حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته (2)
حقوق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته (2)
ولا شك أن العبد إذا أحب الله ورسوله، فإنه يحبُّ ما يحبه الله ورسولُه؛ لأن من أحبَّ أحداً أحب من يحبه؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من أحبَّ لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومَنَعَ لله، فقد استكمل الإيمان»([21]).
وعلامات محبته صلى الله عليه وسلم تظهر في الاقتداء به واتباع سنته, وامتثال أوامره, واجتناب نواهيه, والتأدب بآدابه, في الشدة والرخاء, وفي العسر واليسر, ولا شك أن من أحب شيئاً آثره, وآثر موافقته, وإلا لم يكن صادقاً في حبه ويكون مدّعياً([22]).
قال الله تعالى: { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}([23]) ويقال لهذه الآية آية المحنة؛ لأن الله امتحن بها العباد، فعلامة المحبة لله تعالى اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والابتعاد عما نهى عنه.
* ومن حقوقه صلى الله عليه وسلم احترامه وتوقيره كما قال تعالى: { لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} ([24])
وحرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته, وتوقيره لازم كحال حياته وذلك عند ذكر حديثه, وسنته, وسماع اسمه وسيرته, وتعلم سنته, والدعوة إليها, ونصرتها([25]).
* ومن حقوقه صلى الله عليه وسلم وجوب نصرته: فمن صِدْقِ المحبة للنبي صلى الله عليه وسلم : نُصرته، وتعزيره، وتوقيره، قال الله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} ([26]). وقال تعالى: {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}([27]).
* ومن حقوقه صلى الله عليه وسلم وجوب التحاكم إليه والرضى بحكمه صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}([28]), وقال تعالى:{ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}([29]) ويكون التحاكم إلى سنته وشريعته بعده صلى الله عليه وسلم.
* ومن حقوقه صلى الله عليه وسلم إنزاله مكانته بلا غلو ولا تقصير فهو عبد لله ورسوله, وهو أفضل الأنبياء والمرسلين, وهو سيد الأولين والآخرين, وهو صاحب المقام المحمود والحوض المورود, ولكنه مع ذلك بشر لا يملك لنفسه ولا لغيره ضراً ولا نفعاً إلا ما شاء الله كما قال تعالى: { قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّـهُ ۚ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ ۚ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ([30])، وقد مات صلى الله عليه وسلم كغيره من الأنبياء ولكن دينه باقٍ إلى يوم القيام { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}([31]).
* ومن حقوقه صلى الله عليه وسلم الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: { إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} ([32]), وقال صلى الله عليه وسلم : «.. من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً»([33]), وقال صلى الله عليه وسلم: «لا تجعلوا بيوتكم قبوراً, ولا تجعلوا قبري عيداً وصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم»([34]), وقال صلى الله عليه وسلم: «البخيل من ذكرت عنده فلم يصلِّ عليّ»([35]), وقال صلى الله عليه وسلم: «ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله فيه, ولم يصلّوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة, فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم»([36]), وقال صلى الله عليه وسلم: «إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي السلام»([37]), وقال جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم: «رَغِمَ أنف عبد – أو بَعُد – ذُكِرتَ عنده فلم يُصَلِّ عليك» فقال صلى الله عليه وسلم: «آمين»([38]), وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أحد يسلّم عليَّ إلا ردّ الله عليَّ روحي حتى أردّ عليه السلام»([39]).
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
عباد الله! اتقوا الله تعالى، وقوموا بحقوق نبيكم صلى الله عليه وسلم، فإنه حقّه أعظمَ الحقوق التي أوجبها الله تعالى بعد حقّه سبحانه عز وجل. ومن حقوق النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم ذكره آنفاً الصلاة عليه، وللصلاة عليه صلى الله عليه وسلم مواطن كثيرة ذكر منها الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى واحداً وأربعين موطناً منها على سبيل المثال: الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم عند دخول المسجد, وعند الخروج منه, وبعد إجابة المؤذن, وعند الإقامة, وعند الدعاء, وفي التشهد في الصلاة، وفي صلاة الجنازة، وفي الصباح والمساء، وفي يوم الجمعة, وعند اجتماع القوم قبل تفرقهم, وفي الخطب: كخطبتي صلاة الجمعة, وعند كتابة اسمه, وفي أثناء صلاة العيدين بين التكبيرات, وآخر دعاء القنوت, وعلى الصفا والمروة, وعند الوقوف على قبره, وعند الهم والشدائد وطلب المغفرة, وعقب الذنب إذا أراد أن يُكَفَّر عنه, وغير ذلك من المواطن التي ذكرها رحمه الله في كتابه([40]).
ولو لم يَرِدْ في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إلا حديث أنس رضى الله عنه لكفى «من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات([41]). [كتب الله له بها عشرة حسنات]([42]) وحط عنه بها عشر سيئات, ورفعه بها عشر درجات»([43]).
المتواجدون حالياً
إحصائيات الموقع
يحتوي الموقع على
أكثر من | 800 | مقال | |
أكثر من | 1800 | كتاب | |
أكثر من | 3800 | صوت | |
أكثر من | 600 | فديو |