الواو، 2/273.

وانظر: التاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، 3/57، وفي البداية والنهاية قال: حتى أزيح علته إن شاء الله، 5/248.

([32])  انظر: سيرة ابن هشام،4/340،وابن كثير في البداية والنهاية،5/248، قال: <وهذا إسناد صحيح>.

([33])  انظر: البداية والنهاية، 5/248.

([34])  انظر: البخاري مع الفتح، كتاب المغازي، باب بعث النبي –صلى الله عليه وسلم- أسامة بن زيد  –رضى الله عنه- ، 8/151، 152.

([35])  انظر: تاريخ الإمام الطبري، 2/246، والكامل في التاريخ لابن الأثير، 2/226، وتاريخ الإسلام للإمام الذهبي – عهد الخلفاء الراشدين، ص19، والبداية والنهاية، 6/304، 305، وفتح الباري، 8/152، وتاريخ الخلفاء لجلال الدين السيوطي، ص74، وحياة الصحابة للعلامة محمد يوسف الكاندهلوي، 1/423، 425، 427، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، 3/64.

([36])  سورة النور، الآية: 63.

([37])  انظر: شرح النووي على مسلم، 1/202، والبداية والنهاية، 6/311، وتاريخ الإسلام للذهبي – عهد الخلفاء الراشدين، ص27، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، 3/67.

([38])  العقال: هو الحبل الذي يعقل به البعير، والعناق: هي السخلة من الغنم. انظر: النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 3/280، 3/311.

([39])  مسلم بلفظه في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، 1/51، (رقم  20)، والبخاري مع الفتح في كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، 3/262، (رقم 1399)، 12/ 275، 13/250، 3/321، 322.

([40])  البخاري مع الفتح، كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، 3/262، 12/275، 13/250، (رقم 1399)، ورواية العناق عند البخاري دون مسلم. وما ذهب إليه أبو بكر  –رضى الله عنه-  قد ثبت عن النبي –صلى الله عليه وسلم- من حديث عبد الله بن عمر  –رضى الله عنه- ، حيث جاء فيه ذكر الشهادتين، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة.

     وقد أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، 1/53، (رقم 22)، وأبو داود في كتاب الزكاة، 2/93، (رقم 1556)، والترمذي في الإيمان، باب ما جاء بني الإسلام على خمس، 5/3، (رقم 2609، 2610)، والنسائي في الزكاة، باب عقوبة مانع الزكاة، 5/14، (رقم 3938).

([41])  انظر: شرح النووي على مسلم، 1/211.

([42])  انظر: تاريخ الطبري، 2/245، 246، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر، 3/68، وأعلام المسلمين لخالد البيطار، ص75، وحياة الصحابة، 1/434.

([43])  انظر: تاريخ الخلفاء للسيوطي، ص59.

 

]]>
es.islamcenter@gmail.com (mona) الصحابة Tue, 08 Jan 2013 07:56:37 +0000
نبذة من سيرة أبي بكر-رضى الله عنه- (1) http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/69-2013-01-08-06-56-02/455-2013-01-08-07-51-18.html http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/69-2013-01-08-06-56-02/455-2013-01-08-07-51-18.html Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4

نبذة من سيرة أبي بكر-رضى الله عنه- (1)

الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله، وأصحابه، ومن اهتدى بهداه، أما بعد:

فهذه نبذة يسيرة جداً من سيرة أبي بكر الصديق –رضى الله عنه- ([1])؛ خليفة رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- بإجماع المسلمين، وأفضل البشر بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهو أول الخلفاء، وأفضلهم، وقد قال النبي –صلى الله عليه وسلم- في حقهم: «فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلاَفًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ»([2])، وهو الذي أثنى عليه اللَّه تعالى بقوله: {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ}([3])، وقد قال أبو بكر  –رضى الله عنه-  عندما كان مع رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- في الغار، قال: «يا نبي اللَّه، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا فَقَالَ: «مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟»([4])، ومن سبَّه، أو انتقص من حقه، فهو أضل من حمار أهله؛ لقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ، وَلَا نَصِيفَهُ»([5]).

ومن سيرته الجميلة الكريمة النماذج الآتية:

أولاً: ولادته، وأعماله، ووفاته  –رضى الله عنه-:

ولد أبو بكر  –رضى الله عنه-  بعد مولد النبي –صلى الله عليه وسلم- بسنتين و أشهر؛ فإنه مات و له ثلاثة وستون سنة([6])، وهو أول من أسلم من الرجال([7])، صحب رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- من حين أسلم إلى حين توفي، لم يفارقه حضراً ولا سفراً، إلا فيما أَذِنَ له رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- في الخروج فيه، من: حجٍ، أو غزوٍ، و شهد معه الغزوات كلها، وجميع المشاهد، وهاجر معه، وترك عياله وأولاده، رغبة في اللَّه ورسوله –صلى الله عليه وسلم- ([8])، وهو أفضل أصهار رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم-، حيث زوجه عائشة ل أحب النساء لرسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم-، وقد وقع في خلافته الأمور العظيمة: من تنفيذ جيش أسامة، وقتال أهل الردة، وما نعي الزكاة، وقتال مسيلمة الكذاب عندما ادعى النبوة حتى قتل، وانهزم أصحابه، وهو أول من شهد له رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- بالجنة من العشرة المشهود لهم الجنة، وجمع القرآن –صلى الله عليه وسلم- ، وأول من سمَّاه مصحفاً، وأول من سُمِّي خليفة([9])، وهو أعلم الصحابة، وأفقههم، وقد توفي –رضى الله عنه-  في سنة ثلاث عشرة، في شهر جمادى الآخرة للهجرة، في يوم الثلاثاء، وله ثلاث وستون سنة، وعلى رأس سنتين وثلاثة أشهر، واثني عشر يوماً من مُتوفَّى رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- ([10]).

ثانياً: دفاعه عن النبي –صلى الله عليه وسلم- والقيام بنصرته:

عن عروة بن الزبير  –رضى الله عنه-  قال: قلت لعبد اللَّه بن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد ما صنع المشركون برسول اللَّه ×؟ قال: بينما رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- يصلي في حجر الكعبة، إذ أقبل عقبة بن أبي مُعيط، فأخذ بمنكب رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-، ولوى ثوبه في عنقه، فخنقه خنقاً شديداً، فأقبل أبو بكر، فأخذ بمنكبه ودفعه عن رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- وقال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ}([11]).

وهو أشجع الصحابة  –رضى الله عنه-  فقد رُوي عن علي  –رضى الله عنه-  أنه خطب، فقال: أيها الناس أخبروني من أشجع الناس؟ [أي بعد رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم-؛ فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان أشجع الناس]، قالوا: أنت يا أمير المؤمنين! قال: أما إني ما بارزت أحداً إلا انتصفت منه، ولكن أخبروني بأشجع الناس! قالوا: لا نعلم، فمن؟ قال: أبو بكر. إنه لما كان يوم بدر، جعلنا لرسول اللَّه × عريشاً، فقلنا: من يكون مع الرسول × لئلا يهوي عليه أحد من المشركين، فواللَّه ما دنا منه أحد إلا أبو بكر، شاهراً بالسيف على رأس رسول اللَّه × لا يهوي إليه أحد إلا أهوى إليه، فهذا أشجع الناس.

قال علي  –رضى الله عنه-: ولقد رأيت رسول اللَّه × وأخذته قريش، فهذا يحاده، وهذا يتلتله([12])، وهم يقولون: أنت الذي جعلت الآلهة إلهاً واحداً، فواللَّه ما دنا منا أحد إلا أبو بكر، يضرب هذا، ويُجاهد هذا، ويتلتل هذا، وهو يقول: ويلكم، {أَتَقْتُلُونَ رَجُلا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ}، ثم رفع عليٌّ بردةً كانت عليه، ثم بكى حتى اخضلت لحيته، ثم قال علي: أنشدكم اللَّه، أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر؟ فسكت القوم. ثم قال: ألا تجيبوني؟ فواللَّه لساعة من أبي بكر خير من ملء الأرض من مثل مؤمن آل فرعون، ذاك رجل يكتم إيمانه، وهذا رجل أعلن إيمانه([13]).

ثالثاً: تصديقه للنبي –صلى الله عليه وسلم- والحرص على حمايته

عن جابر بن عبد اللَّه  –رضى الله عنه-  أنه سمع رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- يقول: «لما كذبني قريش قمت في الحجر، فجلَّى اللَّه لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه»[14]).

وقد افتتن ناس كثير عقب الإسراء، فجاء ناس إلى أبي بكر فذكروا له قصة الإسراء بالنبي × إلى بيت المقدس، فقال أبو بكر: أشهد أنه صادق، فقالوا: وتصدقه بأنه أتى الشام في ليلة واحدة ثم رجع إلى مكة؟ قال: نعم، إني أصدقه بأبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء، فسُمّي بذلك الصديق([15]).

وقد كان  –رضى الله عنه-  يحرص على حماية النبي × أشد الحرص، فقد ذكر رجال على عهد عمر  –رضى الله عنه-  فكأنهم فضلوا عمر على أبي بكر، فبلغ ذلك عمر، فقال: واللَّه لليلة من عمري من أبي بكر خير من آل عمر، وليوم من أبي بكر خير من آل عمر، لقد خرج رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- ليلة انطلق إلى الغار ومعه أبو بكر، فجعل يمشى ساعة بين يديه، وساعة خلفه، حتى فطن رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- فقال: «يا أبا بكر ما لك تمشي ساعة خلفي، وساعة بين يدي؟» فقال: يا رسول اللَّه، أذكر الطلب فأمشي خلفك، ثم أذكر الرصد فأمشي بين يديك، فقال: «يا أبا بكر، لو كان شيء لأحببت أن يكون بك دوني؟» قال: نعم، والذي بعثك بالحق، فلما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: مكانك يا رسول اللَّه حتى أستبرئ لك الغار، فدخل فاستبرأه، حتى إذا كان ذكر أنه لم يستبرئ الجحرة([16])، فقال: مكانك يا رسول اللَّه حتى أستبرئ، فدخل فاستبرأ، ثم قال: انزل يا رسول اللَّه، فنزل. ثم قال عمر: والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر([17]).

وعندما دخل أبو بكر الغار مع النبي –صلى الله عليه وسلم- صار يخاف عليه من قريش حينما رآهم، فقال – رضي اللَّه عنه وأرضاه –: يا رسول اللَّه، لو أن أحدهم نظر إلى ما تحت قدميه لأبصرنا، فقال: «يا أبا بكر، ما ظنك باثنين اللَّه ثالثهما، لا تحزن فإن اللَّه معنا»([18]).

ولهذا قال –صلى الله عليه وسلم-: «إن أمنَّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخُوّةُ الإسلام ومودَّته»([19]).

وقال: «لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكنه أخي وصاحبي، وقد اتخذ اللَّه –عز وجل- صاحبكم خليلاً»([20]).

رابعاً: إنفاقه ماله في سبيل اللَّه تعالى

عندما أسلم أبو بكر  –رضى الله عنه-  كان من أثرى أثرياء قريش، فكانت عنده أموال كثيرة، وقد كان في منزله يوم أسلم أربعون ألف درهم أو دينار، فاستخدم أمواله كلها في طاعة اللَّه، ومن ذلك ما يأتي:

1- إنفاق المال في إعتاق الرّقاب:

أعتق  –رضى الله عنه-  رقاباً كثيرة، حُفِظَ منهم سبع رقاب: بلال، وعامر بن فهيرة، وزنيرة، والهندية وبنتها، وكانتا لامرأة من بني عبد الدار، وجارية بني مؤمل، وأم عبيس، رضي اللَّه عن الجميع.

وقد كانت هذه الرقاب يُعذّب معظمها على إسلامها، فأنقذها اللَّه بأبي بكر الصديق  –رضى الله عنه-  وأخذ  –رضى الله عنه-  ينفق أمواله في خدمة الإسلام والمسلمين([21]).

2- أخذه جميع ماله يوم الهجرة لإنفاقه على رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم-:

حمل الباقي من ماله عندما هاجر مع النبي × إلى المدينة، ولم يبق لأهله شيئاً، فعن أسماء بنت أبي بكر  –رضى الله عنه-  قالت: «لما خرج رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم- وخرج أبو بكر معه، احتمل أبو بكر معه ماله كله، خمسة آلاف أو ستة آلاف درهم، فانطلق بها معه، قالت: فدخل علينا جدي أبو قحافة، وقد ذهب بصره، فقال: واللَّه إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه، قالت: كلا يا أبت، قد ترك لنا خيراً كثيراً، قالت: فأخذت أحجاراً فجعلتها في كوة([22]) في البيت – كان أبي يجعل فيها ماله – ثم جعلت عليها ثوباً، ثم أخذت بيده فقلت: ضع يدك يا أبت على هذا المال، قالت: فوضع يده عليه، فقال: لا بأس، إن ترك لكم هذا فقد أحسن، وفي هذا لكم بلاغ، قالت: ولا واللَّه ما ترك لنا شيئاً، ولكن أردت أن أسكِّن الشيخ بذلك»([23]).

3- تصدُّقه بماله كله في غزوة تبوك:

وعن عمر بن الخطاب  –رضى الله عنه-  قال: أمرنا رسول اللَّه × أن نتصدق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً، فجئت بنصف مالي، فقال رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم-: «ما أبقيت لأهلك؟» قلت: مثله. قال: وأتى أبو بكر  –رضى الله عنه-  بكل ما عنده، فقال له رسول اللَّه –صلى الله عليه وسلم-: «ما أبقيت لأهلك؟» قال: أبقيت لهم اللَّه ورسوله، قلت: واللَّه لا أسبقه إلى شيء أبداً»([24]).

وأبو بكر  –رضى الله عنه-  أولى الأمة بقوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى، الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى، وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى، إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى، وَلَسَوْفَ يَرْضَى} ([25]).




([1]) انظر سيرته بالتفصيل في: سير أعلام النبلاء، للإمام الذهبي، مجلد سير الخلفاء الراشدين، ص 5- 67 (مؤسسة الرسالة).

([2]) أخرجه الإمام أحمد، برقم 17144، وأبو داود، برقم 4607، والترمذي، برقم 2676.

([3]) سورة التوبة، الآية: 40.

([4]) البخاري، برقم 3653، ورقم 3922.

([5]) رواه البخاري، برقم 3673، ومسلم، برقم 2540.

([6]) انظر: تاريخ خليفة بن خياط، ص 121.

([7]) تاريخ الخلفاء، للسيوطي، ص 33.

([8]) المرجع السابق، ص 36.

([9]) تاريخ خليفة، ص 121.

([10]) المرجع السابق، ص 121.

([11])  سورة غافر، الآية: 28.

والحديث في البخاري مع الفتح، كتاب المناقب، باب ما لقي النبي –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من المشركين بمكة، 7/165، 7/22، 8/533 (رقم 3856).

([12])  يتلتله: يزعزعه ويزلزله. انظر: مختار الصحاح، مادة: تلل، ص33، والمعجم الوسيط، 1/87.

([13])  ذكره ابن كثير، وعزاه إلى البزار، انظر: البداية والنهاية، 3/272، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 9/47: وفيه من لم أعرفه، ولكن لبعض هذا المتن شواهد في الأحاديث الصحيحة انظرها في صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، باب الإمداد بالملائكة في غزوة بدر، 3/1383 (رقم 1763)، والبخاري مع الفتح، كتاب المغازي، باب قوله تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ... }، 7/287 (رقم 3953)، وكتاب فضائل الصحابة، باب فضل أبي بكر  –رضى الله عنه- ، 7/22 (رقم 3678)، وانظر: حياة الصحابة للعلامة محمد يوسف الكاندهلوي 1/ 540، وحلية الأولياء، 1/32، وانظر: تاريخ الخلفاء للحافظ جلال الدين السيوطي، ص37.

([14])  البخاري مع الفتح، كتاب مناقب الأنصار، باب حديث الإسراء، 7/196، (رقم 3886).

([15])  انظر: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، 7/199، وعزاه إلى البيهقي في الدلائل.

([16])  الجحرة: مفردها: جحر، وهو المكان الذي تحفره السباع والهوام لأنفسها. انظر: المعجم الوسيط، مادة (جحر)، 1/180.

([17])  الحاكم في المستدرك، وقال: هذا حديث صحيح لولا إرسال فيه. ووافقه الذهبي، 3/6، وذكره ابن كثير في البداية والنهاية، 3/180، وعزاه إلى البيهقي، وانظر: حياة الصحابة، 1/339، وحلية الأولياء، 1/33.

([18])  البخاري مع الفتح، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب المهاجرين وفضلهم، 7/8، (رقم 3653)، وكتاب مناقب الأنصار، باب هجرة النبي –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي بكر الصديق  –رضى الله عنه- ، 4/1854، (رقم 2381).

([19])  البخاري مع الفتح، كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي –صلى الله عليه وسلم- سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر، 7/12، (رقم 3654)، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب فضل أبي بكر الصديق  –رضى الله عنه- ، 4/1854، (رقم 2382).

([20])  البخاري مع الفتح، كتاب فضائل الصحابة، باب قول النبي –صلى الله عليه وسلم-: لو كنت متخذاً خليلاً، 7/17، (رقم 3656)، ومسلم واللفظ له، كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أبي بكر الصديق  –رضى الله عنه- ، 4/1855، (رقم 2383).

([21])  انظر: سيرة ابن هشام، 1/340، والإصابة في تمييز الصحابة، 2/243، والكامل في التاريخ لابن الأثير، 2/290، والبداية والنهاية، 3/58، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، ص38.

([22])  الكوة: ثقب في الحائط. انظر: القاموس المحيط، باب الواو، فصل الكاف، ص1713.

([23])  أخرجه أحمد، 6/350، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 6/59: <ورجال أحمد رجال الصحيح غير  ابن إسحاق، وقد صرح بالسماع، وعزاه للطبراني أيضاً، وانظر أيضاً: البداية والنهاية، 3/179، وتاريخ الخلفاء للإمام للسيوطي ص39، وحياة الصحابة للكاندهلوي، 2/164.

([24])  أخرجه الترمذي في كتاب المناقب، باب في مناقب أبي بكر وعمر  –رضى الله عنهم- ، 5/614، (رقم 3675)،وقال: <هذا حديث حسن صحيح>، وأبو داود في الزكاة، باب الرخصة في ذلك – أي الرخصة في إخراج المال كله، 2/ 129، (رقم 1678)، والدارمي في الزكاة، باب الرجل يتصدق بجميع ما عنده، 1/329، (رقم 1667)، والحاكم وصححه على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، 1/414، وأبو نعيم في الحلية، 1/32.

([25])  سورة الليل، الآيات: 17-21.

     وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الآيات نزلت في أبي بكر الصديق  –رضى الله عنه-  حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك. انظر: تفسير ابن كثير، 4/522.


]]>
es.islamcenter@gmail.com (mona) الصحابة Tue, 08 Jan 2013 07:50:42 +0000
مخافة أبي بكر الصديق إن ترك السنة أن يزيغ http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/69-2013-01-08-06-56-02/454-2013-01-08-07-16-55.html http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/69-2013-01-08-06-56-02/454-2013-01-08-07-16-55.html Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4

مخافة أبي بكر الصديق إن ترك السنة أن يزيغ

الحمد لله رب العالمين نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد:

فإنَّ دراسة السنَّة من أهم العلوم وأفضلها وأشرفها عند الله سبحانه وتعالى، وإنَّ من أعظم ما يتقرَّب به المُتقربون إلى الله سبحانه وتعالى ويسعى إليه الساعون هو طلب أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكذلك العناية بصحيحِها وسقيمها، فإنَّ سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وحي من الله سبحانه وتعالى، أوحاهُ إلى نبيه - صلى الله عليه وسلم - بواسطة جبريل وهي قرينة للقرآن من جهة الاحتِجاج، ولذا فإنّه قد أجمع أهل السنة على أنَّ سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وحي من الله سبحانه وتعالى، وقد قال الله جل وعلا في كتابه العظيم، {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}، وهذا بيان من الله سبحانه وتعالى على أنّ سنة النبي وحي من الله جل وعلا، وعلى هذا أهل العلم وكذلك صنيعهم دلّ على ذلك في مصنَّفاتِهم، فالإمام البخاري عليه رحمة الله قد عقد أول كتاب في صحيحه: (كتاب بدء الوحي)، إشارة إلى أنّ ما يليه من هذا الكتاب إنّما هو وحي من الله تعالى على نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ولذا قال مشيرًا إلى ذلك في كتاب التوحيد من صحيحه: (باب ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - وروايته عن ربه)، وهذا محل اتفاق عند أهل العلم أيضًا فقد أخرج الدارمي في سننه وأبو داود في كتاب المراسيل والخطيب في الكفاية والفقيه والمتفقه وابن عبد البر في كتابه الجامع والمروزي في "كتاب السنة" عن الأوزاعي عن حسان قال: كان جبريل عليه السلام ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - في السُنّة كما ينزل عليه بالقرآن.

وقد أخرج الخطيب في كتابه "الكفاية" عن أحمد بن زيد بن هارون قال: إنّما هو صالح عن صالح وصالح عن تابع وتابع عن صاحب وصاحب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورسول الله عن جبريل وجبريل عن الله عز وجل، أي فهذه شريعة الله سبحانه وتعالى من كتاب وسنة، إنّما يرويها حتى وصلت إلينا صالح عن صالح وصالح عن تابع وتابع عن صاحب وصاحب عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن جبريل وجبريل عن الله عز وجل، فلا يقف شيء من وحي الله سبحانه وتعالى عند أحد من هؤلاء دون الله سبحانه وتعالى والنبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يقوله ويفعله، كله وحي من الله جل وعلا، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سُئِل في شيء من شرع الله سبحانه وتعالى وكان لديه وحي من الله تعالى سابق أخبر به، وإن لم يكن لديه وحي من الله جل وعلا فإنّه حينئذٍ ينتظر خبر السماء ولا يتكلم من دون الله سبحانه وتعالى.

وقد جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك أخبار تبين وقوف النبي - صلى الله عليه وسلم - وعدم كلامه من تِلقاء نفسه، ومن ذلك ما أخرج الشيخان من حديث إسماعيل عن ابن جريج عن عطاء عن صفوان بن أميه عن أبيه أنه كان يقول لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: ليتني أرى نبي الله - صلى الله عليه وسلم - حين ينزل عليه الوحي، قال: فلما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجعرانة، وعلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ثوب قد أظل به عليه مع أناس من أصحابه فيهم عمر، إذ جاءه رجل عليه جبة صوف متضمخ بطيب، فقال: يا رسول الله ! كيف ترى في رجل قد أحرم بعمرة في جُبَّة بعدما تضمخ بطيب؟ قال: فنظر إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ساعة ثم سكت، فجاءه الوحي ولم يكن حينئذٍ لدى النبي - صلى الله عليه وسلم - علمًا من الله جل وعلا ووحي سابق، فأشار عمر بيديه إلى يعلى بن أميه أن تعال، فجاء يعلى فأدخل رأسه فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - محمر الوجه يغط ساعة ثم سرّيَ عنه، فقال: ((أين الذي سألني عن العمرة؟))، فالتُمِس الرجل فجيء به، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث مرات، وأما الجبة فانزعها ثم اصنع في عمرتك كما تصنع في حجك))، فهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - لما جاءه ذلك الرجل الذي قد تلبس بعمرة، جاءه ولم يكن لديه علم عما تلبس به، فإنه قد لبس المخيط وهي: الجبة وتضمخ بطيب وهما من محظورات الإحرام، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ولم يكن لدى النبي - صلى الله عليه وسلم - وحي من الله جل وعلا سابق، فانتظر الوحي الذي جاءه به جبريل عليه السلام، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر أن أخباره وأقواله وأحكامه التي يقولها ويفعلها من أمر ونهي أو فعل وترك ونحو ذلك إنَّما هي وحي من الله سبحانه وتعالى بل هي من كتاب الله جل وعلا، فالله سبحانه وتعالى قد قرن طاعة نبيه - صلى الله عليه وسلم - بطاعته في غير ما موضع من كتابه سبحانه وتعالى، بل أخبر أنَّ من يعصي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنَّما يعصي الله جل وعلا، أخرج الشيخان قالا: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني قال: جاء أعرابي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله اقضِ بيننا بكتاب الله، قال: فقام خصمه الأعرابي الآخر، فقال: صدق يا رسول الله، اقضِ بيننا بكتاب الله، فقال ذلك الأعرابي: إنَّ ابني كان عسيفًا على هذا – يعني أجيرًا يرعى له غنمه - فزنى بامرأته، فقالوا لي على ابنك الرجم، قال: ففديت ابني منه بمائة من الغنم ووليدة، ثم سألت أهل العلم فقالوا إنَّما على ابنك جلد مائة وتغريب عام، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لأقضينَّ بينكما بكتاب الله، أما الوليدة والغنم فردٌّ عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، وأما أنت يا أنيس، فاغدُ إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها))، فغدا أنيس إليها فرجمها.

ومن تأمل أحكام النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذا الأعرابي وخصمه فإنّه يجد النبي - صلى الله عليه وسلم - قد حكم أحكامًا ليست في القرآن الكريم بنصها، وإنّما هي من النبي - صلى الله عليه وسلم - من وحي الله جل وعلا، الذي هو يعد من سنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - التي هي قرينة القرآن الكريم من جهة الاحتجاج، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - حكم عليه بأنَّ الغنم والوليدة رد عليه ؛ لأنَّها ليست من حكم الله سبحانه وتعالى، وكذلك قد حكم على ابنه جلد مائة، والجلد قد ثبت في كتاب الله سبحانه وتعالى في سورة النور في قوله جل وعلا: {فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ }، وكذلك قد حكم على ابنه بأن يجلد مائة جلدة ويغرّب عام، وتغريب العام أيضًا هو ليس مما نُص عليه في كتاب الله سبحانه وتعالى، وإنَّما هو من سنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لأقضين بينكما))، وهذا قَسَمٌ منه - صلى الله عليه وسلم -: ((لأقضين بينكما بكتاب الله))، وحكم بأن يجلد مائة جلدة ويغرّب عام، وذلك يدل على أنَّ أحكام النبي - صلى الله عليه وسلم - قرينة لكتاب الله سبحانه وتعالى، الذي هو القرآن الكريم من جهة الاحتجاج.

والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر في غير ما موضع أنَّ سنَّته وما يرد عنه - صلى الله عليه وسلم - من قول أو فعل أنّها قرينة لكتاب الله سبحانه وتعالى يحرم ردّها ويحرم الإعراض عنها لقول أحد من الناس، بل أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم أنَّ عدم توقير أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - إيذان بإحباط العمل، وقد قال الله جل وعلا في سورة الحجرات: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ}، فإحباط العمل هنا ليس من الذي تسبب فيه الكفر، فمعلوم أنَّ الكفر بالله سبحانه وتعالى يحبط العمل، ولكن هنا من يرفع صوته عند النبي - صلى الله عليه وسلم - قد يكونون هم من أهل الإيمان وارتكبوا هذه المعصية، التي رُبَّما تشعر بعدم إجلال لأقوال النبي - صلى الله عليه وسلم -، ورفع الصوت عند أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - سواء كان في حياته أو بعد مماته عند سماعِها ممن يتحدَّث بها الحكم واحد، فإنَّ ذلك مظنَّة حُبوط العمل والعياذ بالله، وإن لم يكن كفرًا، فما الظَّن إذًا بمن قدَّم على قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونهجه وهديه قول غيره ونهجه وهديه، أليس هذا قد حبط عمله من غير أن يشعر!!

أخرج الشيخان من طريق صالح عن بن شهاب قال أخبرني عروة بن الزبير عن عائشة عن أبيها الصديق قال: لست تاركا شيئا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعمل به إلاَّ عملت به إني أخشى إن تركت شيئًا من أمره أن أزيغ.

وهذا الصّديق يخاف إن ترك السنَّة أن يزيغ فماذا عسى أن يكون من وقت وزمان أضحى أهله يستهزِئون بنبيهم وبأوامره ونهيه، ويتنافسون في مخالفته، بل ويسخرون من نهجه..

وقد أجمع المسلمون على أن من ظهر له من السنة شيء لم يحل له أن يدعها لقول أحد كان.

وإذا علم هذا علم عظمة التعبُّد بالعناية بالوحي وكذلك الاعتناء بما يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - والتعبُّد بما فيه، وإذا علم أنَّ سنّة النبي - صلى الله عليه وسلم - وحي من الله جل وعلا، فإنّه حينئذٍ يعلم شرف ذلك العلم وفضله عند الله سبحانه وتعالى.

وقد كان السلف الصالح عليهم رحمة الله كثيرًا ما يعتنون بمعرِفة أحكام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحواله، وكذلك فإنّ مجالس الذِّكر إنَّما هي مجالس الحلال والحرام ليست هي مجالس القصاص ونحوها، إنَّما هي مجالس الحلال والحرام، معرفة الفقه ومعرفة أحكام القرآن وتفسيره ونحو ذلك، فقد أخرج أبو نعيم في كتابه الحِلية من حديث أبي عبد الملك قال: حدثنا يزيد بن سمرة أبو هزان قال: سمعت عطاء الخراساني يقول: مجالس الذِّكر هي مجالس الحلال والحرام.

وقد أخرج أيضًا أبو نعيم من حديث يحيى بن كثير قال: تعلّم الفقه صلاة، ودراسة القرآن صلاة.

فإذن إذا علم أنَّ سنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - وحي من الله سبحانه وتعالى فإنَّه يُعلم شرف ذلك العلم وعظمة الأجر عند الله سبحانه وتعالى لمن تتبع سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتفقه فيها، وسعى في حفظها وفي معرفة صحيحها من سقيمها، والذَّب عنها، وهذا من أرفع الدرجات عند الله لمن رزق الإخلاص والنيّة الصالحة، وقد قال يحي بن يحي النيسابوري: الذَّب عن السنّة أفضل من الجِهاد في سبيل الله. قيل له: الرجل يُنفِق ماله ويتعب نفسه ويجاهد، فهذا أفضل منه؟، قال: نعم بكثير..

وقد قال أبو عبيد القاسم بن سلام: المتّبع للسنة كالقابض على الجمر، وهو عندي اليوم أفضل من الضرب بالسيوف في سبيل الله.

وهذا يدل على فضل الجهاد كما يدل على فضل السنَّة حيث وقع التفضيل بينهما لِعلُو شأنهِما في الإسلام.

]]>
es.islamcenter@gmail.com (mona) الصحابة Tue, 08 Jan 2013 07:16:33 +0000