Web Hits مقالات مركز الإسلام | موقع مختص بالتعرف بالإسلام وتعليم مبادئ الدين الحنيف ( عقيدة - صلاة - زكاة - صوم - حج - عمرة - السيرة النبوية ) على ما جاء في القرآن والسنه http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/61.html Mon, 28 Dec 2020 14:06:06 +0000 Joomla! 1.5 - Open Source Content Management ar-dz عقيدة المسلم http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/61-2011-05-05-07-07-39/413-2012-12-25-16-26-05.html http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/61-2011-05-05-07-07-39/413-2012-12-25-16-26-05.html Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4

عقيدة المسلم

عقيدة المسلم الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر خيره وشره من الله تعالى وهو قول باللسان واعتقاد بالقلب وعمل بالجوارح يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وهو بضع وسبعون شعبة أعلاها قول (لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان وهو يحمل من اتصف به على فعل الجميل وترك القبيح والجميل ما أمر الله به ورسوله والقبيح ما نهى الله عنه ورسوله، فكل طاعة لله فهي من شعب الإيمان وأصوله ستة:

(1) الإيمان بالله تعالى بأنه واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد.

والإيمان بأمره ونهيه ووعده ووعيده وثوابه وعقابه وعلمه المحيط بكل شيء وقدرته على كل شيء والإيمان بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وأنه تعالى يرانا ويسمعنا ويعلم سرنا وعلانيتنا قال تعالى في سورة الحديد {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} لا إله غيره ولا رب سواه، والإيمان به تعالى يستلزم محبته وخوفه ورجاءه وطاعته بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.

(2) الإيمان بملائكته الكرام البررة عمومًا وخصوصًا جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ومع كل إنسان أربعة ملائكة لا يفارقونه اثنان يكتبان الحسنات والسيئات واثنان يحرسانه من الآفات، وملائكة موكلون بإعداد الجنة لأهلها، وملائكة موكلون بإيقاد النار وتعذيب أهلها قال تعالى في سورة التحريم {عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون}[التحريم: 6] وليس في السموات السبع موضع قدم ولا كف ولا شبر إلا وفيه ملك قائم أو ملك راكع أو ملك ساجد لله تعالى: {يُسَبِّحُونَ الليْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 20].

(3) الإيمان بكتب الله المنزلة على الأنبياء والمرسلين كالتوراة على موسى والإنجيل على عيسى والزبور على داود والقرآن على محمد –صلى الله عليه وسلم-، وهو أفضل الكتب السماوية والمهيمن عليها وناسخها وفيه تبيانًا لكل شيء وهدى ورحمة وشفاء لما في الصدور {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42] ومن لازم الإيمان به تلاوته وتدبره والعمل به فما آمن بالقرآن من استحل محارمه.

(4) الإيمان بأنبياء الله وعددهم (124000) والرسل منهم (313) وأولوا العزم منهم (5) هم (نوح، وإبراهيم الخليل، وموسى، وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم)([1]) وأول الرسل نوح وآخرهم محمد –صلى الله عليه وسلم-ومن لازم الإيمان به محبته وتصديقه وامتثال أمره واجتناب نهيه وتحكيم شرعه والعمل بسنته قال –صلى الله عليه وسلم- «لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به» قال النووي حديث صحيح.

(5) الإيمان بالقدر خيره وشره وأن الله تعالى علم أعمال عباده ومقادير خلقه قبل أن يخلقهم وكتب ذلك في اللوح المحفوظ وشاءها منهم وخلقها وأوجدها في أوقاتها المحددة بلا تقدم ولا تأخر فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه رفعت الأقلام. وجفت الصحف {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام: 115].

(6) الإيمان باليوم الآخر ويدخل فيه الإيمان بأشراط الساعة: كخروج الدجال ودابة الأرض ويأجوج ومأجوج وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى بن مريم عليه السلام ثم الإيمان بفتنة القبر، وعذابه ونعيمه وكونه روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ثم الإيمان بالبعث بعد الموت والجزاء والحساب والثواب والعقاب.

والحوض والميزان والصراط والجنة والنار وذبح الموت بينهما ثم الخلود الدائم في نعيم أو عذاب، فيقال يا أهل الجنة خلود ولا موت ويا أهل النار خلود ولا موت فاختر لنفسك أي المنزلتين ما دمت على قيد الحياة.

اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.

اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل واعتقاد.

ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل واعتقاد.

اللهم وفق مجتمعنا لأداء فرائضك واحفظهم من موجبات غضبك وأليم عقابك.

وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليمًا كثيرًا.



([1]) على ما ورد في حديث أبي ذر في عدد الأنبياء والرسل وغير ذلك رواه الإمام أحمد وابن مردويه في تفسيره وابن حبان في صحيحه وأبو الحسين الآجري (انظر تفسير ابن كثير (1/ 585-587) عند تفسير الآية (النساء: 164).

]]>
es.islamcenter@gmail.com (mona) العقيدة Tue, 25 Dec 2012 16:25:38 +0000
أعباءُ الفقه http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/61-2011-05-05-07-07-39/277-2012-12-06-08-46-51.html http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/61-2011-05-05-07-07-39/277-2012-12-06-08-46-51.html Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4

أعباءُ الفقه

يسعى كثيرون لتحقيق فضيلة ( الفقه في الدين ) ، و يجهدون لنوالها، حيث جاءت بها النصوص مُبَيِّنَةً فضلها و مكانتها، و من ذلك قول سيدنا رسول الله _ صلى الله عليه و آله و سلم _  " مَن يُرِد الله به خيراً يفقهه في الدين " [ رواه البخاري ]. و السعايةُ في تحقيق ذلك ليست من الأمور ذوات السهولة و اليُسْر، و لا من الأعمال التي تُنال بالركون نحو الدَّعة ، بل هي ذات أعباءٍ كبيرة ، و ذات متاعب و إجهاد ، و في بيان ذلك يقول ابنُ القيم _ يرحمه الله _ حالَ ذكره لاحتجاج الفقهاء بصحيفة عمروِ بن شعيب عن أبيه عن جده _ و إنما طعن فيها مَن لم يتحمَّل أعباء الفقه … . [ أعلام الموقعين 1/35 ] . فراقَ لي بديعُ التعبير فأحببتُ أن أسيلَ حِبْر اليراع بإيضاحٍ لحقائق هذه اللفظة المُستكنَّة في ظلالها الوارفة . بعد هاتيك التَّقْدُمة الآنفة فإنَّ من الضروريِّ علمُه أن أعباءَ الفقه نوعان:

الأول : عِبْءُ تأصيلٍ

فإن تحصيل الفقه في شريعة الله وظيفة كبرى، و مهمة عُظمى، بذل النُّجباءُ مُهج أرواحهم في تحصيله ، و نقدوا نفيس أوقاتهم في تحرير مسائله، فغدى سائراً فيهم سير الدم في العِرْق، و لم يكونوا _ قط _ يستشعرون سهولةً فيه ، و لا خفةً في تلقيه ، فإنهم كانوا عالمين بشدائده ، عارفين بغوائله . ذلك أنه يتخذُ مساراً دقيقاً ، و مسلَكاً صعباً _ و لا يعني توصيف صعوبته تيئيس من تحصيله ، و إنما الشأن توصيف حالٍ ليس إلا _ ، بخلاف غيره من فنون العلوم فإنه في نزولٍ عن دقته . فالتأصيل الفقهي يُؤخذ عن طريقين :

الأولى : دراسةُ متنٍ فِقهيٍ ، و تلكَ سابلةٌ معروفةٌ لدى المتفقِّهَةِ ، إلا أنَّ لها نَهْجاً _ كسائرِ متون العلم _ حيثُ أنَّ المتون المقرَّر دراستُها في الفنون ترْتَكِزُ على ثلاثةِ أصولٍ :

الأصلُ الأوَّل : أن تكون مُعتمدةً في الفنِّ ، يقول العلامةُ المَرْعَشِيُ _ رحمه الله _ " ترتيبُ العلوم " ( ص / 80 ) : … بل المنقولُ من سيَرهم ، و المُتبَادَر من كلماتهم في مؤلفاتهم أنهم تناولوا متون الفنون المُعتبَرة ، و هي مسائلها المشهورة . أ.هـ

الأصلُ الثاني : أن تكون جامعةً لمسائل الفن ، و يؤخذُ ذلك من كلام المَرعشي _ السابق _ .

الأصل الثالث : أن تكون مُختَصَرةً غيرَ مُطوَّلَةٍ .

و الدراسةُ للفقهِ عن طريقِ المتون الفقهيةِ أمتنُ من غيرها ، لأسباب :

-        السبب الأول : أنها متون مُحقَّقَةٌ مُنَقَّحةٌ، فقد جرى على مسائلها بحثاً و دراسةً فقهاءُ كلِّ مذهب، فليستْ تأليفاً فَرْدياً في الجنوح بالاختيار، و ليست إلا أنها خُلاصةُ أبحاثٍ طويلةٍ للمسائل .

-        السببُ الثاني : أنها مُعتَنىً بها عنايةً تُوحي بقيمتها العلميَّة ، فكمْ منْ : شارحٍ، ناظم، و مُحَشٍ، و مُتَمِّم ، و مُدلِّلٍ، معلِّلٍ، و غير ذلك .

-        السبب الثالث : أنها أجمعُ للمسائلِ و أرْتبُ، فترى فيها ذكراً لأحكام المسألة على الترتيب الذي ضجمعُ للطالبِ فِقهها ، فترى تقديم الشروط على الأركان ، و الأركان على الواجبات ، ثم يليها السُّنن ، و ما إلى ذلك. بخلافِ غيرِها فلا تجدِ فيها تلك الصَّنْعةِ الدَّقيقة .

هذه الأسبابُ هي التي اختصَّتْ بها متون المذاهب الأربعة الشريفة _ الحنفي ، المالكي ، الشافعي ، الحنبلي _ ، و أما غيرُها فليسَ فيها شيءٌ من تلكم المناقبِ ، بلْ فيها من الآفاتِ ما هو كفيلٌ بردِّها .

الثانية : تقريرُ المسألة الفقهية ، فإنَّ الفقهاءَ أخذوا في تقرير المسائل الفقهيةِ طريقةً مُحكمةً مُتقَنَةً ، أتوا فيها على فروع المسألة و جُزئيَّاتها ، و بها تبرأُ ذِمةُ المُكلَّف ، و خلافُ ذِي لا يُستفادُ منها علماً و لا فقهاً .

فتقريرُ مسألةٍ عِباديَّةٍ لِتُضْبَط على وَفْقِ ما هو مُقرَّرٌ عند المذهب الفقهي المأخوذِ به تكون من جهاتٍ ستٍّ :

-        الجهةُ الأولى : شروطُ العبادة .

-        الجهةُ الثانية : أركان العبادة .

-        الجهةُ الثالثة : واجباتُ العبادة .

-        الجهة الرابعة : مُستحبات العبادة .

-        الجهةُ الخامسة : مُبطلاتُ العبادة .

-        الجهةُ السادسة : مَكروهاتُ العبادة .

ثُمَّ بعدَ ذلك يكون تحريرُ تلك الجهات السِّت من خلال مناحٍ ثلاثة :

-        الأولى : صُورةُ المسألةِ معَ حكمها .

-        الثانية : قيودُ المسألة .

-        الثالثة : ذكرُ الاستثناءاتِ إن وُجِدَتْ .

و يُلحقُ ذلك و يُتمَّم بشيئين :

-        أولهما : ضَبطُ الجهاتِ عداً و نحوه .

-        ثانيهما : دليلُ المسألة ، و الأدلةُ نوعانِ :

الأول : مُتفقٌ عليها ، و هي : الكتابُ و السنةُ و الإجماعُ و القياس .

الثاني : مُختلَفٌ فيها ، و هي كثيرةٌ ، و لكلِّ مذهبٍ مذهبُه في اعتبار الأدلة .

وَ بحْثُها منثورٌ في كُتُبِ أصولِ الفقهِ فَلْتُراجَع .

الثاني : عِبءُ تأهيلٍ .

التصدِّي للتفقيه و التعليم من المناقب العظيمة ، و من المرتب التي أولاها العلماءُ اهتماماً و عنايةً ، فكانت واضحة المعالم ، بَيِّنَةَ الأصول و القواعد ، و بالغوا في العنايةِ لِمَنْ يتصدَّى لبيان أحكام الشريعة ، و إظهار أسرار الفقه في أعمال المُكلَّفيْن ، فأتوا بأصولٍ و قواعدَ معتبَرَةٍ .

فلم يكن امر التفقيه سبهللاً يسلكه كلُّ متمجهدٍ لا يفقَه ضبطَ اسم العلم ، و لا كلُّ متعالمٍ لم يُجاوز عَتَبَةَ البداية ، و إنما هو على ما ذُكرَ من بيان لاهتمام الفقهاء به .

إذا عُلِمَ ذلك فإن التأهُّلَ نوعان :

-        النوع الأول : تأهيلُ تبليغٍ ، و شأنُه تبليغُ العلمِ على وجههِ دونَ إقحامٍ لنفسهِ برأي يرتأيِهِ ، أو قولٍ يقولُ به ، و يأخذُ بذلك قانون التبليغِ وهو : ( إيرادُ اللفظِ كما سَمعهُ من غير تغييرٍ ) [ "فيضُ القدير" _ للمُناوي _ (3/206) .

-        النوعُ الثاني : تأهيلُ استباطٍ ، و هذا النوعُ هو المشتغلُ بالاستنباطِ للأحكام من النصوص ، و الكلام عنه من جهتيْن :

الأولى : حدُّهُ ، فهو :الذي يَسْتقلُّ بإدراك الأحكام الشرْعية من الأدلة الشرعية من غيرِ تقليد و تقيد بمذهب أحد . انظر : أدب المُفتي و المُستفتي _ لابن الصلاح _ ص 87 .

الثانية : شروطه ، إذِ المُتصَدِّر للاجتهاد شروطٌ ، هي :

معرفةُ الكتاب ، و المُرادُ : إدراك آيات الكتاب ، و الإلمامُ بمعانيها ، و المُتَعَيِّنُ آيات الأحكام . انظر : المُستصفى _ للغزَّالي _ 2/350 ، المحصول _ لفخر الدين الرازي _2/33 ، البحر المحيط _ للزرْكشي _6/199.

معرفةُ السنة ، كالسابق في حدِّ المُراد . انظر : البحر المحيط 6/200 .

معرفة اللغة العربية ، و المُشْترَطُ العلمُ بما يتعلَّقُ بنصوص الأحكام .

قال الطُّوْفي _ يرحمه الله _ [ شرْح مختصر الروضة 3/581 ]: و يُشترَط أن يعرف من النحو و اللغة ما يكفيه في معرفة في معرفة ما يتعلَّق بالكتاب و السنة مِنْ  نصٍّ، و ظاهرٍ و مجمَلٍ، و حقيقةٍ و مجازٍ، و عامٍ و خاص، و مُطْلَقٍ و مقيَّدٍ، ودليل الخطاب و نحوه كـ: فحوى الخطاب، و لحنه، ومفهومه،  لأن بعضَ الأحكام يتعلَّق بذلك و يتوقَّف عليه توقفاً ضرورياً. ا،هـ . انظر : البحر المحيط 6/202 ، التحبير _ للمرْداوي _ 8/3875 .

معرفة مواقع الأجماع ، و ذلك لأمرين :

أ _ التحرُّز من القول بما يُخالفه ، و يُلْحق بذلك : إحداثُ قولٍ ثالث .

ب _ التحرُّز من القول بالخلاف أو القول المهجور المتروك . انظر : المستصفى 2/351 ، البحر المحيط 6/201.

فائدة : قال الإمامُ الزركشي _ يرحمه الله _ [ البحر المحيط 6/201 ] : ولابُدَّ معَ ذلك أن يعرفَ الاختلاف . ا،هـ .

-        معرفة الناسخ و المنسوخ ، حتى لا يستدل بنصٍّ منسوخ . انظر : البحر المحيط 6/203 ، التحبير 8/3873 .

-        معرفةُ أصول الجرح و التعديل .

قال المرْداوي _ يرحمه الله _ [ التحبير 8/3875 ] : لكنْ يكفي التعويلُ في هذه الأمور كلها في هذه الأزمنة على كلام أئمة الحديث كأحمد ، و البخاري ، و مسلم ، و أبي داود ، و الدارقُطْني ، و نحوهم ؛ لأنهم أهل المعرفة بذلك ، فجازَ الأخذ بقولهم كما نأخذ بقولِ المُقَيِّمين في القيم . ا،هـ. انظر : البحر المحيط 6/203 ، التحبير 8/3875 .

-        معرفة أصول الفقه . انظر : المحصول 2/36 ، إرشاد الفحول _ للشوْكاني _ ص 234 ، التحبير 8/3870 

فائدتان مُتَمِّمَتان :

-        الأوْلى : قال الصَيْرَفي _ يرحمه الله _ : و مَنْ عرَفَ هذه العلوم فهو في المرتبة العليا ، و من قَصر عنه فمقدارُه ما أحسن ، و لن يجوز أن يُحيطَ بجميع هذه العلوم أحدٌ غير النبي .  و الغرضُ الّلازم مِن علمِ ما وصفت ما لا يقدرُ العبد بترك فعله ، و كلما ازداد علماً ازداد منـزلةً. قال _ تعالى _ : {و فَوْقَ كلِّ ذيْ علمٍ عليمٍ } . ا،هـ [ البحرُ المحيط 6/203 ] .

-        الثانية : قال الشوكاني _ يرحمه الله _  و منْ جعل المقدار المُحتاجَ إليه من هذه الفنون هو معرفةُ مُختصَرَاتُها، أو كتابٍ متوسِّطٍ من المؤلفات الموضوعة فيها فقد أبعدَ ، بل الاستكثارُ من الممارسة لها و التوسع في الإطلاع على مطولاتها مما يزيد المجتهد قوةً في البحثِ ، و بصراً في الاستخراج ، و بصيرةً في حصول مطلوبه . و الحاصلُ : أنَّه لابُدَّ أن تَثْبُتَ له الملَكَةُ القوية في هذه العلوم ، و إنما تثْبُتُ هذه الملَكَةُ بطولِ المُمَارَسة ، و كثرة المُلازمة لشيوخ هذا الفن . ا،هـ [ إرشاد الفحول ص 234 ] .

 وبعدَ ذكرِ هذه الشروط المُؤَهِّلَةِ للتصدُّر للاستنباط في الشريعة نعرِفُ عِظَمَ الأمر، و خطورة الإقدام على مثل هذا. فهذان عِبئانِ من أعباءِ الفقهِ ، يَبِيْنُ منهما عِظَمُ قيمةِ الفقهِ عند العلماء ، و مدى حاجةِ النَّاسِ له ، و ليس علماً يُؤخَذُ عبرَ حالاتٍ لا يُؤْبَه به فيها ، و إنما أمرُه أن يُؤْخَذَ عن : قانون معتَبَرٍ  و بجدٍ و حزمٍ ، و أن يكون ذلك مصحوباً بعملٍ في الباطن و الظاهر . رزقنا اللهُ الفقهَ في الدِّين ، و لزوم جادة العلماء العابدين ، و الله الموفق لا ربَّ سواه .

 

تأليف: عبد الله بن سُليمان العُتَيِّق

]]>
es.islamcenter@gmail.com (mona) العقيدة Thu, 06 Dec 2012 00:00:00 +0000
نظرة في تاريخ العقيدة http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/61-2011-05-05-07-07-39/280-2012-12-06-08-27-38.html http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/61-2011-05-05-07-07-39/280-2012-12-06-08-27-38.html Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4

نظرة في تاريخ العقيدة

  زعم بعض الناس أن العقيدة لم يعرفها الإنسان على ما هي عليه مرة واحدة، وإنما ترقت وتطورت خلال قرون سحيقة أطلقوا عليها " عصور ما قبل التاريخ "، " والعصور الحجرية " حيث لم يعرف الإنسان البدائي في زعمهم له رباً ولا معبودا ً، ثم نشأت لديه عاطفة التدين لما رأى الحيوانات تخشى القوى الخفية، وتخاف البرق والرعد، فظل يبحث عن معبود يشعر نحوه بالولاء والتقديس مهما كانت صورة هذا المعبود الذي يتوجه إليه بالحب والرهبة، فالتمسه في الشمس والقمر والكواكب، حتى في الأشجار والحيوانات، وقد تطور من وثنية إلى وثنية إلى أن اكتشف التوحيد من تلقاء نفسه، أي أن الدين في زعم هؤلاء هو نتاج العقل البشري واختراعه.

ويفهم من هذه المزاعم:

·   أولاً: أن الإنسان الأول كان أقرب إلى الحيوان، وأنه خُلق خلقاً ناقصاً غير مؤهل لأن يتلقى الحقائق العظمى كاملة، وأنه طبقاً للنظرية الداروينية الفاشلة كائن تطور عن غيره، وعليه فليس لتكليف هذا الإنسان ولا لاستخلافه في الأرض معنى.

·   ثانياً: أنه كان مشركاً بطبيعته، والأصل في فطرته النزوع إلى الشرك والوثنية، وبناء على ذلك: زعموا أن الأصل في عقيدة البشر العقيدة الفاسدة، ثم طرأ التوحيد عليها، حيث أن الدين الداعي إلى التوحيد جاء متأخراً عن وجود الإنسان على ظهر الأرض في زعمهم.

·   ثالثاً: أنه سعى بجهده وعقله في البحث عن معبود، وأن أفكاره تطورت ذاتياً بناء على تجاربه دون توجيه رباني يهديه ويرشده، إلى أن اكتشف الدين بنفسه دون معلم يعلمه، وأنه كما ترقى في العلوم والصناعات، ترقى كذلك في معرفة الله - تعالى -.

·   رابعاً: أن قروناً طويلة مرت على البشرية وهي لا تعرف لها رباً ولا معبوداً، لكن كلما تقدم الزمن ترقت في مفهومها للدين وتطورت، وعليه فإن من جاءوا بعد آدم كانوا على دين أكمل منه، والقرون المتأخرة كانت أقرب للفهم الصحيح من الأمم المتقدمة.

 [وتأسيساً على هذه المزاعم قاموا بمعالجة تواريخ الأمم التي سبقت بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - بما في ذلك تاريخ أوربا على أنه تاريخ وثني جاهلي محض، لا أثر فيه لوجود الله، ولا لدين هو الإسلام طلب الله من البشرية أن تعتنقه، ولا لنظام ولا لشرع رباني طلب الله من بني آدم أن يخضعوا حياتهم له، ولا وجود لرسل أرسلوا من قِبَل الله - عز وجل -، يطلبون من الناس عبادة الله وحده بدون شريك، أي انتفاء التكليف الرباني لبني البشر.

والنموذج لذلك، يتضح لنا، من كيفية معالجة المستشرقين لتاريخ مصر والعراق وبلاد الشام والجزيرة العربية منذ أقدم الدهور، والتي أسقطت تماماً أي دعوة إلى الإسلام حملها رسل الله في حياة الأمم التي سكنت تلك البلاد، وبهذا أصبحت جميع الأمم بلا استثناء تنظر إلى هذه الفترة من تاريخها على أنها خُلِقَت وتُرِكت هملاً، فلم تكن تعرف لها رباً، ولا ترتضى لنفسها ديناً، ليس هذا فحسب، بل راحوا يرددون أن الأصل في عقيدة أهل تلك الأقطار: الوثنية؛ وأنهم تطوروا في وثنيتهم من التعدد إلى التثنية إلى التوحيد، وأن أول الموحدين في مصر من تلقاء نفسه في التاريخ هو الفرعون أخناتون " أمنحتب الرابع " الذي كان يعبد القوى الكامنة وراء إله الشمس آتون، وأن عبادته هي الحقيقة والدين الصحيح، وأن فكرته قد انتـقلت إلى بلاد العراق حيث أقام إبراهيم دينه، أي أن إبراهيم هو مؤسس الإسلام أي أنه ليس وحياً من عند الله!!!

وتأكيداً لهذه المزاعم، حرص علماء الآثار من المستشرقين على طمس أي قرينة أثرية أو ملامح تاريخية تؤكد أن الله - سبحانه وتعالى- فطر البشرية على الإسلام، وارتضاه لها ديناً، وبه بعث الرسل، وعندما تظهر قرينة رغماً عنهم تؤكد أصالة خط توحيد الله في حياة البشر راحوا يعزونها إلى تطور الفكر البشري، فهم يزعمون أن الإنسان قد تطور في معتقده كما تطور في صناعته.

وأصحاب منطلق التجاهل والتجهيل بالإسلام لا يستندون إلى دليل سوى الجهل، والجهل لا يصلح أن يكون دليلاً]. ا هـ [انظر.. الإسلام دين الله في الأرض وفي السماء " للدكتور جمال عبد الهادي، - حفظه الله -، ص (26)]

وفيما يلي، نلقي هذه النظرة على:

·         مسالك الباحثين عن نشأة التدين في الوجود: يقول الدكتور أحمد بن ناصر الحمد - حفظه الله -" إن الطريق الذي يسلكه جمهور الباحثين للوصول إلى هذا المطلب هو التنقيب عن أديان الأمم القديمة، أو أديان الأمم المعاصرة غير المتحضرة، ويعتبر هؤلاء نهاية ما يعلمونه في القدم من أديان البشر؛ وما عليه الأمم الأشد تخلفاً من ممارسات دينية صورة مطابقة لما كان عليه الإنسان الأول!

ومصادر هؤلاء في إثبات آرائهم بالنسبة للأديان القديمة النقوش والرمم التي يستوحون منها ما يزعمونه قطعياً، ولما كانت تلك مصادرهم، اختلفت آراؤهم. فذهب فريق، إلى أن الدين بدأ بصورة الخرافة، وأن الإنسان أخذ يترقى في دينه على مدى الأجيال حتى وصل إلى الكمال فيه بالتوحيد، كما تدرج في علومه وصناعاته، حتى زعم بعضهم أن عقيدة

" الإله الأحد " عقيدة حديثة، وليدة عقلية خاصة بالجنس السامي، ونادى بهذه النظرية أنصار المذهب التطوري، الذي ساد في أوروبا في القرن التاسع عشر في أكثر من فرع من فروع العلم. وذهب فريق آخر إلى القول: بفطرية التوحيد وأصالته، وأثبتوا أن عقيدة الخالق الأكبر هي أقدم ديانة ظهرت في البشرية.

وقد رد أنصار هذا المذهب على القائلين بالمذهب التطوري مع أن مسالكهما في الوصول إلى تحديد بداية الدين واحدة، وهي دراسة الشعوب المتأخرة والأمم الغابرة.

وبالنظر إلى مسالك القوم في إثبات العقيدة الدينية، يتبين خطؤها، من حيث الغاية والوسيلة، يقول الدكتور محمد عبد الله دراز - رحمه الله - " أما من حيث الغاية التي يهدف إليها البحث، وهي تحديد الأصل الأصيل للعقيدة والمظهر التي ظهرت به في أول الأزمنة بإطلاق، فلأن هذه المنطقة " البدائية المحضة " قد اعتبرها العلم شُقّةً حراماً حظرها على نفسه، وأعلن بصراحة خروجها عن حدود عمله … ومؤرخو الديانات على الخصوص معترفون، بأن الآثار الخاصة بديانة العصر الحجري وما قبله لا تزال مجهولة لنا جهلاً تاماً، فلا سبيل للخوض فيها إلا بضرب من التكهن والرجم بالغيب.

وأما من حيث المنهج، وهو الاستدلال على ديانة الإنسانية الأولى بديانة الأمم المنعزلة المتخلفة عن ركب المدنية، فلأنه مبني على افتراض أن هذه الأمم كانت منذ بدايتها على الحالة التي وصل إليها بحثنا، وأنها لم تمر بها أدوار متقلبة، وهو افتراض لم يقم عليه دليل، بل الذي أثبته التاريخ، واتفق عليه المنقبون عن آثار القرون الماضية، هو أن فترات الركود والتقهقر التي سبقت مدنياتها الحاضرة، كانت مسبوقة بمدنيات مزدهرة، وأن هذه المدنيات قامت بدورها على أنقاض مدنيات بائدة قريبة، أو بعيدة، في أدوار تتعاقب على البشرية.. فمن العسير أن نحكم بصفة قاطعة أن الخرافات القديمة، بداية ديانات، كما يمكن أن يكون تحللاً، وتحريفاً لديانة صحيحة سابقة مزقت أهلها الحروب، أو أفسدتهم المؤثرات الاجتماعية، فقلت عنايتهم بأصول دينهم فضاع، وبقى تعلقهم بأشياء منه محرفة، أو مغلوطة، بهذا يظهر مبلغ ثبات الفرض الذي بنيت عليه البحوث الحديثة كلها، وأنها أُسست على جُرُفٍ هارِ لا تطمئن عليه الأقدام ".

ومما يوضح بطلان هذه الطريقة التي سلكها أصحاب المذهبين للوصول إلى معرفة هذا الأمر المهم بالنسبة للبشرية، أن القدر الذي عرف من تاريخ البشرية وبين عصر نشأتها لا تزال الثغرة فيه واسعة لم تُسَدَّ، ولن تُسَدَّ، إذا لم يقل أحد: " إن الوقائع المفقودة الوثائق يمكن إثباتها على وجه قاطع بمثل هذا الضرب من التخمين اعتماداً على مجرد حسن المقابلة، وجمال التناسق بينها، وبين الوقائع المعروفة "، دون تثبت من حصول التشابه بين تلك العصور، حتى يتم القياس على وجه صحيح ودقيق.

وأما الاستدلال بالآثار من النقوش، أو الحفريات، ثم استنطاق الرمم فأمر يحتاج إلى كثير من التأمل، وكل من كان له قلب يدرك مدى اختلاف تفسيرات الناس للأشياء المعينة المشاهدة في وقت واحد، فكيف الحال بتفسيرات المتأخرين بقرون طويلة لأحوال أولئك المتقدمين وأعمالهم؟ كما أن تعبيرات الناس عن الصور الحية متباينة كل التباين، فكيف هي عنها بعد أن رَمّتْ؟!

هذا فيما يتعلق بمستند الرأيين على حد سواء، ويزيد المذهب التطوري في كونه مبنياً على افتراض آخر، وهو أن الملكات والأحاسيس الروحية كالقوى البدنية، والمكتسبات العقلية، والتجريبية، فكما أن الإنسان ينتقل في نموه البدني من الضعف إلى القوة، وفي نموه العقلي من الجهالة إلى المعرفة، قد يلوح أنه بدأ حياته الروحية بالسخف والخرافة، ولم يصل إلى العقيدة السليمة إلا بعد جهد وعناء.

وقد انتُقِد هذا القياس، بأن المشاهد من حياة الناس الروحية، عدم التوافق في كل أدوارها جنباً إلى جنب مع حياتهم المادية، بل إنهما يسيران في طريقين متعارضين ككفتي الميزان لا ترتفع إحداهما إلا انخفضت الأخرى، وقليل من التأمل يهدي إلى أن محاولة قياس الأديان على الفنون والصناعات إنما هو محاولة للجمع بين أمرين لا تؤلف بينهما حقيقة نوعية مشتركة، بل تتباين طبائعهما ووسائلهما، ولقد كان مقتضى الوضع السليم في تعرف ما كانت عليه بداية الأديان فيما قبل التاريخ أن نسترشد في مقارنتها بسير الديانات المعروفة منذ طفولة التاريخ إلى اليوم، فالمعروف بالاستقراء أن كل واحدة من هذه الديانات بدأت بعقيدة التوحيد النقية، ثم خالطتها الشوائب، والأباطيل مع تقادم زمنها، فالأشبه أن تكون هذه سنة التطور في الديانات كلها.

ومن عجيب أمر الباحثين في تاريخ الأديان: أنهم يغفلون آثار الأنبياء، ويتجاهلون كتبهم، ويتعلقون بالواهي من الأدلة، ورموز الأخبار، والآثار، وتزداد الغرابة، وتعظم المصيبة حينما يكون الباحث مسلماً، ويتابع غير المسلمين في مثل هذه الأمور التي صرحت بها الرسالات السماوية، وجَلاها الدين الإسلامي بما لا يدع مجالاً للشك، سواء بالنسبة لخلق الإنسان، أو تكوينه ونظام حياته ودينه، والحكمة من خلقه ووجوده، والله - عز وجل - يقول: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} … (الإسراء: 36)، ويقول - جل وعلا - {مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً} … (الكهف: 51).

وإذا كنا من خلال ما سبق، قد رأينا أن وسائل العلوم التي يسلكها الباحثون في تحري الحقائق لم تقدم لنا بياناً شافياً يطمئن إليه القلب، وتسكن إليه النفس عن ديانة الإنسان الأول، فما هو المصدر الصحيح الذي يمكن من خلاله أن نستشرف هذا الغيب، ونقف على وجه الصواب فيه؟

إنه الوحي الإلهي وحده، الذي يطلعنا على حقائق الماضي والحاضر والمستقبل التي تغيب عن عقولنا وحواسنا، إنه القرآن الكريم كلام الله - عز وجل - الذي { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} … (فصلت: 42).

·         القرآن الكريم وحده يوضح تاريخ العقيدة

يقول فضيلة الدكتور عمر الأشقر - حفظه الله - " ليس هناك كتاب في الأرض يوضح تاريخ العقيدة بصدق إلا كتاب الله - سبحانه وتعالى-، ففيه علم غزير في هذا الموضوع. وعلم البشر لا يمكن أن يدرك هذا الجانب إدراكاً وافياً لأسباب:

الأول: أن ما نعرفه عن التاريخ الإنساني قبل خمسة آلاف عام قليل، أما ما نعرفه قبل عشرة آلاف عام فيعتبر أقل من القليل، وما قبل ذلك فيعتبر مجاهيل لا يدري علم التاريخ من شأنها شيئاً، لذا فإن كثيراً من الحقيقة ضاع بضياع التاريخ الإنساني.

الثاني: أن الحقائق التي ورثها الإنسان اختلطت بباطل كثير، بل قل ضاعت في أمواج متلاطمة في محيطات واسعة من الزيف والدجل والتحريف، ومما يدل على ذلك: أن كتابة تاريخ حقيقي لشخصية أو جماعة ما في العصر الحديث تعتبر من أشق الأمور، فكيف بتاريخ يمتد إلى فجر البشرية؟!

الثالث: أن قسماً من التاريخ المتلبس بالعقيدة لم يقع في الأرض، بل في السماء.

لذا كان الذي يستطيع أن يمدنا بتاريخ حقيقي لا لبس فيه هو الله - سبحانه وتعالى- {إِنَّ اللّهَ لاَ يَخْفَىَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء} … (آل عمران: 5) [العقيدة نبع التربية" ص (68 74) بتصرف].

فإذا تأملنا القرآن المجيد تجلت لنا بوضوح الحقائق التالية:

·         الحقيقة الأولى:

أن الله - عز وجل - خلق آدم منذ البداية خلقاً سوياً مستقلاً مكتملاً، ثم نفخ فيه من روحه، وأنه خلقه لغاية محددة وهي عبادة الله وحده، وأنه - عليه السلام - خُلق مؤهلاً لذلك، وأنه عرفه على نفسه - سبحانه وتعالى- منذ البداية، ولم يتركه لفكره، ليتعرف على ربه بطريق التفكير والتأمل وهاك بيان هذه الحقيقة: يقول الدكتور أحمد بن ناصر الحمد - حفظه الله - "دلت آيات القرآن المجيد على أن الله - سبحانه وتعالى- خلق آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وعلمه الأسماء كلها، فتميز على الملائكة بنوع علمه، ثم أسكنه الله - تعالى - الجنة هو وزوجه. قال - تعالى - {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ} … (البقرة: 35) وقال - تعالى - {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلاَ مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} … (الأعراف: 19).

وهل يخطر في بال عاقل أن يكون هذا المخلوق المكرم، المعلم للأسماء كلها، لم يعرف الله - تعالى - وما يجب له وما يجوز في حقه، وما هو واجب العبد تجاهه، وهو يرى الملائكة يسبحون الله ويحمدونه، لا يفترون، مع أن الله - تعالى - أمره، ونهاه، وحذره هو وزوجه عندما أمرهما بسكنى الجنة والأكل منها حيث شاءا، إلا شجرة واحدة، نهاهما عنها، وحذرهما عاقبة قربها، كما أخبر - تعالى - آدم - عليه السلام - بعدوه وعدو زوجه، إبليس ـ لعنه الله ـ وأن مغبة إطاعته، خروجهما من الجنة، وحصول الشقاء لآدم ـ علبه السلام ـ قال - تعالى - {فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى}... (طه: 117) ولم يعص اللهَ - تعالى - آدمُ - عليه السلام - متعمداً، قال - تعالى - {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً}... (طه: 115) وقال - تعالى - فيما حكى من فعل إبليس: {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ * فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَآنَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ}... (الأعراف: 21 22)

وبعد مخالفة آدم وحواء نهي الله - تعالى - لهما، وطاعة عدوهما، وحصول ما حصل نتيجة المعصية من بُدُو السوأة والغواية، قال - تعالى - {فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} … (طه: 121) أدرك آدم وحواء بعد الوقوع في المنهي عنه أثر المعصية، فندما على ما حصل وتوجها إلى الله - تعالى - طالبين مغفرته ورحمته معترفين بالذنب، وبظلم النفس.

قال - تعالى - مخبراً عنهما: {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} … (الأعراف: 23) وقال - تعالى - {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} … (البقرة: 7) وتلك الكلمات التي تضرع بها إلى الله - تعالى - توبة وإنابة لا تكون إلا بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا، وهي طريق دعائه، ومناجاته، وكان هذا قبل أن يهبطه الله - تعالى - إلى الأرض كما هو رأي بعض العلماء.

وبعد أن أهبطه الله - تعالى - إلى الأرض، ذكره بعداوة إبليس له، وأنه مصدر شر له، وأن هداه وصلاحه لا يكون إلا من الله - تعالى -، قال - تعالى - {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى * قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (طه: 122 124) وقال - تعالى - حاكياً قول إبليس: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} … (ص: 82 83) … [" العقيدة نبع التربية " ص (75 78) بتصرف].

·         الحقيقة الثانية:

أن كل مولود يولد على فطرة التوحيد [معنى الفطرة لغة: هي من " فطر الشيء يفطره " يشقه، وتَفَطر: تشقق، فالفطر: الشق، وجمعه فطور، ومنه فطر ناب البعير، إذا طلع، وفي التنزيل قوله - تعالى - {إذا السماء انفطرت} أي: انشقت، وفي الحديث عن عائشة - رضي الله عنها - (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه) … (رواه البخاري). والفطر: الابتداء والاختراع، قال - تعالى - {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} … (فاطر: 1) أي خالقهما ومبتدئهما، وقال بن عباس - رضي الله عنهما - " كنت لا أدري ما {فاطر السموات والأرض} حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، أنا بدأتها ".

الفطرة اصطلاحاً: وردت الكلمة في القرآن الكريم في قوله: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}، ووردت في التنزيل بصيغ أخرى غير الصيغة المصدر، ترجع معانيها إلى الخلق و الابتداء والتشقق، وهي معانيها اللغوية كما تقدم، والصحيح الذي تؤيده الأدلة أن الفطرة اصطلاحاً هي: الإسلام]

لقد دلتنا قصة آدم - عليه السلام - على أنه كان على عقيدة التوحيد، ودل القرآن الكريم والسنة النبوية أن هذا لم يكن خاصاً بالإنسان الأول آدم - عليه السلام -، وإنما هو عام في كل مولود. فقد قال - تعالى - {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (الروم: 30)، وقال - تعالى - {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ} (البقرة: 213).

[قال ابن كثير - رحمه الله - " فسدد وجهك، واستمر على الدين الذي شرعه الله لك من الحنيفية، ملة إبراهيم، التي هداك الله لها، وكملها لك غاية الكمال، وأنت مع ذلك لازم فطرتك السليمة التي فطر الله الخلق عليها، فالله - تعالى - فطر خلقه على معرفته وتوحيده، وأنه لا إله غيره ".

للعلماء في تفسير {لا تبديل لخلق الله} قولان:

  ·  الأول: أنها خبر بمعنى الطلب، أي لا تبدلوا خلق الله، فتغيروا الناس عن فطرتهم.

·   الثاني: أنها خبر على بابه، وهو أنه - تعالى - ساوى بين خلقه كلهم في الفطرة على الجبلة المستقيمة، لا يولد أحد إلا على ذلك، ولا تفاوت بينهم في ذلك. وفسر البخاري قوله {لا تبديل لخلق الله} فقال: لدين الله، واستشهد بأن قوله - تعالى - {خُلُق الأولين} يعني دين الأولين، ثم قال: " والفطرة: الإسلام

وقال - تعالى - {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} … (يونس: 19) في هؤلاء الآيات الكريمات دلالة على أن الدين الحنيف هو الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وذلك هو الدين القيم الذي كان الناس عليه قبل الاختلاف، وذكر المفسرون في تفسير قوله - تعالى -{كان الناس أمة واحدة} أن الناس بقوا عشرة قرون على الدين الحق قبل حدوث التغيير وطروء الشرك. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟ " ثم يقول أبو هريرة - رضي الله عنه - اقرءوا إن شئتم: {فطرة الله التي فطر الناس عليها} الآية)... (متفق عليه)

قوله - صلى الله عليه وسلم - " ما من مولود " أي ليس مولود من بني آدم " إلا يولد على الفطرة " أي الخلقة الإسلامية، والمراد الدين، كما في قوله - تعالى -{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا}، وهذه الفطرة، قيل: هي الإيمان المعهود الذي أخذ الله به على بني آدم الميثاق يوم قال لهم: {ألست بربكم؟ قالوا: بلى} وإليها يشير قوله - تعالى - {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً} أي: اثبت على إيمانك القديم الواقع منك في عالم الذر يوم قال - تعالى - {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ)؟ … (الأعراف: من الآية172) وهذه الفطرة هي فطرة الإسلام والسلامة من الاعتقادات الباطلة، والقبول للعقائد الصحيحة، فإن حقيقة الإسلام أن يستسلم العبد لله لا لغيره، وهو معنى " لا إله إلا الله "، فالقلوب مفطورة على الافتقار إلى الله، وهي لا تقنع بمحبوب سواه ولا تطمئن ولا تطمئن إلا إليه، فإذا أحبت الله - عز وجل - ووحدته؛ سكنت؛ واطمأنت {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28)

ويؤيد تفسير الفطرة بالإسلام ما يلي:

·   أولاً: الروايات المختلفة الألفاظ المتفقة المعاني، والتي يفسر بعضها بعضاً، مثل: (ما من مولود يولد إلا وهو على الملة)، وفي أخرى: (إلا على هذه الملة) كما في " صحيح مسلم " رقم (2658).

·   ثانياً: قول أبي هريرة في آخر الحديث: اقرءوا إن شئتم: {فطرة الله التي فطر الناس عليها} مما يفيد أنه فسر الحديث بالآية وقد حكى أبو عمر بن عبد البر إجماع العلماء على أن المراد بالفطرة في الآية الإسلام.

 ·   ثالثاً: فتوى أبي هريرة - رضي الله عنه - حين سئل عن رجل عليه رقبة مؤمنة، أيجزئ عنه الصبي أن يعتقه وهو رضيع؟ فقال: " نعم، لأنه ولد على الفطرة " أي الإسلام، وقال ابن شهاب الزهري: " يصلي على كل مولود متوفى وإن لغية؛ ـ أي من ولد الزنا ـ من أجل أنه ولد على فطرة الإسلام "، وأفتى الزهري رجلاً عليه رقبة مؤمنة أن يعتق رضيعاً لأنه ولد على الفطرة، وقال الإمام أحمد: " من مات أبواه وهما كافران، حُكم بإسلامه "، واستدل بحديث: " كل مولود يولد على الفطرة ".

·   رابعاً: أن في قوله: " فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه " ذكر تغيير الفطرة إلى ملل الكفر دون ملة الإسلام، فعلم أنه يتحول عن الإسلام إلى غيره، بفعل الأبوين أو غيره.

·  خامساً: أن في قوله: " هل تحسون فيها من جدعاء " إشارة إلى أن البهيمة خلقت سليمة، ثم جُدعت بعد ذلك، فكذلك الولد يولد سليماً من الكفر، ثم يطرأ عليه الكفر بعد ذلك، فالعيب الذي طرأ على البدن، يقابله العيب الذي طرأ على الدين، وهو الكفر). بتصرف من مقالة بعنوان " فطر الله الخلق على الحق " لعثمان علي حسين، مجلة "البيان" العدد (57) جمادى الأولى 1413 هـ].

ومثل الفطرة مع الحق كبصر العين مع الشمس، فكل ذي عين مبصرة لو تركت عينه بغير حجاب عليها فإنه يرى الشمس، والعقائد الباطلة كاليهودية والنصرانية والمجوسية مثل الحجاب على العين فهي تحول بين البصر وبين رؤية الشمس، كما أن كل ذي حس سليم يحب الحلو إلا أن يعرض في طبيعته فساد، يجعل الحلو في فمه مراً:

ومن يك ذا فم مريض *** يجد مراً به الماء الزلالا

ولا يلزم من كونهم مولودين على الفطرة أن يكونوا حين الولادة معتقدين للإسلام والإيمان ـ الذي هو قول، واعتقاد، وعمل ـ بالفعل، فإن الله أخرجنا من بطون أمهاتنا لا نعلم شيئاً، ولكن المراد بذلك سلامة القلب، وإرادته للحق الذي هو الإسلام، بحيث لو تُرِكَ من غير أن يخضع لمؤثر خارجي من الشياطين أو من الوالدين، أو نحو ذلك؛ لما كان إلا مسلماً، وهذه القوة العلمية والعملية التي تقتضي بذاتها الإسلام ـ ما لم يمنعها مانع كمؤثرات البيئة وتقليد الأبوين ـ هي فطرة الله التي فطر الناس عليها.

وينمو الطفل رويداً رويداً تبدأ هذه الفطرة تتحرك في أعماقه، وتجذبه بكل قوة نحو الحقيقة العظمى، فمِن ثَم نلاحظ أنه في مرحلة معينة يبدأ في إلقاء أسئلة تكاد لا تنتهي على والديه عما يحيط به: من رفع السماء؟ ولماذا هي زرقاء؟ أين تذهب الشمس ليلاً؟ لماذا لا تظهر لنا في الليل؟ أين يذهب النور حين يحل الظلام؟ لماذا تتلألأ النجوم؟ أين تنتهي الأرض؟ لماذا تفوح الروائح العطرة من بعض الأزهار دون البعض الآخر؟ من أين أتيت؟ وأين كنت قبل آن آتي إلى الدنيا؟

إنها الفطرة المغروسة في أعماق نفسه تبدأ في الاستيقاظ لتتحرك، وتتعرف على خالق الكون وما فيه، وكلما نمت ملكاته وزاد علمه؛ كلما اطمأن قلبه بالإيمان بالله وحده، لا شريك له.

[وذلك لأن موجبات الفطرة ومقتضياتها تحصل شيئاً فشيئاً بحسب كمال الفطرة، واستعدادها، وسلامتها من المعارض، فكل مولود يولد على الإقرار بفاطره، ومحبته، والإذعان له بالعبودية، فلو خلي وعدم المعارض لم يعدل عن ذلك إلى غيره، كما أنه يولد على محبة ما يلائم بدنه من الأغذية والأشربة، كما قال - تعالى -{الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} … (طـه: 50)، فهو - سبحانه - خلق الحيوان مهتدياً إلى حب ما ينفعه وجلبه، وبغض ما يضره ودفعه، ثم هذا الحب والبغض يحصلان فيه شيئاً فشيئاً بحسب حاجته، لكن قد يعرض لبعض الأبدان ما يفسد ما ولد عليه من الطبيعة السليمة والعادة الصحيحة، وهكذا ما ولد عليه من الفطرة، ولهذا شُبهت الفطرة باللبن، بل كانت هي اللبن في تأويل ما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - حين عرض عليه ليلة الإسراء اللبن والخمر، فاختار اللبن، فقيل له: (أصبت الفطرة) أو (هديت للفطرة) فمناسبة اللبن لبدنه، وصلاحه عليه ـ دون غيره ـ كمناسبة الفطرة لقلبه، وصلاحه بها دون غيره. [ملخصاً من " البيان " العدد (57) ص (17 17)].

أما الذي تفسد فطرته بعوامل البيئة المحيطة فإنه ينشأ على عقائد منحرفة أجنبية عن فطرته السوية، قال - تعالى - في المنافقين {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى} (البقرة: 16)، فجعل الهدى هو رأس المال الحاصل عندهم والذي منحهم الله إياه، إلا أنهم عرضوه للزوال، وخسروه حين بدلوا هذه الفطرة المستقيمة القريبة منهم، واشتروا بها الضلالة البعيدة عنهم {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} (البقرة: 16)، إن ذلك الحديث الشريف المتقدم ليؤكد أن الأصل في عقيدة الإنسان هو التوحيد، وأنه يولد مهيأ للعقيدة الصحيحة في فاطره وخالقه - سبحانه وتعالى-، أما الشرك فهو انحراف يطرأ على هذا الأصل، فيفسد الفطرة، وذلك بتأثير البيئة المحيطة به، ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - (فأبواه يهودانه) أي يجعلانه يهودياً إن كانا يهوديين، (أو ينصرانه) أي يجعلانه نصرانياً إن كانا نصرانيين، (أو يمجسانه) أي يجعلانه مجوسياً إن كانا مجوسيين، والشاهد من الحديث أن الضلال عن فطرة الإسلام ليس من المولود بل من مؤثر خارجي، فإن بلغ الحلم؛ وبقي منحرفاً عن دين الفطرة؛ بقي معه الضلال، وإذا أسلم وجهه لله - عز وجل - انتفى عنه، وعاد إلى الفطرة الإسلامية.

وقد ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثلاً يؤكد معنى الحديث، فقال - صلى الله عليه وسلم - (كما تنتج) أي تلد (البهيمة بهيمة جمعاء) أي تامة الأعضاء، سميت جمعاء لاجتماع أعضائها، أي أن المولود يولد على الفطرة مثل نتاج البهيمة، فإنها تولد سليمة الأعضاء كاملتها (هل تحسون) أي هل تبصرون (فيها من جدعاء) أي مقطوعة الأذن أو الأنف أو الأطراف، وإنما يطرأ عليها قطع هذه الأعضاء بعد ولادتها سليمة، كذلك الأبوان الكافران يغيران فطرة ولدهما ويحسنان له العقيدة الباطلة، وهذا الذي دل عيه الحديث النبوي الشريف دل عليه الحديث القدسي الذي رواه عياض المجاشعي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ذات يوم في خطبة حاكياً عن الله - عز وجل - أنه قال (.. وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً)... (رواه مسلم). فقوله - تعالى - " حنفاء " جمع حنيف: وهو الذي يميل إلى الشيء ولا يرجع عنه، كالحنف في الرجل، وهو ميلها إلى خارجها خلقة، لا يقدر الأحنف أن يرد حنفه، والمقصود بالحنيف

هنا الذي يميل عن الأديان إلى الإسلام. والحديث يدل على أن الأصل في الآدميين هو الفطرة والتوحيد، وان الشرك عارض طارئ

تأليف: محمد أحمد إسماعيل

]]>
es.islamcenter@gmail.com (mona) العقيدة Thu, 06 Dec 2012 00:00:00 +0000
القبائلية.. وفقه النسب والانتساب http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/61-2011-05-05-07-07-39/282-2012-12-05-17-34-56.html http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/61-2011-05-05-07-07-39/282-2012-12-05-17-34-56.html Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4

القبائلية.. وفقه النسب والانتساب

الناس في مواقفهم من مسألة النسب والانتساب، طرفان ووسط، فهناك الغالي الذي جعل من النسب معقد للولاء والبراء, وهناك الجافي الذي تنكر للنسب ورأى أن القضية برمتها جاهلية, فلبس الحق بالباطل, والله تعالى يقول {ولا تلبسوا الحق بالباطل}، سورة البقرة, الآية (42).

والصواب أن الإسلام عقيدة وشريعة قائم على قاعدة الوسطية التي تجمع بين الثنائيات بميزان قسط, والذين لا يدركون أثر هذه القاعدة يشتطون في فهمهم ذات اليمين وذات الشمال, و تمثل قاعدة الوسطية هو سر اطراد منهج السلف الصالح في أصول الدين وفروعه, فموقفهم من السمع والعقل, ومن الدنيا والآخرة, ومن الروح والجسد,وغيرها من الثنائيات تجد التكامل في النظر, بناء على تكامل النصوص الشرعية وعلاقة بعضها ببعض, وأن الوحي المتمثل في الكتاب وصحيح السنة لا يمكن أن يتناقض أو يتعارض,{أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً}.

فهذه المسألة يجب ألا نخلط فيها بين العصبية المقيتة, وبين نعمة شرف النسب بشترط اقترانها بالإيمان, وأهل العلم من أرباب التحقيق نبهوا إلى هذا الجانب. يقول العلامة محمد الأمين الشنقيطي: " فيلزم الناظر في هذه المسألة أن يفرق بين الأمرين، ويعلم أن النداء بروابط القوميات لا يجوز على كل حال، ولا سيما إذا كان القصد بذلك القضاء على رابطة الإسلام، وإزالتها بالكلية بدعوى أنه لا يساير التطور الجديد، أو أنه جمود وتأخر عن مسايرة ركب الحضارة. نعوذ بالله من طمس البصيرة. وأن منع النداء بروابط القوميات لا ينافي أنه ربما انتفع المسلم بنصرة قريبه الكافر بسبب العواطف النسبية والأواصر العصبية التي لا تمت إلى الإسلام بصلة".انظر: أضواء البيان(3 / 46).

يقول الله تعالى: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ}، بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن نبيه شعيباً عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام منعه الله من الكفار، وأعز جانبه بسبب العواطف العصبية، والأواصر النسبية من قومه الذين هم كفار. وهو دليل على أن المتمسك بدينه قد يعينه الله ويعزه بنصرة قريبه الكافر، كما بينه تعالى في مواضع أخر؛ كقوله في صالح وقومه: {قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ} الآية. ففي الآية دليل على أنهم لا قدرة لهم على أن يفعلوا السوء بصالح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام إلا في حال الخفاء، وأنهم لو فعلوا به ذلك خفاء وسرقة لكانوا يحلفون لأوليائه الذين هم عصبته أنهم ما فعلوا به سوءاً، ولا شهدوا ذلك ولا حضروره خوفاً من عصبته؛ فهو عزيز الجانب بسبب عصبته الكفار. وقد قال تعالى لنبينا صلى الله عليه وسلم: {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى}، أي آواك بأن ضمك إلى عمك أبي طالب. وذلك بسبب العواطف العصبية، والأواصر النسبية، ولا صلة له بالدين ألبتة، فكونه جل وعلا يمتن على رسوله صلى الله عليه وسلم بإيواء أبي طالب له دليل على أن الله قد ينعم على المتمسك بدينه بنصرة قريبه الكافر.

ولهذا لما كان نبي الله لوط عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ليس له عصبة في قومه الذين أرسل إليهم، ظهر فيه أثر عدم العصبة، بدليل قوله تعالى عنه: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ}. وهذه الآيات القرآنية تدل على أن المسلمين قد تنفعهم عصبية إخوانهم الكافرين.

ولما ناصر بنو المطلب بن عبد مناف بني هاشم ولم يناصرهم بنو عبد شمس بن عبد مناف وبنو نوفل بن عبد مناف عرف النَّبي صلى الله عليه وسلم لبني المطلب تلك المناصرة التي هي عصيبة نسبية لا صلة لها بالدين؛ فأعطاهم من خمس الغنيمة مع بني هاشم، وقال: "إنا وبني المطلب لم نفترق في جاهلية ولا إسلام" ومنع بني عبد شمس وبني نوفل من خمس الغنيمة، مع أن الجميع أولاد عبد مناف بن قصي".انظر:أضواء البيان(2/ 198).

يقول صاحب كتاب"المحاضرات في اللغة و الأدب: "ثم قد يفيض شرف الإنسان حتى يستطيل على من قبله من سلفه فتَحْيا رسومهم بعدما كانت دائرة، وتعمر ربوعهم بعدما كانت غامرة، والذروة العليا أيضاً فيمن عاد شرفه على من قبله هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم".

وقد أشار إليه الشاعر ابن الرومي بقوله:

قالوا: أبو الصقر من شيبان قلت لهم --- كلاّ لعمري ولكن منه شيبان

تسمو الرجال بآباءٍ وآونَــــــــــــــــةٍ --- تسمو الرجال بأبناءٍ وتَزْدان

وكم أبٍ قد علا بابن ذُرى حســـــب --- كما علت برسول الله عدنان

وادعى هذا الوصف الشاعر أبو الطيب فقال: ما بقومي شرفت بل شرفوا بي ... وبنفسي افتخرت لا بجدودي

أما شرفه هو في بابه فلا ينكر، وأما شرف قومه به فالشعر أعذبه أكذبه، وإلاّ فالحكم على الشيء فرع تصوره، نعم، كان من عادة العرب أنه إذا نبغ شاعر في قوم اعتزوا به، واحتموا عن الشعراء، فلو تحقق لأبي الطيب قوم لكانوا كذلك".

ويقول صاحب كتاب"المحاضرات في اللغة و الأدب (1 / 15)": واعلم أن الناس في هذا الباب ثلاثة:

الأول: رجل كان أصيلاً ثم قام هو أيضاً يشيد بنيانه ويحوط بستانه، كالذي قبله، فهذا أكرم الناس وأولاهم بكل مفخر، وفيه كان قوله صلى الله عليه وسلم: في نبي الله يوسف " الكَرِيمُ ابْنُ الكَرِيمِ ابن الكريم ابن الكريم " كما في البخاري ومسلم، والذ روة العليا في هذا الصنف هو نبينا صلى الله عليه وسلم، فإنه كان أصيلاً بحسب النبوءة من عهد إبراهيم وإسماعيل، ثم لم تزل أسلافه في شرف وسؤدد، ومجد مخلد، معروفاً ذلك لهم عند الناس، وأنهم أهل الحرم، وجيران الله، وسَدَنَةُ بيته، مع إكرام الضيف، وإعمال السيف، وغير ذلك من المفاخر العظام، والمآثر الجسام، وقد اختصهم الله بين العرب بالاحترام والتوقير، وجعل لهم رحلة الشتاء والصيف آمنين لا يعرض لهم لص ولا مغير، فأطعمهم من جوع وآمنهم من خوف كما أخبر به تعالى في كتابه، وذكر ذلك بعض بني أسد فقال:

زعمتهم أن اخوتكم قريش ... لهم إلف وليس لكم إلافُ

أولئك آمنوا جوعاً وخوفاً ... وقد جاعت بنو أسد وخافوا

أي أخطأتم في هذا الزعم، لأنكم لستم مثلهم. ثم لما جاء المصطفى صلى الله عليه وسلم رد بدر شرفهم فجراً، وجدول كرمتهم بحراً، بل جعلهم قرار كل مجد، ومركز كل حمد، وقد أكمل به الله تعالى الدين، فكذلك أكمل به سائر المحامد والمحاسن، قال صلى الله عليه وسلم: " بُعِثْتُ لأتَمِّمَ مَكَارِمَ الأخْلاقِ " وهو صلى الله عليه وسلم لبنة التمام، فشرفت به قريش خصوصاً والملة كلها عموماً صلى الله عليه وسلم، ومجد وعظم، وقد بين صلى الله عليه وسلم هذا كله بقوله: " إنَّ اللهَ اصْطَفَى مِنْ ولدِ إبْرَاهِيمَ إسْمَاعِيلَ، واصْطَفَى مِنْ ولدِ إسْمَاعِيلَ بَني كِنَانَةَ، واصْطَفَى مِنْ بَنِي كنَانَةَ قُرَيْشاً، واصْطَفَى منْ قُرَيْشٍ بَني هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي منْ بَني هَاشِمٍ " .

والثاني: رجل لا أصل له ينتمي إليه، ولا حسب يُعَرِّجُ عليه، ولكن انتهض في اقتناء المآثر، واقتناص المفاخر، حتى اشتهر بمحاسن الخلال، وصار في عداد أهل الكمال.

والثالث: رجل له أصل وقديم شرفٍ ثم لم يبنه ولم يجدده، وهو إما أن تخفى عوامله فلم يبن ولم يهدم، مع أنه بالحقيقة من لم يكن في زيادة فهو في نقصان، والمراد أن يرجع إلى غمار الناس فلا يحدد المآثر، ولا يخرج إلى المعايب، فهذا لا فضيلة له إلاّ مجرد النسب والفخر العظاميّ، وإما أن يهدمه بملابسة ضد ما كان أولاً، فهذا بمنزلة من هدم الدار ثم حفر البقعة أيضاً فأفسدها، فهذا مذموم بما جنى على نفسه وبما جنى على حسبه ونسبه. والذروة العليا في هذا الصنف اليهود والنصارى ونحوهم، فقد هدموا أنسابهم وأحسابهم بشر الخصال، وهو الكفر، نسأل الله العافية. ومن هذا النمط من يخلف آباءه الصالحين بالفسق وكثرة الرغبة في الدنيا والكبر والدعوى وغير ذلك من القبائح كما هو شأن كثير من أولاد الصالحين في زماننا نسأل الله العافية، وفي هذا الصنف قيل:

لئن فخرت بآباء لهم شرف ... لقد فخرت ولكن بئس ما ولدوا

وشرف الأصل لا يستلزم شرف الفرع، فربما يكون الأصل رفيعا, و الفرع وضيعا، كما قال الشاعر:

وما ينفع الأصل من هاشم ... إذا كانت النفس من باهلة

الوقفة الأولى:

العناية بالأنساب من وظائف أهل العلم والفضل:

فمن المعاصرين: والد شيخنا الشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي عضو هيئة كبار العلماء: والشيخ د.محمد حفظه الله ( قد درست عليه في كلية الشريعة في الجامعة الإسلامية, وفي درسه في الحرم المدني) يقول الشيخ وهو يتحدث عن علم والده بالأنساب ويلوم نفسه على التقصير فيه:" وكان له باع في علم الأنساب ، والحقيقة أنني قصّرت فيه ولم آخذه عنه ، ويعلم الله ما كان يمنعني منه إلا خشية أن الإنسان يأتي ويقول هذه القبيلة تنتمي إلى كذا ، فيتحمل أوزار أنساب أمم هو في عافية منه". فترك الشيخ لعلم الانساب تورعا منه حفظه الله.

وأيضًا ممن عني بالأنساب وتراجم النسابين العلاّمةُ عضو هيئة كبار العلماء الشيخ : بكرُ بنُ عبدِ اللهِ أبو زيدٍ – رحمه الله - ، في كتابهِ " طبقاتُ النسّابينَ " وغيرهُ . الحديث عن مكارم الآباء والأجداد ليس مذموما شرعا:

ومن أمثلة حديث العلماء عن مكارم آبائهم وأجدادهم ما رواه الإمام أحمد في (مسنده): عن عبد الله بن الزبير، قال: لما كان يوم الخندق كنت أنا وعمر بن أبي سلمة في الأطم الذي فيه نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- أطم حسان، فكان عمر يرفعني وأرفعه، فإذا رفعني عرفت أبي حين يمر إلى بني قريظة، فيقاتلهم.

وقال هشام بن عروة: عن أبيه، قال: كانت على الزبير يوم بدر عمامة صفراء، فنزل جبريل على سيماء الزبير.

وعن أبي جعفر الباقر قال:كانت على الزبير يوم بدر عمامة صفراء، فنزلت الملائكة كذلك.

وفيه يقول عامر بن صالح بن عبد الله بن الزبير:

جَدِّي ابْنُ عَمَّةِ أَحْمَدٍ وَوَزِيْرُهُ * عِنْدَ البَلاَءِ وَفَارِسُ الشَّقْرَاءِ

وَغَدَاةَ بَدْرٍ كَانَ أَوَّلَ فَارِسٍ * شَهِدَ الوَغَى فِي اللاَّمَةِ الصَّفْرَاءِ

َزَلَتْ بِسِيْمَاهُ المَلاَئِكُ نُصْرَةً * بِالحَوْضِ يَوْمَ تَأَلُّبِ الأَعْدَاءِ

الوقفة الثانية:

الكلام في سير الأموات يجب أن يكون لهدف وهو الاعتبار والإفادة، وذلك أن في ذكر الفضائل والمكارم وتعزيزها في النفوس وتحبيبها إلى القلوب مصلحة عظيمة. وهذه الوقفة تتضمن عدة نقاط مهمة هي:

-       الفخر بمكارم الآباء والأجداد والحديث عنها على وجه ليس فيه إفراط ولا تفريط, ومن غير أن يسيء إلى أحد هو من الفخر بخصال التقوى, وهذا الأصل فيه الإباحة.

قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (13). من سورة الحجرات. فقوله تعالى:{ لتعارفوا }: "علة للجعل أي جعلناكم كذلك ليعرف بعضكم بعضاً فتصلوا الأرحام وتبينوا الأنساب والتوارث لا لتفاخروا بالآباء والقبائل، والحصر مأخوذ من التخصيص بالذكر والسكوت في معرض البيان". انظر:تفسير الألوسي (ج 19 / ص 289).

وقوله تعالى:{ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ الله أتقاكم } :"تعليل للنهي عن التفاخر بالأنساب المستفاد من الكلام بطريق الاستئناف الحقيقي كأنه قيل : إن الأكرم عند الله تعالى والأرفع منزلة لديه عز وجل في الآخرة والدنيا هو الأتقى فإن فاخرتم ففاخروا بالتقوى". انظر:تفسير الألوسي (ج 19 / ص 290).

-        والفخر مما عرف عن العرب في الجاهلية فجاء الإسلام فلم يحرمه وإنما جعل له حدا وضابطا وهذا مما ينبغي أن نلتفت إليه في هذا المقال حتى لا نخلط أخلاق الأسلام بأخلاق الجاهلية. فالنبي صلى الله عليه وسلم لخص رسالته في هذه الكلمات:" إنما بعثت لأتمم مكارم (و في رواية صالح ) الأخلاق " . والحديث في سلسلة الأحاديث الصحيحة( 1/ 8). وصححه الشيخ الألباني في الأدب المفرد(1 / 104).

بل إنأكرم الخلق صلى الله عليه وسلم كما في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال : "في يوم حنين كان أبو سفيان بن الحارث آخذا بعنان بغلته يعني بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما غشيه المشركون نزل فجعل يقول " أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب " قال : فما رئي من الناس يومئذ أشد منه" . متفق عليه.

قال أهل العلم و من فوائد هذا الحديث: "جواز الفخر والندابة عند القتال". انظر:شرح ابن بطال على صحيح البخاري(ج 9/ ص 88). وقالوا أيضا:" كيف قال النبي صلى الله عليه وسلم : أنا ابن عبد المطلب ؟ فانتسب إلى جده دون أبيه.. ؟ فالجواب أنه صلى الله عليه وسلم كانت شهرته بجده أكثر ، لأن أباه عبدالله توفي شابا في حياة أبيه عبد المطلب قبل اشتهار عبد الله ، وكان عبد المطلب مشهورا شهرة ظاهرة شائعة ، وكان سيد أهل مكة ، وكان كثير من الناس يدعون النبي صلى الله عليه وسلم ابن عبد المطلب ينسبونه إلى جده لشهرته". انظر:شرح النووي على مسلم(ج 6 / ص 230).

ويقول صاحب كتاب"المحاضرات في اللغة و الأدب:"إذا علم تفضيل النسب والحسب في باب النبوءة فهما في غيرها كذلك كالعلم والصلاح والهداية والزهد والورع والملك والنجدة والجود وغير ذلك من كل ما يحتسب به ويصير به من عرف به عيناً من أعيان عشيرته أو قبيلته أو عمارته أو بلده أو جيله ويشرف به من انتسب إليه، ولم يخل الله تعالى قوماً من سيد. وبسادة الناس تنتظم أمورهم، فهم خلفاء الله في عباده بالحكم التصريفي، ولذلك إذا فقدوا أو فقدت الأهلية منهم اختل الأمر كما قال الشاعر:

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم ... ولا سِراة إذا جهالهم سادوا

الإنسان قد يفتخر بنسبه على ما مرّ، وقد يفتخر بنفسه أي بالخصال التي اتصف بها والدرجات التي نالها من الدين والدنيا، والأول هو الفخر " العظامي لأنه افتخار بالعظام والرفات، والثاني هو الفخر " العصامي. وهو مأخوذ من عصام صاحب النعمان، وكان يقول:

نفس عصام سودت عصاما --- وعلمته الكرّ والإقداما

فكل ما جاءه السؤدد من تلقاء نفسه فهو مثل عصام هذا، ففخره عصامي.

وهذه دعوة لكل من ينتسب لرجل صالح أوسيد أو كريم أو شجاع أو غير ذلك من مكارم الأخلاق ألا يكون غاية ما يفعله الفخر بمآثر الآباء والأجداد دون أن تكون له همة في طلب معالي الأمور والسعي في تحصيلها.

ومن البر لآبائنا وأجدادنا أن نتحدث عن مكارمهم, و في نظري من المهم جدا أن يكون على جانبين:

الأول: من الناحية العلمية النظرية. بذكر ما عرف عنهم من مكارم الأخلاق، بحسب الاستفاضة والشهرة التي يتناقلها الناس. وهذا من لسان الصدق وجميل الأثر الذي يتمناه الصالحون, كما قال إمام الموحدين إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} (84). من سورة الشعراء. ويعطاه أولياء الله المتقون. كما قال الله تعالى{ وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا } : قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس:"يعني الثناء الحسن". انظر:تفسير ابن كثير - (ج 5 / ص 237). وما خلده الأولون من مكارم الأخلاق, وتجارب الحياة، جدير بالمنصف أن يوقف عليها الآخرين وهو يتكلم في حياة الأولين, فكيف إذا كانوا من المسلمين؟!!, فلعدم مبالاة بعض الناس إما لجهلهم أو لخطأ في تصورهم للحق في هذه المسألة ضاعت قصص ومواقف وأحداث جديرة بأن تكتب وتدون؟!.

الثاني: من الناحية العملية الواقعية. قال الإمام الغزالي رحمه الله شرف النسب من ثلاث جهات:

-        إحداها: الانتهاء إلى شجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يعادله شيء.

-        الثانية: الانتماء إلى العلماء فإنهم ورثة الأنبياء صلوات الله وسلامه.

-        الثالثة: الانتماء إلى أهل الصلاح المشهور والتقوى قال الله تعالى { وكان أبوهما صالحا }.

قال المفسر والمؤرخ ابن كثير رحمه الله في كتابه: البداية والنهاية (1 / 299):" قيل إنه كان الأب السابع وقيل العاشر وعلى كل تقدير فيه دلالة على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته".

وقال الحافظ العالم ابن رجب الحنبلي في كتابه" جامع العلوم والحكم (21 / 9):" قال سعيد بن المسيب لابنه : لأزيدنَّ في صلاتي مِنْ أجلِك ، رجاءَ أنْ أُحْفَظَ فيكَ ، ثم تلا هذه الآية: {وَكَانَ أَبُوْهُمُا صَالِحاً }".

قال ابن بطال في شرح صحيح البخارى (7 / 354) عند حديث الْمِسْوَر رضي الله عنه سَمِعْتُ النَّبِىّ ( صلى الله عليه وسلم ) عَلَى الْمِنْبَرِ يقول : ( إِنَّ بَنِى هِشَامِ ابْنِ الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُونِى فِى أَنْ يُنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ عَلِىَّ بْنَ أَبِى طَالِبٍ ، فَلا آذَنُ ، ثُمَّ لا آذَنُ ، ثُمَّ لا آذَنُ إِلا أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِى طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِى ، وَيَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ ، فَإِنَّمَا هِىَ بَضْعَةٌ مِنِّى ، يُرِيبُنِى مَا أَرَابَهَا ، وَيُؤْذِينِى مَا آذَاهَا ) . قال ابن بطال رحمه الله:" وفيه : بقاء عار الآباء فى أعقابهم وأنهم يعيرون به ، ولا يوازون الأشراف كما عير رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بنت أبى جهل وهى مسلمة بعداوة أبيها لله ، فحط بذلك منزلتها عن أن تحل محل ابنته ، وكذلك السابقة إلى الخير والشرف فى الدين تبقى فى العقب فضله ، ويرعى فيهم أمره ، ألا ترى قوله تعالى : ( وكان أبوهما صالحًا ) [ الكهف : 82 ]" .

الوقفة الثالثة:

حين يتكلم المرء عن تاريخ شخص ما فهو بين أمرين:إما أن يتكلم بعلم وعدل, وإما أن يتكلم بجهل وظلم.

والله أمرنا أن نتكلم بعلم (إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) وبالعدل (وإذا قلتم فاعدلوا) والله تعالى حذرنا أن نتكلم بجهل فقال سبحانه { وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا} (36) من سورة الإسراء.

ومعنى الآية كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا ترم أحدا بما ليس لك به علم. وقال قتادة رحمه الله: لا تقل رأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع، وعلمت ولم تعلم.

قال إمام المفسرين الطبري رحمه الله:(ج 17 / ص 447) "وهذان التأويلان متقاربا المعنى، لأن القول بما لا يعلمه القائل يدخل فيه شهادة الزور، ورمي الناس بالباطل، وادّعاء سماع ما لم يسمعه، ورؤية ما لم يره".

وحرم علينا أن نتكلم بظلم فقال جل وعز { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (85) من سورة الأعراف. والشاهد من الآية (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ). وتفسير الآية كما قال الطبري رحمه الله:(ج 12 / ص 555) "ولا تظلموا الناس حقوقهم ، ولا تنقصوهم إياها".

الوقفة الرابعة:

جرت سنة الله تعالى أنه لا يخزي أهل المكارم الفاضلة, ولا يبتر سبحانه ذكر أرباب الشيم الكاملة. ومن هنا فليس بمقدور أحد أن يغالب سنة الله الغالبة, ولايخالف مشيئته النافذة. ومن اعتقد أنه بإمكانه أن يلحق العار بأهل الفخار, أو يخفي بدثار الحسد شعار الأسد فهو كمن يريد أن يحول بين الناس وبين التأثر بقانون الجاذبية على الأرض,وأنى لمثل هذه المحاولات النجاح. فالناس مجبولون على حب الجميل من الخلال والحسن من الفعال.

ومصداق ذلك في حديث عائشة رضي الله عنها قالت:"أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال اقرأ قال ما أنا بقارئ قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ قلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: {اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم }.

فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر لقد خشيت على نفسي فقالت خديجة كلا والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة وكان امرأ قد تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمي فقالت له خديجة يا ابن عم اسمع من ابن أخيك فقال له ورقة يا ابن أخي ماذا ترى فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى فقال له ورقة هذا الناموس الذي نزل الله على موسى يا ليتني فيها جذعا ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أومخرجي هم قال نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي". والحديث أخرجه البخاري ومسلم.

والشاهد من الحديث قول خديجة: "والله ما يخزيك الله أبدا إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق".

قال العلامة ابن القيم رحمه الله:"استدلال الصديقة الكبرى أم المؤمنين خديجة بما عرفته من حكمة الرب تعالى وكمال أسمائه وصفاته ورحمته أنه لا يخزي محمدا صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يصل الرحم, ويحمل الكل ، ويقري الضيف ، ويعين على نوائب الحق ، وإن من كان بهذه المثابة فإن العزيز الرحيم الذي هو أحكم الحاكمين وإله العالمين لا يخزيه ، ولا يسلط عليه الشيطان....فهذا معرفة منها بمراد الرب تعالى وما يفعله من أسمائه وصفاته وحكمته ورحمته وإحسانه ومجازاته المحسن بإحسانه ، وأنه لا يضيع أجر المحسنين" . انظر:إعلام الموقعين عن رب العالمين,لابن القيم (ج 1 / ص 300-299).

الوقفة الخامسة:

الله تعالى بعلمه وحكمته قد فطر الناس جميعا على محبة مكارم الأخلاق, ومحبة أهلها, والثناء بها عليهم. وهذا هو شأن أصحاب الفطر والعقول السليمة، لا أرباب الفطر والفهوم السقيمة. ومن يظن أنه يمكن أن يبغض إلى الناس صاحب المكارم، فلا يروا له فضلا، ولا يحكوا عنه نبلا. فقد صادم الفطرة التي فطر الله الناس عليها, وهو أشبه بمن يطالب الناس أن يبغضوا جمال الطبيعة، فيصموا آذانهم عن خرير مياهها، وأن يغضوا أبصارهم عن بديع مناظرها,فلا يحتفظوا بصورها, ولا يلتقطوا مشاهدها. فالرسام الماهر والشاعر الباهر حين يرسم الأول خياله الباصر، ويكتب الآخر وجدانه الناظر, نجد منعهم من المحال لأنهم هكذا فطروا إلا حين تطمس الفطرة, ويغيب العقل. على نحو قول الشاعر العربي:

يقضى على المرء في أيام محنته --- حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن

وتأمل معي هذا الحديث عن عروة ابن الزبير عن عائشة رضي الله عنها وعن أبيها قالت: " لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية فلما ابتلي المسلمون خرج أبو بكر مهاجرا قبل الحبشة حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وهو سيد القارة فقال أين تريد يا أبا بكر فقال أبو بكر أخرجني قومي فأنا أريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي قال ابن الدغنة إن مثلك لا يخرج ولا يخرج فإنك تكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق وأنا لك جار فارجع فاعبد ربك ببلادك فارتحل ابن الدغنة فرجع مع أبي بكر فطاف في أشراف كفار قريش فقال لهم إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج أتخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة وآمنوا أبا بكر..."الحديث بطوله في البخاري.

 

تأليف: سعد مقبل العنزي

]]>
es.islamcenter@gmail.com (mona) العقيدة Wed, 05 Dec 2012 00:00:00 +0000
أصول عقيدة السلف الصالح http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/61-2011-05-05-07-07-39/347-2012-11-25-06-39-27.html http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/61-2011-05-05-07-07-39/347-2012-11-25-06-39-27.html Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4

أصول عقيدة السلف الصالح

إن أهل السنة والجماعة يسيرون على أصول ثابتة وواضحة في الاعتقاد والعمل والسلوك، وهذه الأصول مستمدة من كتاب الله، وكل ما صح من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متواترًا كان أو آحادًا، وما كان عليه سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، فأصول الدين التي استمسك بها أهل السنة قد بينها النبي -صلى الله عليه وسلم-  وليس لأحد أن يحدث شيئًا في الدين ويزعم أنه منه، والتزموا بالألفاظ الشرعية في العقيدة وتجنبوا الألفاظ البدعية. فأصول الدين عند أهل السنة والجماعة مجملة على النحو الآتي:

الأصل الأول: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره.

 * فالإيمان بالله: يعني الإقرار بأنواع التوحيد الثلاثة واعتقادها والعمل بها.

فتوحيد الربوبية؛ توحيد الله بأفعاله في الخلق والرزق والإحياء والإماتة، وأنه رب كل شيء ومليكه. وتوحيد الألوهية؛ أن الله هو الإله الحق وكل معبود سواه باطل، وإفراده تعالى بالعبادة، وأن لا يشرك به أحدًا كائنًا من كان، ولا يصرف شيء من العبادة لغيره؛ وأن يعبد الله بالحب والخوف والرجاء جميعًا، وعبادته ببعضها دون بعض ضلال.

وتوحيد الأسماء والصفات؛ فإن السلف الصالح يعرفون ربهم بصفاته التي نطق بها وحيه وتنزيله، ويثبتون لله ما أثبته لنفسه في كتابه وعلى لسان رسوله -صلى الله عليه وسلم- من غير تكييف ولا تعطيل ولا تحريف ولا تمثيل، وقاعدتهم في كل ذلك قوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى: 11]، ويؤمنون بأن الله فوق سبع سموات على عرشه بائن من خلقه بلا كيف، أحاط بكل شيء علمًا، ويداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء، ويثبتون أن له سمعًا وبصرًا وعلمًا وقدرةً وقوةً وعزةً وكلامًا كما وصف به نفسه في كتابه وعلى لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم- بلا كيف؛ لأن الله تعالى لم يخبر عن الكيفية.

وإنه تعالى يرى في الآخرة والمؤمنون ينظرون إليه بأبصارهم ويؤمنون بأنه تعالى يأتي يوم المعاد للفصل بين العباد.

 * الإيمان بالملائكة: فهم يؤمنون بهم إجمالاً، وأما تفصيلا فما صح به الدليل، يؤمنون بوجودهم, أنهم خلق من خلق الله خلقهم من نور، خلقهم لعبادته وتنفيذ أوامره قال تعالى عنهم: (بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) [الأنبياء: 26، 27] فحجبهم الله تعالى عنا فلا نراهم.

* الإيمان بالكتب: وهم يؤمنون بها وبما فيها من الدين والنور، وأن الله أنزلها على رسوله لهداية البشرية، منها التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وموسى، وأعظمهم وناسخهم القرآن، ويؤمنون بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق (حروفه ومعانيه) تكلم الله به حقًا وألقاه إلى جبريل فنزل به جبريل على محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو الذي تحفظه الصدور وتتلوه الألسنة ويكتب في الصحف، وتوعد الله بحفظه من التحريف إلى يوم القيامة.

ويهتمون بتعليمه وحفظه وتلاوته وتفسيره والعمل به، ويتعبدون به إلى الله، ولا يجوزون تفسيره بالرأي المجرد؛ فإنه من القول على الله بغير علم، بل بما ثبت عندهم من النصوص الواردة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعن الصحابة.

* الإيمان بالرسل: وهم يؤمنون بهم جميعًا؛ من سمى الله منهم ومن لم يسم، من أولهم آدم إلى آخرهم وخاتمهم نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، والإيمان بالرسل إيمان مجمل والإيمان بنبينا -صلى الله عليه وسلم- إيمان مفصل، واعتقاد أنه خاتم الرسل. ويؤمنون بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- عرج بشخصه في اليقظة إلى السماء ثم إلى حيث شاء الله من العلا.

* الإيمان باليوم الآخر: وهم يؤمنون بكل ما يقع من أشراط الساعة الصغرى والكبرى مما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- منها: خروج المسيح الدجال والمهدي وأنه من ذرية النبي -صلى الله عليه وسلم-، ونزول عيسى ابن مريم وقتله للدجال ويحكم في الأرض بالإسلام، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج دابة الأرض من موضعها، وخروج يأجوج ومأجوج، ويؤمنون أيضًا بكل ما يكون بعد الموت من عذاب القبر ونعيمه، وسؤال منكر ونكير، والبعث من القبور، فيقوم الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلاً، وأن الله يكلمه العباد يوم القيامة وليس بينهم ترجمان، والحشر والحساب حق، والميزان له كفتان يوزن فيه أعمال العباد، وإعطاء الصحف باليمين أو الشمال، والصراط منصوب على متن جهنم، والجنة والنار هما مخلوقتان لا تفنيان أبدًا، وحوض نبينا -صلى الله عليه وسلم- في عرصات القيامة ماؤه أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل، وريحه أطيب من المسك، وآنيته عدد نجوم السماء، لا يظمأ من شرب منه أبدًا ويحرم ذلك من ابتدع في الدين، والشفاعة حق وأن أناسًا من أهل التوحيد يخرجون بعدما احترقوا وصاروا فحمًا بالشفاعة.

* الإيمان بالقدر: وهم يؤمنون بالقدر خيره وشرع؛ والإيمان بأن الله علم كل شيء ما كان وما يكون وقدر ذلك وكتبه في اللوح المحفوظ، وأن كل ما يجزي من خير وشر وكفر وإيمان وطاعة ومعصية فقد شاءه الله وقدره وخلقه، وأنه يحب الطاعة ويكره المعصية، ويهدي من يشاء ويضل من يشاء، ولا حجة لمن أضله ولا عذر له. والإنسان غير مجبر يختار أفعاله وعقائده إلاَّ أنه تابع في مشيئة لمشيئة الله، وكل ما شاء الله كان وما لا يشاء لا يكون.

الأصل الثاني: ومن عقائد السلف الصالح أن الإيمان عندهم: تصديق بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالجوارح، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ولا إيمان إلا بالعمل، ولا قول ولا عمل إلا بنية، ولا قول ولا عمل ونية إلا بموافقة السنة.

الأصل الثالث: أنهم لا يكفرون أحدًا من المسلمين بذنب، ولو كان من الكبائر – إلا إذا جحد شيئًا معلومًا من الدين بالضرورة – فإنهم لا يحكمون على مرتكبها بالكفر، وإنما يحكمون عليهم بالفسق ونقص الإيمان، وإذا مات على هذا فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.

والكفر عندهم نوعان: كفر أكبر مخرج من الملة، وكفر أصغر غير مخرج من الملة.

ولا يجوزون تكفير المسلم بقول أو فعل ما لم يدل دليل شرعي على ذلك.

ولا يكفرون المعين إلا إذا تحققت فيه الشروط وانتفت الموانع.

الأصل الرابع: وهم يرون وجوب طاعة ولاة أمور المسلمين بالمعروف ما لم يأمروا بمعصية. فإذا أمروا بمعصية فلا تجوز طاعتهم فيها، وتبقى طاعتهم بالمعروف في غيرها.

ويرون الصلاة خلفهم والجهاد معهم والدعاء لهم بالصلاح والاستقامة ومناصحتهم إذا كان ظاهرهم صحيحًا. ويحرمون الخروج على ولاة أمور المسلمين إذا ارتكبوا مخالفة دون الكفر لأمره -صلى الله عليه وسلم- بطاعنهم في غير معصية ما لم يحصل منهم كفر بواح، بخلاف الفرق الضالة.

الأصل الخامس: حب أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسلامة قلوبهم وألسنتهم لهم. والصحابة كلهم عدول وهم أفضل هذه الأمة، والشهادة لهم بالإيمان والفضل أصل قطعي معلوم من الدين بالضرورة، ومحبتهم دين وإيمان، وبغضهم كفر ونفاق.

وكل من صحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو رآه مات على الإسلام فهو من الصحابة، وإن كانت صحبته سنة أو شهرًا أو يومًا أو ساعةً. وإنهم يكفُّون عما شجر بينهم، وأمرهم إلى ربهم؛ فمن كان منهم مصيبًا كان له أجران، ومن كان منهم مخطئًا فله أجر واحد، ولا يسبون أحدًا منهم لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» [البخاري]، بل يذكرونهم بما يستحقون من الثناء الجميل بخلاف المبتدعة والرافضة والخوارج الذين يسبون الصحابة ويجحدون فضائلهم.

والسلف يعتقدون بأن الصحابة ليسوا بمعصومين عن الخطأ، والعصمة عندهم من الله إلى من يختار من رسول في التبليغ، وأن الله عصم مجموع الأمة عن الخطأ لا الأفراد.

ويعتقدون بأن الصحابة الأربعة أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعلي –رضى الله عنهم- هم خير هذه الأمة بعد نبيها -صلى الله عليه وسلم- وهم الخلفاء الراشدون المهديون. ويحبون أهل بيت النبي؛ عملاً بقوله -صلى الله عليه وسلم-: «أذكِّركم الله في أهل بيتي» ومن أهل بيته أزواجه أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، ويعتقدون أنهن مطهرات مبرآت من كل سوء، وهنَّ أيضًا أزواجه -صلى الله عليه وسلم- في الآخرة.

الأصل السادس: ويعتقدون بأن عواقب العباد مبهمة لا يدري أحد بما يختم له. ويشهدون لمن مات على الإسلام من المؤمنين والمتقين على العموم بأنهم من أهل الجنة إن شاء الله، وأن الكفار والمنافقين من أهل النار.

ولا يجزمون لأحد بعينه كائنًا من كان بجنة ولا نار، إلا من جزم له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكن يرجون للمحسن، ويخافون على المسيء، ويعتقدون أن أحدًا لا تجب له الجنة وإن كان عمله حسنًا إلا أن يتفضل الله عليه بمنِّه وفضله، ويعتقدون أن لكل مخلوق أجلاً وأن نفسًا لن تموت إلا بإذن الله كتابًا مؤجلاً، ويشهدون للعشرة المبشرين بالجنة، كما شهد لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وكل من شهد له النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجنة شهدوا له بها.

الأصل السابع: تصديقهم بكرامات الأولياء.

وهي ما قد يجريه الله على أيدي بعضهم من خوارق العادات إكرامًا لهم كما دل على ذلك الكتاب والسنة، بخلاف بعض الفرق الذين ينكرون الكرامات، ولكن السلف لهم ضوابط شرعية في تصديق الكرامات، وليس كل أمر خارق للعادة كرامة بل قد يكون استدراجًا من الشيطان، ولم يدخل فيها ما ليس منها من الشعوذة وأعمال السحرة والشياطين والدجالين، والفرق واضح بين الكرامة والشعوذة، فالكرامة سببها الطاعة، والشعوذة سببها الكبر والمعاصي.

الأصل الثامن: ومنهجهم في التلقي والاستدلال اتباع ما جاء في كتاب الله وسنة نبيه  باطنًا وظاهرًا ويسلمون لها. واتباع ما كان عليه الصحابة عمومًا واتباع الخلفاء الراشدين خصوصًا، فلا يعارض شيء عندهم من الكتاب أو السنة الصحيحة، بقياس ولا ذوق ولا كشف ولا قول شيخ أو إمام.

ولا يقدمون على كلام الله وكلام رسوله كلام أحد من الناس، والعقل الصريح عندهم يوافق النقل الصحيح، وبعدها يأخذون بما أجمع عليه علماء الأمة ويعتمدون عليه بعد الكتاب والسنة، ولا يعتقدون العصمة لأحد غير رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا يتعصبون لرأي أحد حتى يكون موافقًا للكتاب والسنة، ويعتقدون أن المجتهد يخطئ ويصيب، ولا يسمحون بالاجتهاد إلا لمن توفرت فيه شروط المعرفة عند أهل العلم.

والاختلاف عندهم في المسائل الاجتهادية لا يوجب العداوة والتهاجر بينهم بل يحب بعضهم بعضًا، ويوالي بعضهم بعضًا، ويصلي بعضهم خلف بعض مع اختلافهم في بعض المسائل الفرعية بخلاف أهل البدع.

ولا يلزمون أحدًا من المسلمين التقيد بمذهب فقيه معين، ولكن لا يرون البأس بذلك إذا كان اتباعًا لا تقليدًا، وعلى المسلم أن ينتقل من مذهب إلى آخر لقوة الدليل، وأن العامي لا مذهب له، بل مذهبه مذهب مفتيه، وأن على طالب العلم إذا كانت عنده أهلية يستطيع أن يعرف بها أدلة الأئمة أن يعمل بها، وينقل من مذهب إمام في مسألة إلى مذهب إمام في مسألة إلى مذهب إمام آخر أقوى دليلاً وأرجح فقهًا في مسألة أخرى، ويكون بذلك متبعًا، وليس بمجتهد؛ فإن الاجتهاد استنباط الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة، كما كان عليه الأئمة الأربعة وغيرهم من الفقهاء والمحدثين.

الأصل التاسع: أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويؤمنون بأن خيرية هذه الأمة باقية فيها، وإنها من أعظم شعائر الإسلام، وسبب حفظ جماعته، وهما يجبان حسب الطاقة، والمصلحة معتبرة في ذلك.

وهم أيضًا يحافظون على إقامة شعائر الإسلام من إقامة صلاة الجمعة، والجماعة، ويسارعون إلى أداء الصلوات المكتوبة وإقامتها في أول وقتها وأولها أفضل من آخرها، ويأمرون بالخشوع والطمأنينة فيها.

ويتواصون بقيام الليل وأنها من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-.ويقومون بالنصيحة لكل مسلم، والتعاون على البر والتقوى. ويثبتون في مواقف الامتحان وذلك بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والرضا بمر القضاء.

وأنهم يتحلون بمكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا». ويصلون الأرحام، ويفشون السلام، ويطمعون الطعام، ويرحمون الفقراء والمساكين والأيتام.

الأصل العاشر: يبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يحبونهم ولا يصحبونهم ولا يسمعون كلامهم ولا يجالسونهم ولا يجادلونهم في الدين ولا يناظرونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم، والبدعة عندهم تنافي كمال التوحيد.

وهي وسيلة من وسائل الشرك وهي قصد عبادة الله تعالى بغير ما شرعه، والوسائل لها حكم المقاصد، وكل ذريعة إلى الشرك في عبادة الله أو الابتداع في الدين يجب سدها.

ومن علامات أهل البدع معاداتهم لحملة أخبار النبي -صلى الله عليه وسلم- والاستخفاف بهم، وتسميتهم بالحشوية والظاهرية والمشبهة، والسلف لهم ردود على أهل البدع وكانوا دائمًا لهم بالمرصاد، وأقوالهم في أهل البدع كثيرة.

وأخيرًا: هذه هي عقيدة الرعيل الأول من هذه الأمة، وهي العقيدة الصافية والسليمة على نهج الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة وأئمتها، وهي الطريق الذي أحيا قلوب الأوائل من هذه الأمة؛ فهي عقيدة السلف الصالح والفرقة الناجية وأهل الحديث وأهل السنة والجماعة، وهي عقيدة الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبعة، وعقيدة جمهور الفقهاء والمحدثين والعلماء العاملين ومن سار على نهجهم إلى يومنا هذا، ولا يغرنك من غير أقوالهم من المتأخرين.

أخي المسلم: علينا أن نعود بالعقيدة الصافية إلى منابعها التي نهل منها الأخيار من سلفنا الصالح، ونسكت عما سكتوا، ونؤدي العبادة كما أدَّوها، ونلتزم الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها والقياس الصحيح في الأمور المتجددة.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

]]>
es.islamcenter@gmail.com (mona) العقيدة Sun, 25 Nov 2012 06:39:04 +0000
تعريف العقيدة http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/61-2011-05-05-07-07-39/346-2012-11-25-06-21-17.html http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/61-2011-05-05-07-07-39/346-2012-11-25-06-21-17.html Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4

تعريف العقيدة

العقيدة لغة: من العقد، والتوثيق، والإحكام، والربط بقوة.

واصطلاحًا: الإيمان الجازم الذي لا يتطرق إليه شك لدى معتقده.

تعريف السلف لغة واصطلاحًا: السلف: ما مضى وتقدم، يقال: سلف الشيء سلفًا: مضى، والسلف: الجماعة المتقدمون، والسلف: من تقدمك من آبائك وذي قرابتك الذين هم فوقك في السن والفضل. ولهذا سمي الصدر الأول السلف الصالح، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم-  وصحابته والتابعون لهم بإحسان هم سلف هذه الأمة، وكل من يدعو إلى مثل ما دعا إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  وصحابته فهو على نهج السلف الصالح؛ فإنهم أحق بالاتباع؛ لأنهم كانوا صادقين في إيمانهم أقوياء في عقيدتهم، مخلصين في عبادتهم، ولذلك اختارهم الله تعالى لنشر دينه وتبليغ سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.

والسلف الصالح إمامهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ومرجع السلف الصالح عند التنازع كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. قال تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) [النساء: 59].

وأفضل السلف بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصحابة الذين أخذوا دينهم عنه بصدق وإخلاص، كما وصفهم الله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) [الأحزاب: 23].

ويطلق على كل من اقتدى بالسلف الصالح وسار على نهجهم في سائر العصور: سلفي نسبة إليهم.

لماذا عقيدة السلف الصالح أولى بالاتباع؟!

* إنها السبيل الوحيد لتوحيد صفوف المسلمين عامةً والعلماء والدعاة خاصة؛ لأنها وحي الله تعالى وهدي نبيه -صلى الله عليه وسلم- وعقيدة الرعيل الأول من الصحابة الكرام، وأي تجمع على غيرها مصيره ما نشاهد اليوم من حال المسلمين؛ من التفرق والتنازع قال تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) [النساء: 115].

* إنها تربط المسلم مباشرة بالله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وبحبهما ذلك؛ لأن عقيدة السلف منبعها قال الله وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعيدًا عن تلاعب الهوى وتدخل عقل الإنسان القاصر.

* إنها سهلة ميسرة واضحة، بعيدة عن التعقيد وتحريف النصوص، معتقدها مرتاح البال بعيد عن وساوس الشيطان، قرير العين؛ لأنه سار على هدي نبي هذه الأمة -صلى الله عليه وسلم-.

]]>
es.islamcenter@gmail.com (mona) العقيدة Sun, 25 Nov 2012 06:20:58 +0000
عقائد الصحابة والقرابة وموقف أهل السنة والشيعة منها http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/61-2011-05-05-07-07-39/156-2012-11-25-05-56-07.html http://islam-centers.net/ar/islamic-definition/article-islamic-definition/61-2011-05-05-07-07-39/156-2012-11-25-05-56-07.html

عقائد الصحابة والقرابة وموقف أهل السنة والشيعة منها

عقائد الصحابة رضى الله عنهم:

الصحابة - رضوان الله عليهم - لم يختلفوا في شيء من قواعد الإِسلام: لا في التوحيد، ولا في القدر، ولا في الإِمامة، ولا في مسائل الأحكام - لم يختلفوا في شيء من ذلك بالاختصام بالأقوال فضلاً عن الاقتتال بالسيف؛ بل كانوا مثبتين لصفات الله التي أخبر بها عن نفسه، نافين عنها تمثيلها بصفات المخلوقين.

مثبتين للقدر كما أخبر الله به ورسوله. مثبتين للأمر والنهي والوعد والوعيد، مثبتين لحكمة الله في خلقه وأمره، مثبتين لقدرة العبد واستطاعته ولفعله مع إثباتهم للقدر.

ثم لم يكن في زمنهم من يحتج للمعاصي بالقدر، ويجعل القدر حجة لمن عصى أو كفر، ولا من يكذب بعلم الله ومشيئته الشاملة وقدرته العامة وخلقه لكل شيء، وينكر فضل الله وإحسانه ومَنَّه على أهل الإِيمان والطاعة، وأنه هو الذي أنعم عليهم بالإِيمان والطاعة وخصهم بهذه النعمة دون أهل الكفر والمعصية.

ولا من ينكر افتقار العبد إلى الله في كل طرفة عين، وأنه لا حول ولا قوة إلا به في كل دق وجل.

ولا من يقول إنه يجوز أن يأمر بالكفر والشرك وينهى عن عبادته وحده، ويجوز أن يدخل إبليس وفرعون الجنة، ويدخل الأنبياء النار،  وأمثال ذلك.

فلم يكن فيهم من يقول بقول القدرية النافية، ولا القدرية الجبرية الجهمية.

ولا كان فيهم من يقول بتخليد أحد من أهل القبلة في النار، ولا من يكذب بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، في أهل الكبائر.

ولا من يقول إيمان الفساق كإيمان الأنبياء.

بل ثبت عنهم بالنقول الصحيحة القول بخروج من في قلبه مثقال ذرة من إيمان بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن إيمان الناس يتفاضل، وأن الإِيمان يزيد وينقص.

ولا كان في الصحابة من يقول: إن أبا بكر وعمر وعثمان لم يكونوا أئمة، ولا كانت خلافتهم صحيحة([1])، ولا من يقول: إن خلافتهم ثابتة بالنص، ولا من يقول: إن بعد مقتل عثمان كان غير علي أفضل منه ولا أحق منه بالإِمامة.

فهذه القواعد التي اختلف فيها من بعد الصحابة لم يختلفوا فيها بالقول ولا بالخصومات فضلاً عن السيف. ولا قاتل أحد منهم على قاعدة في الإِمامة. فقبل علي لم يكن قتلا في الإِمامة ولا في الولاية.

فمن استقرأ أخبار العالم في جميع الفرق تبين له أنه لم يكن قط طائفة أعظم اتفاقًا على الهدى والرشد وأبعد عن الفتنة والتفرق والاختلاف
 من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هم خير الخلق بشهادة الله لهم بذلك، إذ يقول:
)كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ( [آل عمران: 110].

كما لم يكن في الأمم أعظم اجتماعًا على الهدى وأبعد عن التفرق والاختلاف من هذه الأمة؛ لأنهم أكمل اعتصامًا بحبل الله الذي هو كتابه المنزل وما جاء به نبيه المرسل.

وكل من كان أقرب إلى الاعتصام بحبل الله وهو اتباع الكتاب والسنة كان أولى بالهدى والاجتماع والرشد والصلاح، وأبعد عن الضلال والافتراق والفتنة([2]).

 

 

 


([1]) كذا الأصل. ولعله: غير صحيحة.

([2]) جـ3 ص223 – 225 – 241 - 242.

 

]]>
es.islamcenter@gmail.com (mona) العقيدة Sun, 25 Nov 2012 00:00:00 +0000