Web Hits حال السلف فى رمضان
    

حال السلف فى رمضان

حال السلف فى رمضان

أخي المسلم ... أختي المسلمة

سلام  الله عليكم ورحمته وبركاته ... وبعد:

أبعث إليكم هذه الرسالة محملة بالأشواق والتحيات العطرة، أزفها إليكم من قلب أحبكم في الله، نسأل الله أن يجمعنا بكم في دار كرامته ومستقر رحمته. وبمناسبة قدوم شهر رمضان أقدم لكم هذه النصيحة هدية متواضعة، أرجو أن تتقبلوها بصدر رحب وتبادلوني النصح، حفظكم الله ورعاكم.

كيف نستقبل شهر رمضان المبارك؟

قال الله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185].

أخي الكريم:

خص الله شهر رمضان عن غيره من الشهور بكثير من الخصائص والفضائل منها:

* خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.

* تستغفر الملائكة للصائمين حتى يفطروا.

* يزين الله كل يوم جنته ويقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المئونة والأذى ثم يصيروا إليك.

* تصفد فيه الشياطين.

* تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار.

* فيه ليلة القدر هي خير من ألف شهر، من حُرِم خيرها فقد حُرم الخير كله.

* يغفر للصائمين في آخر ليلة من رمضان.

* لله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة من رمضان.

فيا أخي الكريم: شهر هذه خصائصه وفضائله بأي شيء نستقله؟ بالانشغال باللهو وطول السهر، أو نتضجر من قدومه ويثقل علينا، نعوذ بالله من ذلك كله.

ولكن ... العبد الصالح يستقبله بالتوبة النصوح، والعزيمة الصادقة على اغتنامه، وعمارة أوقاته بالأعمال الصالحة، سائلين الله الإعانة على حسن عبادته.

وإليك أخي الكريم الأعمال الصالحة التي تتأكد في رمضان:

1- الصوم: قال –صلى الله عليه وسلم-: «كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف. يقول عز وجل: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي، للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه. ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» [أخرجه البخاري ومسلم] وقال: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» [أخرجه البخاري ومسلم]، ولا شك أن هذا الثواب الجزيل لا يكون لمن امتنع عن الطعام والشراب فقط، وإنما كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: «من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» [أخرجه البخاري]. وقال: «الصوم جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يجهل، فإن سابه أحد فليقل إني امرؤ صائم» [أخرجه البخاري ومسلم].

2- القيام: قال –صلى الله عليه وسلم-: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» [أخرجه البخاري ومسلم] {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا*وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان: 63: 64]، وقد كان قيام الليل دأب النبي –صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، قالت عائشة رضي الله عنها: «لا تدع قيام الليل، فإن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كان لا يدعه، وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعدًا».

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصلي من الليل ما شاء الله حتى إذا كان نصف الليل أيقظ أهله للصلاة، ثم يقول لهم الصلاة الصلاة... ويتلو {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} [طه: 132]. وكان ابن عمر يقرأ هذه الآية: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر: 9]. قال: ذاك عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال ابن أبي حاتم: وإنما قال ابن عمر ذلك لكثرة صلاة أمير المؤمنين عثمان بالليل وقراءته حتى أنه ربما قرأ القرآن في ركعة.

وعن علقمة بن قيس قال: بت مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ليلة فقام أول الليل، ثم قام يصلي، فكان يقرأ قراءة الإمام في مسجد حيه يرتل ولا يراجع، يسمع من حوله ولا يرجع صوته، حتى لم يبق من الغلس إلا كما بين أذان المغرب إلى الانصراف منها، ثم أوتر.

وفي حديث السائب بن زيد قال: كان القارئ يقرأ بالمئين – يعني بمئات الآيات – حتى كنا نعتمد على العصي من طول القيام قال: وما كانوا ينصرفون إلا عند الفجر.

تنبيه: ينبغي لك أخي المسلم أن تكمل التراويح مع الإمام حتى تكتب في القائمين، فقد قال –صلى الله عليه وسلم-: «من قام مع إمامه حتى ينصرف كتب له قيام ليلة» [رواه أهل السنن].

3- الصدقة: كان رسول الله أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، كان أجود بالخير من الريح المرسلة... وقد قال –صلى الله عليه وسلم-: «أفضل الصدقة صدقة في رمضان ...» [أخرجه الترمذي عن أنس].

روى زيد بن أسلم عن أبيه قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: أمرنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن نتصدق ووافق ذلك مال عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا، قال فجئت بنصف مالي، فقال لي رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «ما أبقيت لأهلك» قال: فقلت مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «ما أبقيت لهم» قال: أبقيت لهم الله ورسوله. قلت: لا أسابقك إلى شيء أبدًا.

وعن طلحة بن يحيى بن طلحة، قال: حدثتني جدتي سعدي بنت عوف المرية – وكانت محل إزار طلحة بن عبيد الله – قالت: دخل علي طلحة ذات يوم وهو خائر النفس، فقلت: ما لي أراك كالح الوجه؟ وقلت: ما شأنك أرابك مني شيء فأعينك؟ قال: لا؛ ولنعم حليلة المرء المسلم أنت. قلت: فما شأنك؟ قال: المال الذي عندي قد كثر و أكربني، قلت: ما عليك، اقسمه، قالت: فقسمه حتى ما بقي منه درهم واحد، قال طلحة بن يحيى: فسألت خازن طلحة كم كان المال؟ قال: أربعمائة ألف.

فيا أخي، للصدقة في رمضان مزية وخصوصية فبادر إليها، واحرص على أدائها بحسب حالك، ولها صور كثيرة منها:

أ- إطعام الطعام: قال الله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} [الإنسان: 8-12]. فقد كان السلف الصالح يحرصون على  إطعام الطعام ويقدمونه على كثير من العبادات، سواء كان ذلك بإشباع جائع أو إطعام أخ صالح، فلا يشترط في المطعم الفقر. قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل الناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام» [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني] وقد قال بعض السلف: لأن أدعو عشرة من أصحابي فأطعمهم طعامًا يشتهونه أحب إلي من أن أعتق عشرة من ولد إسماعيل.

وكان كثير من السلف يؤثر بفطوره وهو صائم، منهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وداود الطائي ومالك بن دينار وأحمد بن حنبل، وكان ابن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين، وربما علم أن أهله قد ردوهم عنه، فلم يفطر في تلك الليلة.

وكان من السلف من يطعم إخوانه الطعام وهو صائم ويجلس يخدمهم ويروحهم، منهم الحسن وابن المبارك.

قال أبو السوار العدوي: كان رجال من بني عدي يصلون في هذا المسجد، ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده، إن وجد من يأكل معه أكل، وإلا أخرج طعامه إلى المسجد فأكله مع الناس وأكل الناس معه.

وعبادة إطعام الطعام ينشأ عنها عبادات كثيرة منها: التودد والتحبب إلى إخوانك الذين أطعمتهم، فيكون ذلك سببًا في دخول الجنة: «لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا» كما ينشأ عنها مجالسة الصالحين واحتساب الأجر في معونتهم على الطاعات التي تقووا عليها بطعامك.

ب- تفطير الصائمين: قال –صلى الله عليه وسلم-: «من فطر صائمًا كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء» [أخرجه أحمد والنسائي وصححه الألباني] وفي حديث سلمان: «من فطر فيه صائمًا كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء، فقالوا: يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: يعطي الله هذا الثواب لمن فطر صائمًا على مذقة لبن أو تمرة أو شربة ماء، ومن سقى صائمًا سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ بعدها، حتى يدخل الجنة».

4- الاجتهاد في قراءة القرآن: سأذكرك يا أخي هنا بأمرين عن حال السلف الصالح:

أ- كثرة قراءة القرآن.

ب- البكاء عند قراءته أو سماعه خشوعًا وإخباتًا لله تبارك وتعالى.

كثرة قراءة القرآن: شهر رمضان هو شهر القرآن، فينبغي أن يكثر العبد المسلم من قراءته، وقد كان من حال السلف العناية بكتاب الله، فكان جبريل يدارس النبي –صلى الله عليه وسلم- القرآن في رمضان، وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يختم القرآن كل يوم مرة، وكان بعض السلف يختم القرآن في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في كل سبع، وبعضهم في كل عشر، فكانوا يقرءون القرآن في الصلاة وفي غيرها، فكان للشافعي في رمضان ستون ختمة، يقرءوها في غير الصلاة. وكان قتادة يختم في كل سبع دائمًا، وفي رمضان في كل ثلاث، وفي العشر الأواخر في كل ليلة. وكان الزهري إذا دخل رمضان يفر من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم. ويقبل على تلاوة القرآن في المصحف. وكان سفيان الثوري إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن.

وقال ابن رجب: إنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان والأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتنامًا لفضيلة الزمان والمكان، وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة، وعليه يدل عمل غيرهم كما سبق.

البكاء عند تلاوة القرآن: لم يكن من هدي السلف هَذُّ القرآن هذّ الشعر دون تدبر وفهم، وإنما كانوا يتأثرون بكلام الله عز وجل ويحركون به القلوب. ففي البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «اقرأ علي» فقلت: اقرأ عليك وعليك أنزل؟! فقال: «إني أحب أن أسمعه من غيري» قال: فقرأت سورة النساء حتى إذا بلغت {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} [النساء: 41] قال: «حسبك»، فالتفت فإذا عيناه تذرفان.

وأخرج البيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ} [النجم: 59، 60] فبكى أهل الصفة حتى جرت دموعهم على خدودهم، فلما سمع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حسهم بكى معهم، فبكينا ببكائه. قال رسول اله –صلى الله عليه وسلم-: «لا يلج النار من بكى من خشية الله»، وقد قرأ ابن عمر سورة المطففين حتى بلغ {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 6] فبكى حتى خر، وامتنع من قراءة ما بعدها. وعن مزاحم بن زفر قال: صلى بنا سفيان الثوري المغرب فقرأ حتى بلغ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} بكى حتى انقطعت قراءته، ثم عاد فقرأ الحمد.

وعن إبراهيم بن الأشعث قال: سمعت فضيلاً يقول ذات ليلة وهو يقرأ سورة محمد، وهو يبكي ويردد هذه الآية: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31] وجعل يقول: ونبلو أخباركم، ويردد وتبلوا أخبارنا، إن بلوت أخبارنا فضحتنا وهتكت أستارنا، إنك إن بلوت أخبارنا أهلكتنا وعذبتنا، ويبكي.

5- الجلوس في المسجد حتى تطلع الشمس: كان النبي –صلى الله عليه وسلم- إذا صلى الغداة - أي الفجر - جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس [أخرجه مسلم]. وأخرج الترمذي عن أنس عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «من صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة» [صححه الألباني] هذا في كل الأيام، فكيف بأيام رمضان؟

فيا أخي - رعاك الله - استعن على تحصين هذا الثواب الجزيل بنوم الليل، والاقتداء بالصالحين، ومجاهدة النفس في ذات الله، وعلو الهمة لبلوغ الذروة من منازل الجنة.

6- الاعتكاف:كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يعتكف في كل رمضان عشرة أيام؛ فلما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يومًا [أخرجه البخاري].

فالاعتكاف من العبادات التي تجمع كثيرًا من الطاعات من التلاوة والصلاة والذكر والدعاء وغيرها.

وقد يتصور من لم يجربه صعوبته ومشقته، وهو يسير على من يسره الله عليه، فمن تسلح بالنية الصالحة والعزيمة الصادقة أعانه الله. وآكد الاعتكاف في العشر الأواخر تحريًا لليلة القدر، وهو الخلوة الشرعية، فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذكره، وقطع عن نفسه كل شاغل يشغله عنه، وعكف قلبه وقالبه على ربه وما يقربه منه، فما بقي له هم سوى الله وما يرضيه عنه.

7- العمرة في رمضان: ثبت عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «عمرة في رمضان تعدل حجة» [أخرجه البخاري ومسلم]، وفي رواية: «حجة معي» فهنيئًا لك – يا أخي – بحجة مع النبي –صلى الله عليه وسلم-.

18- تحري ليلة القدر: قال الله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 1-3] وقال –صلى الله عليه وسلم-: «من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه» [أخرجه البخاري ومسلم]، وكان النبي –صلى الله عليه وسلم- يتحرى ليلة القدر ويأمر أصحابه بتحريها، وكان يوقظ أهله ليالي العشر رجاء أن يدركوا ليلة القدر. وفي المسند عن عبادة مرفوعًا. «من قامها ابتغاءها ثم وقعت له؛ غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر» وللنسائي نحوه، قال الحافظ: إسناده على شرط الصحيح.

وورد عن بعض السلف من الصحابة والتابعين الاغتسال والتطيب في ليالي العشر تحريًا لليلة القدر التي شرفها الله، ورفع قدرها.

فيا من أضاع عمره في لا شيء، استدرك ما فاتك في ليلة القدر، فإنها تحسب من العمر، العمل فيها خير من العمل في ألف شهر سواها، من حُرِمَ خيرها فقد حُرم.

وهي في العشر الأواخر من رمضان، وهي في الوتر من لياليه الآخرة، وأرجى الليالي ليلة سبع وعشرين، لما روى مسلم عن أبي بن كعب رضي الله عنه: «والله إني لأعلم أي ليلة هي، هي الليلة التي أمرنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بقيامها، وهي ليلة سبع وعشرين». وكان أبي يحلف على ذلك ويقول: «بالآية والعلامة التي أخبرنا بها رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، أن الشمس تطلع صبيحتها لا شعاع لها».

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «يا رسول الله، إن وافقت ليلة القدر ما أقول؟ قال: «قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» [رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني].

9- الإكثار من الذكر والدعاء والاستغفار: أخي الكريم، أيام وليالي رمضان أزمنة فاضلة فاغتنمها بالإكثار من الذكر والدعاء وبخاصة في أوقات الإجابة، ومنها:

* عند الإفطار فللصائم عند فطره دعوة لا ترد.

* ثلث الليل الأخير حين ينزل ربنا تبارك وتعالى ويقول: «هل من سائل فأعطيه، هل من مستغفر فأغفر له».

* الاستغفار بالأسحار: قال تعالى: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 18].

وأخيرًا ... أخي الكريم... وبعد هذه الجولة في رياض الجنة نتفيأ ظلال الأعمال الصالحة، أنبهك إلى أمر مهم ... أتدري ما هو؟ إنه الإخلاص ... نعم الإخلاص ... فكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر و التعب، أعاذنا الله وإياك من ذلك. ولذلك نجد النبي –صلى الله عليه وسلم- يؤكد على هذه القضية ... «إيمانًا واحتسابًا» وقد حرص السلف على إخفاء أعمالهم خوفًا على أنفسهم، فهذا التابعي الجليل أيوب السختياني يحدث عنه حماد بن زيد فيقول: كان أيوب ربما حدث بالحديث فيرق فيلتفت فيتمخط ويقول: ما أشد الزكام! يظهر أنه مزكوم لإخفاء البكاء. وعن محمد بن واسع قال: لقد أدركت رجالاً كان الرجل يكون رأسه مع رأس امرأته على وسادة وقد بل ما تحت خده من دموعه، لا تشعر به امرأته. ولقد أدركت رجالاً يقوم أحدهم في الصف فتسيل دموعه على خده ولا يشعر به الذي جنبه.

وكان أيوب السختياني يقوم الليل كله فيخفي ذلك، فإذا كان عند الصبح رفع صوته كأنه قام تلك الساعة. وعن ابن أبي عدي قال: صام داود بن أبي هند أربعين سنة لا يعلم به أهله، وكان خرازًا يحمل معه غذاؤه من عندهم فيتصدق به في الطريق، ويرجع عشيًا فيفطر معهم.

وقال سفيان الثوري: بلغني أن العبد يعمل العمل سرًا، فلا يزال به الشيطان حتى يغلبه فيكتب في العلانية، ثم لا يزال به الشيطان حتى يحب أن يحمد عليه، فينسخ من العلانية فيثبت في الرياء.

اللهو في رمضان: أخي ... أظن أني قد أطلت عليك وأنا أحثك على اغتنام الوقت... قطعت عليك الوقت... ولكن أتأذن لي أن نعرج سويًا على ظاهرة خطيرة وبخاصة في رمضان. إنها ظاهرة إضاعة الوقت وتقطيعه في غير طاعة الله ... إنها الغفلة والإعراض عن الرحمات والنفخات الإلهية، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى* قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا*قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى*وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه: 124-127]. وكم تتألم نفسك، ويتقطع قلبك حسرات على ما تراه من شباب المسلمين، الذين امتلأت بهم الأرصفة والملاعب في ليالي رمضان الفاضلة ... كم من حرمات الله ومعاصيه التي يجاهر بها في ليالي رمضان المباركة... نعم إن المسلم ليغار على أوقات المسلمين وعلى زهرة شبابهم أن تبذل في غير طاعة الله.

ولكن ...!!! لا بأس عليك... إن الطريق لسعادتك وسعادة إخوانك الدعوة والدعاء. نعم، دعوة من غفل من أبناء المسلمين وهدايتهم الصراط المستقيم. والدعاء لهم بظهر الغيب لعل الله أن يستجيب فلا نشقى أبدًا.

أخوك الناصح

أخي المسلم – أختي المسلمة، اغتنم الثواب بإهدائها لغيرك.

عزيزي الزائر .. للإستفادة من جميع موارد الموقع يجب توفر لديك البرامج التالية :

        

المتواجدون حالياً

حاليا يتواجد 13 زوار  على الموقع

إحصائيات الموقع

يحتوي الموقع على

أكثر من
800
مقال
 أكثر من1800
كتاب
 أكثر من3800
صوت
 أكثر من600
فديو

 

تسجيل الدخول