Web Hits فى رحاب شهر رمضان.... الصوم تربية وإعداد وجهاد
    

فى رحاب شهر رمضان.... الصوم تربية وإعداد وجهاد

فى رحاب شهر رمضان.... الصوم تربية وإعداد وجهاد

كان من الضروري أن يفرض الصوم على الأمة المسلمة صاحبة الرسالة العالمية التي تفرض عليها الرباط والجهاد في سبيل الله، لتقرير المنهج الرباني الخالد الحق، الذي قامت عليه السماوات والأرض المنهج القرآني القوام على البشرية والذي أعطى الله به الأمة الوسط حق الشهادة على الناس: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاءْ}  "البقرة: من الآية 143"

وهو الكتاب الذي تذكر به أمه الإسلام حين تؤمن به بحق، وحين تحكمه فى جميع شئونها، فإن نسيته ضاعت ونسيها العالم وتخلف عن القافلة، وأصبحت ذيلاً بين الأمم قال تعالى: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}   "الأنبياء: 10".

فالصوم هو تقرير الإرادة الجازمة وهو مجال اتصال الإنسان المؤمن بربه اتصال طاعة وانقياد و كما أنه مجال الاستعلاء على ضروريات الجسد كلها إيثاراً لما عند الله من الرضا والثواب وهذه المعاني كلها أساسيات لازمة لإعداد النفوس وتهذيبها وتربيتها لاحتمال مشقات الطريق، واحتمال تكاليف الجهاد فى سبيل الله والسير فى طريق الإسلام المليء بالعقبات والشدائد والمحن والأشواك، والشهوات والشبهات وآلاف المغريات فالصوم إعداد لهذا الكائن للقيام بدوره على ظهر الأرض، دور الخلافة لعمارة هذا الكون.

ملحمة الأقصى:

إن ملحمة الأقصى وجميع المدن الفلسطينية تعيش محنة لا نظير لها في التاريخ وهذه الفترة التي هي جزء من سلسلة متصلة من الجهاد ضد العدو الصهيوني الغاشم المحتل وهي تدل على صلابة الشعب الفلسطيني المسلم، وسيخلدها التاريخ مسجلاً شجاعته وتضحياته التي لم ترهبها كثرة الضحايا ولا كثرة مواكب الشهداء أو أنات الجرحى أو مرارة المعتقلات أو حرب التجويع والغدر، إن طلاب الشهادة من الشباب المؤمن والشابات المؤمنات يرفضون السلام المزعوم، ويطالبون قادة الأمة العربية والإسلامية، أن ينسوا الخلافات فيما بينهم وأن يكثفوا من تلاحمهم وأن يوحدوا صفوفهم وأن يقفوا فى وجه المؤامرات والدسائس، التي تحاك ضد الأمة كلها وفى وجه الهجمة البربرية الصهيونية الشرسة التي تستهدف جميع مقدساتنا وقوتنا وعزتنا وعقيدتنا وثرواتنا قال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ}  "آل عمران: من الآية 103".

إن عقيدتنا وتاريخنا ودماء شهداءنا وأنات أراملنا وصرخات أطفالنا وجراحنا، ومشردينا تطالبنا جميعاً بسرعة الترابط والوقوف صفً واحداً كما تطالبنا بإعداد المجاهدين الصادقين فى سبيل الله، كما تطالبنا بضرورة عاجلة لا يمكن تأخيرها أو التغاضي عنها وهي وحدة الصف في الداخل والخارج، لأنها السلاح المهم في المعركة (يد الله مع الجماعة) وإسقاط أسطورة التعايش مع اليهود، والتخلي عن المبادرات السلمية والهرولة والاستسلام. فليس لها عند اليهود وزن أو قيمة، ويجب إشراك الجماهير لمواجهة التحديات في قضيتها الإسلامية المركزية الأولى، وتتجاوز دور المتفرج والمراقب إلى دور الداعم والداعي والمشارك، فما يفرض الإسلام علينا أن نقف صفاً واحداً في الصلاة خلف إمام نتبعه ونقتدي به ونصوم جميعاً شهر رمضان نفطر في لحظة واحدة ونصوم في لحظة واحدة ونتجه جميعاً في كل أنحاء الأرض إلى قبلة واحدة، وقرآننا واحد، ورسولنا واحد، ونعبد إلهاً واحدا لا إله إلا هو، كل هذه الأسس الدقيقة التي وضعنا الإسلام فى إطارها، تفرض علينا أن نكون أمة واحدة على قلب رجل واحد، نواجه الخطوب ونحن صفاً واحداً (كالبنيان المرصوص)، قال الله تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} (المؤمنون: 52).

أراد الله لنا أن نكون أمة واحدة تدين بعقيدة واحدة، وتتبع نهجاً واحداً هو الاتجاه إلى الله أمة واحدة وفق سنة واحدة، تحمل رسالة واحدة، تدين وتجاهد فى سبيلها فهل نحقق مراد الله منا؟

مفاتيح الأمة الإيمان:

إن لكل أمة شخصيتها المستقلة كما أن لها مفتاحها الخاص بها لا تتحرك إلا به، ومفتاح أمة الإسلام هو الإيمان صانع المعجزات ومذلل العقبات هو المحرك لهذه الأمة وحين تمده الروافد التي تغذيه من الصلاة والصيام والذكر والطاعة وسائر العبادات عندها ينساب في القلوب نور وتدب فيها الحياة، ويهيىء الله - عز وجل - للبصيرة النافذة وعياً دقيقاً وإرادة قوية وسماحة ونبلاً.. ويسارع بشوق عظيم إلى مرضاة الله وهذه المعاني تتجلى كأعظم ما يكون في شهر رمضان حين يشتاق المسلم إلى رحاب الله ويعود القرآن غضاً طرياً على لسانه ويهز قلبه هزاً

خرج عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يعسس بالمدينة ذات ليلة فمر بدار رجل من المسلمين فوافقه قائماً يصلى فوقف يستمع قراءته:  {وَالطُّورِ * وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ * فِي رَقٍّ مَّنشُورٍ * وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ * وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ * وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ} سورة الطور.

قال عمر: قسم ورب الكعبة حق، فنزل عن حماره، واستند إلى حائط، فمكث مليا ثم رجع إلى منزله، فمكث شهرا يعوده الناس لا يدرون ما مرضه، -رضي الله عنه-، وسيدنا عمر سمع هذه السورة من قبل ذلك، وقرأها وصلى بها.. لكنه في هذه الليلة صادفت منه قلباً مكشوفاً.. وحساً مفتوحاً، فنفذت إليه، وفعلت به ما فعلت، هذه لحظة خاصة تتلقى القلوب فيها الآيات فتهزها، وتنفض عنها الغبار، وتفتح الحواس والنفس والعقل والبصيرة، وتدفع المؤمن إلى الجهاد فى سبيل الله، ونرجو فى شهر رمضان أن تتهيأ القلوب لمثل هذا، وأن تستقبل القرآن في التراويح، وتتجاوب مع الوحي، حتى يفتح الله علينا.

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: لما أنزل الله - عز وجل - على نبيه - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}  "التحريم: من الآية 6" تلاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه فخر فتى مغشيا عليه فوضع النبي - صلى الله عليه وسلم - يده على فؤاده فإذا هو يتحرك، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا فتى قل لا إله إلا الله، فقالها فبشره بالجنة، فقال أصحابه يا رسول الله أمن بيننا؟ فقال أو سمعتم قوله - تعالى -: {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ}  "إبراهيم: من الآية 14" تفسير ابن كثير.

رصيد الفطرة:

هذه الأمة تصنع التاريخ وتأتى بالأعاجيب حين تدفع إلى الأمام باسم الله، فمن أراد أن يعيد ذكريات بدر، وأيام الفتح الأعظم وانتصارات حطين، وعين جالوت، والقادسية، والمنصورة، فعليه أن يسلك هذا الطريق، وأمتنا على مفترق الطرق، فإن أرادت أن تصل الحاضر بالماضي المجيد، وأرادت أن تواجه تحديات الصهيونية والماسونية، والإلحاد والتحلل، فلابد لها من هذا الطريق إنه كلمة الله أكبر وصيحة وا إسلاماه؟

ومن قبل ذلك التربية الرشيدة على منهج الإسلام، فهذا زورق النجاة الوحيدة لخروج أمتنا من كل أزماتها، ويؤكد أن فلسطين لن تحرر ولن تنتصر إلا بالإسلام، والقدس لا تتحرر إلا بالإسلام، والصهيونية لن تسكت وتعرف حجمها وحدودها إلا بالإسلام، هذه الأمة حين يقودها الإيمان وتجتمع تحت راية القرآن، ومنهج التوحيد، تأتى بالعجب العجاب، وبالمعجزات، والتاريخ خير شاهد على ما نقول.

جاء في كتاب حضارة العرب: "وتأثير دين محمد - صلى الله عليه وسلم - فى النفوس أعظم من تأثير أي دين آخر، ولا تزال العروق المختلفة التي اتخذت القرآن مرشداً لها تعمل بأحكامه، كما كانت تفعل منذ ثلاثة عشر قرنا، أجل قد تجد بين المسلمين عدداً قليلاً من المنحرفين، ولكنك لن ترى من يجرؤ منهم على انتهاك حرمة الإسلام فى عدم الامتثال لتعاليم الإسلام الأساسية كالصلاة فى المساجد وصوم رمضان، الذي يراعى جميع المسلمين أحكامه بدقة مع ما فى هذه الأحكام من صرامة، كما شاهدت ذلك فى جميع الأقطار الإسلامية التي زرتها فى آسيا وأفريقيا، ومن ذلك أتيح لى أن أركب سفينة نيلية كان فيها أفراد عصابة عربية مقرنين فى الأصفاد، ومتهمين بأنواع من الجرائم، فعجبت العجب حين رأيتهم، وهم الذين خرقوا حرمة جميع القوانين الاجتماعية مستخفين بأقسى العقوبات، لم يجرءوا على انتهاك تعاليم النبي - صلى الله عليه وسلم - حين شاهدتهم يرفعون تلك الأصفاد عنهم وقت الصلاة ليسجدوا لله القهار ويعبدوه، ثم يقول الكاتب: وعلى من يرغب فى فهم حقيقة أم الشرق، أن يتمثل سلطان الدين الكبير على نفوس أبنائها وللدين ذي التأثير الضئيل فينا.. "يقصد الغرب" نفوذ عظيم فيهم، وبالدين يؤثر فى نفوسهم.

الصوم والإنتاج:

هناك من يزعم أن الصوم يضعف الإنسان وبالتالي يتعطل العمل ويقل الإنتاج، والحق أن العكس هو الصحيح، فإن الصائم هو أعمق الناس إحساساً وأشدهم إدراكاً بقيمة الوقت، والطاعة لله ربته ووجهته أن يومه لابد أن يكون خيرا من أمسه، وأن الله سائله يوم القيامة عن عمره فيما أفناه؟ وعن شبابه فيما أبلاه؟ ولذلك يضن بوقته أن يضيع سدى لأنه رأس ماله ففي الأثر "ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي فيه ملك يا ابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة" وبالصيام لا يضعف المسلم إذا نام مبكرا واستعان بوقت القيلولة بل إنه يعتبر أعظم طاقة تولد النشاط، وتمد الإنسان بالعزم ولذلك كانت الفتوحات الإسلامية التي حولت تاريخ البشرية فى شهر رمضان، وكان المجاهدون لا يفطرون إلا حين اقترابهم من العدو، فالصوم لا يعوق الإنتاج ولا يعطل العمل، كما يزعم الماديون، إن الذي يعطل الإنتاج هو خراب الذمم وفساد الضمائر، وتدهور الأخلاق، وارتكاب الموبقات، والوقوع فى المحرمات، وإطلاق العنان للشهوات.إن الإسلام يريد من وراء الصوم سلامة الأبدان، ويقظة الإيمان وإحياء المعاني العليا في الإنسان.

 

تأليف: محمد عبدالله الخطيب

عزيزي الزائر .. للإستفادة من جميع موارد الموقع يجب توفر لديك البرامج التالية :

        

المتواجدون حالياً

حاليا يتواجد 13 زوار  على الموقع

إحصائيات الموقع

يحتوي الموقع على

أكثر من
800
مقال
 أكثر من1800
كتاب
 أكثر من3800
صوت
 أكثر من600
فديو

 

تسجيل الدخول