Web Hits اجتهاد النبيِّ صلى الله عليه وسلم في عبادته وجهاده (1)
    

اجتهاد النبيِّ صلى الله عليه وسلم في عبادته وجهاده (1)

اجتهاد النبيِّ صلى الله عليه وسلم في عبادته وجهاده (1)

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضِلَّ له، ومَنْ يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه، وسَلّم تسليماً كثيراً، أَمّا بعد:

عباد الله اتقوا الله تعالى، واعلموا أنه يجب على كل مسلم ومسلمة معرفة النبي صلى الله عليه وسلم التي هي من الأصول الثلاثة، التي يجب على كل مسلم ومسلمة تعلمها، والعمل بها، ويُسأل عنها في قبره. ومن هذه المعرفة معرفة اجتهاده في عبادته وجهاده.

فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أسوة وقدوة وإماماً يُقتدى به؛ لقوله تعالى:{ لَّقَدْ كَان لَكُمْ َفِي رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلآخِرَ وَذَكَرَ الله كثيرًا}([1])؛ ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يصلي حتى تفطَّرت قدماه وانتفخت وورمت فقيل له: أتصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: «أفلا أكون عبداً شكوراً»([2])

وكان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، وربما صلى ثلاث عشرة ركعة([3])، وكان يصلي الرواتب اثنتي عشرة ركعة([4]) وربما صلاها عشر ركعات([5])، وكان يصلي الضحى أربع ركعات ويزيد ما شاء الله([6])، وكان يطيل صلاة الليل فربما صلى بما يقرب من خمسة أجزاء في الركعة الواحدة([7])، فكان ورده من الصلاة كل يوم وليلة أكثر من أربعين ركعة منها الفرائض سبع عشر ركعة([8]).

وكان يصوم غير رمضان ثلاثة أيام من كل شهر([9]) ويتحرَّى صيام الاثنين والخميس([10])، وكان يصوم شعبان إلا قليلاً، بل كان يصومه كله([11])، ورغَّب في صيام ست من شوال([12])، وكان صلى الله عليه وسلم يصوم حتى يُقال: لا يفطر، ويفطر حتى يُقال: لا يصوم([13])، وما استكمل شهراً غير رمضان إلا ما كان منه في شعبان، وكان يصوم يوم عاشوراء([14])، وروي عنه صوم تسع ذي الحجة([15])، وكان يواصل الصيام وينهى عن الوصال، وبيَّن أنه صلى الله عليه وسلم ليس كأمته؛ فإنه يبيت عند ربه يطعمه ويسقيه([16])، وهذا على الصحيح: ما يجد من لذة العبادة والأنس والراحة وقرة العين بمناجاة الله تعالى؛ ولهذا قال: «يا بلال أرحنا بالصلاة»([17])، وقال: «وجُعِلَتْ قرة عيني في الصلاة»([18]).

وكان يكثر الصدقة، وكان أجود بالخير من الريح المرسلة حينما يلقاه جبريل عليه الصلاة والسلام([19])؛ فكان يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة؛ ولهذا أعطى رجلاً غنماً بين جبلين فرجع الرجل إلى قومه وقال: يا قومي أسلموا فإن محمداً يعطي عطاءً لا يخشى الفاقة([20])، فكان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأكرم الناس، وأشجع الناس([21])، وأرحم الناس وأعظمهم تواضعاً، وعدلاً، وصبراً، ورفقاً، وأناة، وعفواً، وحلماً، وحياءً، وثباتاً على الحق.

وجاهد صلى الله عليه وسلم في جميع ميادين الجهاد: جهاد النفس وله أربع مراتب: جهادها على تعلم أمور الدين، والعمل به، والدعوة إليه على بصيرة، والصبر على مشاق الدعوة، وجهاد الشيطان وله مرتبتان: جهاده على دفع ما يلقي من الشبهات، ودفع ما يلقي من الشهوات، وجهاد الكفار وله أربع مراتب: بالقلب، واللسان، والمال، واليد. وجهاد أصحاب الظلم وله ثلاث مراتب: باليد، ثم باللسان، ثم بالقلب. فهذه ثلاث عشرة مرتبة من الجهاد، وأكمل الناس فيها محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كمَّل مراتب الجهاد كلها، فكانت ساعاته موقوفة على الجهاد: بقلبه، ولسانه، ويده، وماله؛ ولهذا كان أرفع العالمين ذكراً وأعظمهم عند الله قدراً([22]). وقد دارت المعارك الحربية بينه وبين أعداء التوحيد، فكان عدد غزواته التي قادها بنفسه سبعاًٍ وعشرون غزوة، وقاتل في تسع منها، أما المعارك التي أرسل جيشها ولم يقدها فيقال لها سرايا فقد بلغت ستاً وخمسين سرية([23])

وكان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس معاملة، فإذا استسلف سلفًا قضى خيراً منه؛ ولهذا جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه بعيراً فأغلظ له في القول، فَهَّم به أصحابه فقال النبي صلى الله عليه وسلم«دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً» فقالوا: يا رسول الله: لا نجد إلا سنًّا هو خير من سنّه فقالصلى الله عليه وسلم: «أعطوه» فقال الرجل: أوفيتني أوفاك الله، فقال: «إن خير عباد الله أحسنهم قضاءً»([24]). واشترى من جابر بن عبد الله  بعيراً، فلما جاء جابر بالبعير قال له صلى الله عليه وسلم: «أتراني ماكستك؟» قال: لا يا رسول الله، فقال: «خذ الجمل والثمن»([25]).

([1])  سورة الأحزاب، الآية 21.

([2])  البخاري برقم 1130، ومسلم برقم 2819.

([3])  البخاري برقم 1147، ومسلم برقم 737.

([4])  مسلم برقم 728.

([5])  البخاري برقم 1172، ومسلم برقم 729 .

([6])  مسلم برقم 719.

([7])  مسلم برقم 772.

([8])  كتاب الصلاة لابن القيم ص 140.

([9])  مسلم برقم 1160.

([10])  الترمذي برقم 745، والنسائي 4/202 وغيرهما.

([11])  البخاري رقم 1969 و1970، ومسلم برقم 1156 و1157.

([12])  مسلم برقم 1164.

([13])  البخاري برقم 1971، ومسلم برقم 1156.

([14])  البخاري برقم 2000 – 2007، ومسلم برقم 1125.

([15])  النسائي 4/205، وأبو داود برقم 2437، وأحمد 6/288، وانظر: صحيح النسائي رقم 2236.

([16])  البخاري برقم 1961 - 1964 ومسلم برقم 1102 - 1103.

([17])  أبو داود برقم 8549، وأحمد 5/393.

([18])  النسائي 7/61، وأحمد 3/128، وانظر: صحيح النسائي 3/827.

([19])  البخاري برقم 6، ومسلم يرقم 2308.

([20])  مسلم 4/1806، برقم 2312 .

([21])  البخاري مع الفتح 10/455، برقم 6033، ومسلم 4/1804، برقم 2308 .

([22])  زاد المعاد 3/5، 10، 12.

([23])  انظر: شرح النووي 12/95، وفتح الباري 7/279 - 281، و8/153.

([24])  البخاري رقم 2305، ومسلم برقم 1600.

([25])  البخاري مع الفتح 4/320، برقم 2097، ومسلم 3/1221، برقم 715 .

 

عزيزي الزائر .. للإستفادة من جميع موارد الموقع يجب توفر لديك البرامج التالية :

        

المتواجدون حالياً

حاليا يتواجد 13 زوار  على الموقع

إحصائيات الموقع

يحتوي الموقع على

أكثر من
800
مقال
 أكثر من1800
كتاب
 أكثر من3800
صوت
 أكثر من600
فديو

 

تسجيل الدخول