Web Hits مقالات مركز الإسلام | موقع مختص بالتعرف بالإسلام وتعليم مبادئ الدين الحنيف ( عقيدة - صلاة - زكاة - صوم - حج - عمرة - السيرة النبوية ) على ما جاء في القرآن والسنه http://islam-centers.net/ar/about-islam/article-about-islam/40.html Mon, 28 Dec 2020 14:05:21 +0000 Joomla! 1.5 - Open Source Content Management ar-dz الحكمة مِن خَلْق البشر؟ http://islam-centers.net/ar/about-islam/article-about-islam/40-2010-04-08-10-42-35/106-2012-11-28-09-46-39.html http://islam-centers.net/ar/about-islam/article-about-islam/40-2010-04-08-10-42-35/106-2012-11-28-09-46-39.html Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4

الحكمة من خَلق البشر؟

الحمد لله

أولاً : من عظيم صفات الله تعالى " الحكمة " ، ومن أعظم أسمائه تعالى " الحكيم " ، وينبغي أن يُعلم أنه ما خلق شيئاً عبثاً ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، وإنما يخلق لِحِكَمٍ بالغة عظيمة ، ومصالح راجحة عميمة ، عَلِمَها من عَلِمها ، وجَهِلها من جهلها ، وقد ذكر الله تعالى ذلك في كتابه الكريم ، فبيَّن أنه لم يخلق البشر عبثاً ، ولم يخلق السموات والأرض عبثاً ، فقال تعالى: ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ . فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) المؤمنون/115،116 ، وقال سبحانه وتعالى : (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ) الأنبياء/16 ، وقال عز وجل : (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) الدخان/38 ، 39 ، ويقول سبحانه وتعالى : (حم . تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ . مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) الأحقاف/1 – 3 .

وكما أن ثبوت الحكمة في خلق البشر ثابت من ناحية الشرع , فهو ثابت – أيضاً - من ناحية العقل ، فلا يمكن لعاقل إلا أن يسلِّم أنه قد خلقت الأشياء لحكَمٍ ، والإنسان العاقل ينزه نفسه عن فعل أشياء في حياته دون حكمة ، فكيف بالله تعالى أحكم الحاكمين ؟!

ولذا أثبت المؤمنون العقلاء الحكمة لله تعالى في خلقه ، ونفاها الكفار ، قال تعالى : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) آل عمران/190 ، 191 ، وقال تعالى – في بيان موقف الكفار من حكمة خلقه - : (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) ص/27 .

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :

"يخبر تعالى عن تمام حكمته في خلقه السموات والأرض، وأنه لم يخلقهما باطلاً، أي : عبثاً ولعباً، من غير فائدة ولا مصلحة. ذلك ظن الذين كفروا  بربهم ، حيث ظنوا ما لا يليق بجلاله . فويل للذين كفروا من النار فإنها التي تأخذ الحق منهم، وتبلغ منهم كل مبلغ ، وإنما خلق الله السموات والأرض بالحق وللحق ، فخلقهما ليعلم العباد كمال علمه وقدرته ، وسعة سلطانه ، وأنه تعالى وحده المعبود ، دون من لم يخلق مثقال ذرة من السموات والأرض ، وأن البعث حق ، وسيفصل الله بين أهل الخير والشر ، ولا يظن الجاهل بحكمة الله ، أن يسوي الله بينهما في حكمه ، ولهذا قال : (أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار) هذا غير لائق بحِكمَتنا وحُكْمنا " انتهى . " تفسير السعدي "  ص 712  .

ثانياً : ولم يخلق الله تعالى الإنسان ليأكل ويشرب ويتكاثر ، فيكون بذلك كالبهائم ، وقد كرَّم الله تعالى الإنسان ، وفضَّله على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً ، ولكن أبى أكثر الناس إلا كفوراً فجهلوا أو جحدوا الحكمة الحقيقية من خلقهم ، وصار كل هَمِّهِم التمتع بشهوات الدنيا , وحياة هؤلاء كحياة البهائم , بل هم أضل ، قال تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ) محمد/12 ، وقال تعالى : (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) الحجر/3 , وقال تعالى : (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) الأعراف/179 . ومن المعلوم عند عقلاء الناس أن الذي يصنع الشيء هو أدرى بالحكمة منه من غيره، ولله المثل الأعلى فإنه هو الذي خلق البشر ، وهو أعلم بالحكمة من خلقه للناس ، وهذا لا يجادل فيه أحد في أمور الدنيا ، ثم إن الناس كلهم يجزمون أن أعضاءهم خُلقت لحكمة ، فهذه العين للنظر ، وهذه الأذن للسمع ، وهكذا، أفيُعقل أن تكون أعضاؤه مخلوقةً لحكمة ، ويكون هو بذاته مخلوقاً عبثاً ؟! أو أنه لا يرضى أن يستجيب لمن خلقه عندما يخبره بالحكمة من خلقه ؟!

ثالثاً : وقد بيَّن الله تعالى أنه خلق السموات والأرض، والحياة والموت للابتلاء والاختبار، ليبتلي الناس، مَنْ يطيعه ليثيبه، ومَنْ يعصيه ليعاقبه، قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ مُبِينٌ) هود/ 7 ، وقال عز وجل : ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) الملك/ 2 .

وبهذا الابتلاء تظهر آثار أسماء الله تعالى وصفاته ، مثل اسم الله تعالى " الرحمن " ، و " الغفور " و " الحكيم " و " التوَّاب " و" الرحيم " وغيرها من أسمائه الحسنى . ومن أعظم الأوامر التي خلق الله البشر من أجلهاوهو من أعظم الابتلاءات - : الأمر بتوحيده عز وجل وعبادته وحده لا شريك له ، وقد نصَّ الله تعالى على هذه الحكمة في خلق البشر فقال تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات/56 .

قال ابن كثير رحمه الله :" أي : إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي ، لا لاحتياجي إليهم ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: إلا ليعبدون ، أي : إلا ليقروا بعبادتي طوعاً أو كرهاً ، وهذا اختيار ابن جرير ، وقال ابن جريج : إلا ليعرفون ، وقال الربيع بن أنس  إلا ليعبدون ، أي : إلا للعبادة " انتهى .

" تفسير ابن كثير " ( 4 / 239). وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله : "فالله تعالى خلق الخلق لعبادته ، ومعرفته بأسمائه وصفاته ، وأمرهم بذلك ، فمن انقاد، وأدى ما أمر به ، فهو من المفلحين ، ومن أعرض عن ذلك ، فأولئك هم الخاسرون ، ولا بد أن يجمعهم في دار ، يجازيهم فيها على ما أمرهم به ونهاهم ، ولهذا ذكر الله تكذيب المشركين بالجزاء ، فقال : (ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين) أي : ولئن قلتَ لهؤلاء ، وأخبرتهم بالبعث بعد الموت، لم يصدقوك ، بل كذبوك أشد التكذيب ، وقدحوا فيما جئت به ، وقالوا : (إن هذا إلا سحر مبين) ألا وهو الحق المبين " انتهى .

" تفسير السعدي " ( ص 333)

والله أعلم .

الإسلام سؤال وجواب

 

]]>
es.islamcenter@gmail.com (mona) الله سبحانه وتعالى Wed, 28 Nov 2012 00:00:00 +0000
من هو معبود المسلمين؟ http://islam-centers.net/ar/about-islam/article-about-islam/40-2010-04-08-10-42-35/109-2012-11-28-15-02-59.html http://islam-centers.net/ar/about-islam/article-about-islam/40-2010-04-08-10-42-35/109-2012-11-28-15-02-59.html Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4

من هو معبود المسلمين؟

الحمد لله

قبل الإجابة نريد أن نسجّل إعجابنا باهتمامك - أيتها السائلة على صغر سنك - بدين الإسلام ولعل الله أن يفتح لك باب خير عظيم من جراء هذا السؤال ويكتب لك هداية لم تكن بحسبانك قال تعالى : (ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ) سورة الأنعام 88 ، وقال : (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ) سورة الأنعام 125

أما بالنسبة للسؤال العظيم : من يعبد المسلمون ؟ فالجواب عليه من القرآن الكريم وهو كتاب الإسلام ومن كلام نبي الإسلام محمد عليه السلام الموحى إليه من ربه .

قال الله تعالى : (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ(3)مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ(4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ(5) سورة الفاتحة

وقال تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (21) سورة البقرة

وقال : (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (102) سورة الأنعام

وقال تعالى : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا) (23) سورة الإسراء

المسلمون يعبدون الله الذي عبده جميع الأنبياء : قال تعالى : (أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ ءابَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (133) سورة البقرة

المسلمون يعبدون الله ويدعون غيرهم من أصحاب الأديان إلى عبادة الله وحده كما قال عزّ وجلّ : (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (64) سورة آل عمران

الله وحده الذي دعا نوح عليه السلام قومه إلى عبادته ، قال تعالى : (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (59) سورة الأعراف

الله وحده الذي نادى المسيح عليه السلام إلى عبادته كما قال تعالى : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) (72) سورة المائدة

وقال تعالى : (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ(116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (117) سورة المائدة

ولما كلّم الله نبيه موسى عليه السلام قال له : (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (14) سورة طه وأمر الله سبحانه تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بما يلي : (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (104) سورة يونس وهو وحده لا شريك له تعبده الملائكة ولا تعبد معه غيره كما قال تعالى : (وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ) (19) سورة الأنبياء

وكل معبود من دون الله فلا يضر ولا ينفع ولا يخلق ولا يرزق ، قال الله تعالى : (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (76) سورة المائدة وقال تعالى: (إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (17) سورة العنكبوت

وبعد هذا الجواب نريد إكمال الموضوع بالسؤال التالي لماذا نعبد الله وحده لا شريك له والجواب :

أولا : لأنه لا يستحق العبادة في الكون أحد غيره لأنه هو الخالق الرازق الموجد من العدم الذي أمدنا بالنعم، قال تعالى: (فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ(17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ(18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19) وَمِنْ ءايَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ(20) وَمِنْ ءايَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(21) وَمِنْ ءايَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ(22) وَمِنْ ءايَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ(23) وَمِنْ ءايَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ(24) وَمِنْ ءايَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ(25) وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ(26) وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) سورة الروم

وقال تعالى : (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ(60) أَمَّنْ جَعَلَ الأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ(61) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ(62) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ(63) أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(64) قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ(65) سورة النمل

فهل هناك أحد غير الله يستحقّ العبادة ؟

ثانيا : إن الله لم يخلقنا إلا لعبادته فقال عزّ وجلّ : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (56) سورة الذاريات
ثالثا : إنه لن ينجو أحد يوم القيامة إلا من كان يعبد الله حقّا ، وبعد الموت سيبعث الله العباد ليحاسبهم ويجازيهم على أعمالهم فلا ينجو يومئذ إلا من كان يعبد الله وحده ويحشر البقية إلى جهنم وبئس المصير ، قال نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم : مجيبا أصحابه لما سألوه : هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ هَلْ تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إِذَا كَانَتْ صَحْوًا قُلْنَا لا قَالَ فَإِنَّكُمْ لا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَةِ رَبِّكُمْ يَوْمَئِذٍ إِلا كَمَا تُضَارُونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا ثُمَّ قَالَ يُنَادِي مُنَادٍ لِيَذْهَبْ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ فَيَذْهَبُ أَصْحَابُ الصَّلِيبِ مَعَ صَلِيبِهِمْ وَأَصْحَابُ الأَوْثَانِ مَعَ أَوْثَانِهِمْ وَأَصْحَابُ كُلِّ آلِهَةٍ مَعَ آلِهَتِهِمْ حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ وَغُبَّرَاتٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ثُمَّ يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ تُعْرَضُ كَأَنَّهَا سَرَابٌ فَيُقَالُ لِلْيَهُودِ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ قَالُوا كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ فَيُقَالُ كَذَبْتُمْ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلا وَلَدٌ فَمَا تُرِيدُونَ قَالُوا نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا فَيُقَالُ اشْرَبُوا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ ثُمَّ يُقَالُ لِلنَّصَارَى مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ فَيَقُولُونَ كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ فَيُقَالُ كَذَبْتُمْ لَمْ يَكُنْ لِلَّهِ صَاحِبَةٌ وَلا وَلَدٌ فَمَا تُرِيدُونَ فَيَقُولُونَ نُرِيدُ أَنْ تَسْقِيَنَا فَيُقَالُ اشْرَبُوا فَيَتَسَاقَطُونَ فِي جَهَنَّمَ حَتَّى يَبْقَى مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ أَوْ فَاجِرٍ فَيُقَالُ لَهُمْ مَا يَحْبِسُكُمْ وَقَدْ ذَهَبَ النَّاسُ فَيَقُولُونَ فَارَقْنَاهُمْ وَنَحْنُ أَحْوَجُ مِنَّا إِلَيْهِ الْيَوْمَ وَإِنَّا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِيَلْحَقْ كُلُّ قَوْمٍ بِمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ وَإِنَّمَا نَنْتَظِرُ رَبَّنَا قَالَ فَيَأْتِيهِمْ الْجَبَّارُ .. فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا فَلا يُكَلِّمُهُ إِلا الأَنْبِيَاءُ .. فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ ) رواه البخاري رقم 6886 وهؤلاء المؤمنون هم أهل الجنة الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون خالدين فيها إلى الأبد

نرجو أن تكون هذه القضية قد اتضّحت ، وبعد هذا لا نقول إلا كما قال الله تعالى (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا ..) (15) سورة الإسراء ، والسلام على من اتبع الهدى .

الإسلام سؤال وجواب

الشيخ محمد صالح المنجد

]]>
es.islamcenter@gmail.com (mona) الله سبحانه وتعالى Wed, 28 Nov 2012 00:00:00 +0000
حوار مع نصراني : توحيد الله هو رسالة عيسى والأنبياء جميعا ، عليهم السلام http://islam-centers.net/ar/about-islam/article-about-islam/40-2010-04-08-10-42-35/111-2012-11-28-16-24-01.html http://islam-centers.net/ar/about-islam/article-about-islam/40-2010-04-08-10-42-35/111-2012-11-28-16-24-01.html Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4

حوار مع نصراني : توحيد الله هو رسالة عيسى والأنبياء جميعا ، عليهم السلام

لماذا تبتعدون عن الحقيقة ، وتنظرون إلى عيسى على أنه رسول بدلا من النظر إليه كابن للرب ، عيسى هو ابن الرب الوحيد ، هذه هي الحقيقة !!.

شكرا لك أيها السائل أن أتحت لنا فرصة التواصل معا ، لنتحاور حول الحقيقة التي نحتاج أن نعرفها جميعا ، ثم نتبعها مهما خالفت آراءنا السابقة ، واعتقاداتنا القديمة، فبهذا فقط ، أعني معرفة الحق واتباعه ، نتحرر من خطايانا وذنوبنا ، كما في كتابكم المقدس : { وتعرفون الحق ، والحق يحرركم } [ يوحنا 8/32] ، فهلم إلى وقفة قصيرة، مع هذه الحقيقة ، كما يعرضها كتابكم المقدس ، رغم كل ما ناله من تحريف وتغيير !!

إن الدعوة التي جاء بها المسيح عليه السلام هي عبادة الله الواحد ، رب المسيح ورب العالمين : {هذه هي الحياة الأبدية ؛ لابد أن يعرفوك : أنت الإله الحقيقي وحدك، ويسوع المسيح الذي أرسلته}  [ يوحنا 17/3]

سأله رئيس قائلا :{ أيها المعلم الصالح ، ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية ؟ فقال له يسوع : لماذا تدعوني صالحا ؛ ليس أحد صالحا إلا واحد ؛ هو الله !!} [ لوقا 18/18-19 } وأصعده إبليس إلى جبل مرتفع ، وأراه في لحظة من الزمن جميع ممالك العالم، وقال له : أعطيك هذا السلطان كله ، ومجد هذه الممالك ، لأنه من نصيبي ، وأنا أعطيه لمن أشاء !! فإن سجدت لي يكون كله لك. فأجابه يسوع: ابتعد عني يا شيطان، يقول الكتاب: للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد} [لوقا 4/5-8]

إن توحيد الله الذي لا إله إلا غيره ، أعظم وصية جاء بها المسيح ، وهو أعظم وصايا الأنبياء جميعا :{وكان أحد معلمي الشريعة هناك ، فسمعهم يتجادلون ، ورأى أن يسوع أحسن الرد على الصدوقيين ، فدنا منه وسأله : ما هي أول الوصايا كلها ؟

فأجاب يسوع : الوصية الأولى هي : اسمع يا إسرائيل ، الرب إلهنا هو الرب الأحد ؛ فأحب الرب إلهك بكل قلبك ، وكل نفسك، وكل فكرك، وكل قدرتك .والوصية الثانية مثلها؛ أحب قريبك مثلما تحب نفسك .وما من وصية أعظم من هاتين الوصيتين .

فقال له معلم الشريعة : أحسنت يا معلم ؛ فأنت على حق في قولك : إن الله واحد ، ولا إله إلا هو ، وأن يحبه الإنسان بكل قدرته ، وأن يحب قريبه بكل قلبه وكل فكره وكل قدرته ، وأن يحب قريبه مثلما يحب نفسه ، أحسن من كل الذبائح والقرابين .

ورأى يسوع أن الرجل أجاب بحكمة ، فقال له : {ما أنت بعيد عن ملكوت الله . وما تجرأ أحد بعد ذلك أن يسأله عن شي} [ مرقس 12/28-34].

 ولا تظن أن هاتين الوصيتين لإسرائيل، أو لشعبه فقط، بل هي أصل الشريعة وتعاليم جميع الأنبياء، فالوصيتان نفسهما في إنجيل متى، وبعبارة قريبة، ثم قال بعدهما: {على هاتين الوصيتين تقوم الشريعة كلها، وتعاليم الأنبياء} [متى 22/39 ]

فهذا التوحيد حقا هو رسالة كل الأنبياء ؛ قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ) الأنبياء/25

وهو الأصل الذي دعا إليه المسيح ، وحذر من مخالفته ؛ قال الله تعالى :(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) المائدة/72

وهذا هو الأصل الذي ينبغي أن نلتقي عليه جميعا ؛ قال الله تعالى : (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) آل عمران/64

إنها غريبة على النصرانية الحقة تلك المحاولة اليائسة للجمع بين التوحيد الذي جاءت به الأنبياء ، وصرح به الكتاب المقدس لديكم، وقررته التوراة خصوصا، وبين ما تؤمنون به من التثليث .

جاء في دائرة المعارف الأمريكية : لقد بدأت عقيدة التوحيد – كحركة لاهوتية – بداية مبكرة جدا في التاريخ ، وفي حقيقة الأمر فإنها تسبق عقيدة التثليث بالكثير من عشرات السنين . لقد اشتُقَّت المسيحية من اليهودية ، واليهودية صارمة في عقيدة التوحيد.

إن الطريق الذي سار من أورشليم [ مجمع تلاميذ المسيح الأول ] إلى نيقية [حيث تقرر مساواة المسيح بالله في الجوهر والأزلية عام 325م ] كان من النادر القول بأنه كان طريقا مستقيما .

إن عقيدة التثليث التي أقرت في القرن الرابع الميلادي لم تعكس بدقة التعليم المسيحي الأول فيما يختص بطبيعة الله ؛ لقد كانت على العكس من ذلك انحرافا عن هذا التعليم ، ولهذا فإنها تطورت ضد التوحيد الخالص ، أو على الأقل يمكن القول بأنها كانت معارضة لما هو ضد التثليث ، كما أن انتصارها لم يكن كاملا . ) [ 27/294 ]

ويمكنك الرجوع إلى بعض آراء من لا يزالون يذهبون إلى التوحيد من المسيحيين ، في المصدر السابق نفسه ، دائرة المعارف [ 27/3000-301begin_of_the_skype_highlighting 27/300-301     end_of_the_skype_highlighting ]

إنها معضلة للعقول ، مستحيلة في الفطر والأذهان ، فلا عجب أنكم لم تفهموها مجرد فهم ، لكن العجب هو الإيمان بما يستحيل فهمه ، إلا أن نغرر أنفسنا بأن ذلك الفهم سيأتي في اليوم الآخر: ( قد فهمنا ذلك على قدر عقولنا ، ونرجو أن نفهمه فهما أكثر جلاء في المستقبل ، حين ينكشف لنا الحجاب عن كل ما في السموات وما في الأرض ، وأما في الوقت الحاضر ففي القدر الذي فهمناه كفاية ) !!

نعم سوفي يتجلى لكم الحق عيانا في المستقبل ، كما تجلى لنا اليوم ، والحمد لله ؛ يوم يجمع الله الرسل فيشهدهم على أممهم ؛ قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوب ِ(116) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117) إ ِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120) سورة المائدة

والله اعلم .

الإسلام سؤال وجواب

]]>
es.islamcenter@gmail.com (mona) الله سبحانه وتعالى Wed, 28 Nov 2012 00:00:00 +0000
البعث بعد الموت، والحساب والجزاء على الأعمال، والجنة والنار http://islam-centers.net/ar/about-islam/article-about-islam/40-2010-04-08-10-42-35/352-2012-11-25-10-03-12.html http://islam-centers.net/ar/about-islam/article-about-islam/40-2010-04-08-10-42-35/352-2012-11-25-10-03-12.html Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4

البعث بعد الموت، والحساب والجزاء على الأعمال، والجنة والنار

إذا عرفت – أيها العاقل – أن الله خلقك لعبادته؛ فاعلم أن الله أخبر في جميع كتبه التي أنزلها على رسله، بأنه سوف يبعثك حيًّا بعد الموت، وسيُجازيك على عملك في دار الجزاء بعد الموت، وذلك لأن الإنسان ينتقل بالموت من دار العمل والفناء – وهي هذه الحياة – إلى دار الجزاء والخلود، وهي ما بعد الموت، فإذا تمت المدة التي قدّر الله للإنسان أن يعيشها أمر الله ملك الموت فقبض روحه من جسده، فيموت بعدما يذوق مرارة الموت قبل خروج روحه من جسده.

أما الروح، فإن الله يجعلها في دار النعيم (الجنة) إن كانت مؤمنة بالله مُطيعة له؛ وإن كانت كافرة بالله، مكذبة بالبعث والجزاء بعد الموت، جعلها الله في دار العذاب (النار) حتى يأتي موعد نهاية الدنيا فتقوم الساعة، ويموت كل من بقي من الخلق، فلا يبقى إلا الله وحده، ثم يبعث الله الخلق كلهم – حتى الحيوان – ويعيد كل روح إلى جسدها بعدما يعيد الجسد كاملاً كما خلقه أول مرة. وذلك ليُحاسب الناس، ويجازيهم على أعمالهم، الذكر والأنثى، والرئيس المرؤوس، والغني والفقير، فلا يظلم أحدًا، ويقتص للمظلوم من ظالمه، حتى الحيوانات يقتص لها ممن يظلمها. ويقتص لبعضها من بعض. ثم يقول لها كوني ترابًا، لأنها لا تدخل جنة ولا نارًا.

ويجازي بني الإنسان والجن كُلاًّ بعمله، فيُدخل المؤمنين به، الذين أطاعوه، واتبعوا رسله الجنة؛ ولو كانوا أفقر الناس، ويدخل الكافرين المكذبين النار ولو كانوا أغنى الناس وأشرفهم في الدنيا. قال الله – تعالى -: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.

والجنة: هي دار النعيم، فيها من أصناف النعيم ما لا يقدر أحد على وصفه، فيها مائة درجة، لكل درجة سكان، على قدر قوة إيمانهم بالله وطاعتهم له، وأقل درجة في الجنة يُعطى أهلها من النعيم مثل نعيم أنعم ملك في الدنيا سبعين مرة.

والنار: أعاذنا الله منها – هي دار العذاب في الآخرة بعد الموت، فيها من أصناف العذاب والنكال ما يهول ذكره القلوب، ويبكي العيون.

ولو كان الموت يوجد في الدار الآخرة لمات أهل النار بمجرد رؤيتها، ولكن الموت مرة واحدة ينتقل به الإنسان من الحياة الدنيا إلى الآخرة. وقد جاء في القرآن العظيم، الوصف الكامل للوت، والبعث والحساب، والجزاء، والجنة والنار، وفيما ذكرنا إشارة إليه.

والأدلة على البعث بعد الموت والحساب والجزاء كثيرة جدًّا قال الله – تعالى – في القرآن العظيم: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [سورة طه، الآية: 55]. وقال الله – تعالى -: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [سورة يس، الآيتان: 78، 79]. وقال – تعالى -: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [سورة التغابن، الآية: 7].

المعنى الإجمالي للآيات:

يخبر الله – سبحانه وتعالى – في الآية الأولى: أنه خلق بني الإنسان من الأرض، وذلك حينما خلق أباهم آدم من تراب، ويُخبر أنه يُعيدهم فيها بعد الموت في القبور كرامة لهم، ويخبر أنه يخرجهم منها مرة أخرى، فيخرجون من قبورهم أحياء، من أولهم إلى آخرهم، فيحاسبهم الله ثم يُجازيهم.

وفي الآية الثانية: يردّ الله على الكافر المكذب بالبعث الذي يستغرب حياة العظام بعد فنائها. يردّ الله عليه، فيخبر أنه يُحييها؛ لأنه الذي أنشأها أول مرة من العدم.

وفي الآية الثالثة: يردّ الله على الكافرين المكذبين بالبعث بعد الموت زعمهم الفاسد، ويأمر رسوله أن يقسم لهم بالله قسمًا مؤكدًا، أن الله سوف يبعثهم، وسوف ينبئهم بما عملوا، ويجازيهم عليه، وأن ذلك يسير على الله.

وأخبر الله في آية أخرى، أنه إذا بعث المكذبين بالبعث والنار عذبهم في نار جهنم. وقيل لهم {ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ} [سورة السجدة، الآية: 20].

ضبط أعمال الإنسان وأقواله:

وقد أخبر – عز وجل – أنه قد علم ما سوف يقول كل إنسان ويعمل من خير أو شرّ سرًّا أو علانية، وأخبر أنه قد كتب ذلك في اللوح المحفوظ عنده قبل أن يخلق السماوات والأرض والإنسان وغيره، وأخبر أنه مع هذا قد وكَّلَ بكل إنسان ملكين واحدًا عن يمينه، يكتب الحسنات، والآخر عن شماله يكتب السيئات، لا يفوتهما شيء، وأخبر الله – سبحانه – أن كل إنسان يُعطى يوم الحساب كتابه الذي كُتب فيه أقواله وأعماله، فيقرؤها لا ينكر منها شيئًا، ومن أنكر شيئًا أنطق الله سمعه، وبصره، ويديه، ورجليه، وجلده بجميع ما عمل.

وفي القرآن العظيم بيان ذلك بالتفصيل. قال الله – تعالى -: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [سورة ق، الآية: 18]، وقال – تعالى -: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ، كِرَامًا كَاتِبِينَ، يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [سورة الانفطار، الآيات: 10-12].

شرح الآيات: يُخبر الله – سبحانه وتعالى – أنه وكّل بكل إنسان ملكين، واحدًا على يمينه رقيب يكتب حسناته، والآخر على شماله عتيد يكتب سيئاته، ويبر الله في الآيتين الأخيرتين أنه وَكَّلَ بالناس ملائكة كرامًا، يكتبون جميع أفعالهم وأخبر أنه جعل لهم القدرة على العلم بجميع أفعالهم، وكتابتها كما قد علمها وكتبها لديه في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم.

شهادة:

أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، وأشهد أن الجنة حقّ؛ والنار حقّ؛ وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور للحساب والجزاء؛ وأن كل ما أخبر الله به في كتابه أو على لسان رسوله حق. وأدعوك – أيها العاقل – إلى الإيمان بهذه الشهادة، وإعلانها، والعمل بمعناها. فهذا سبيل النجاة.

]]>
es.islamcenter@gmail.com (mona) الله سبحانه وتعالى Sun, 25 Nov 2012 10:02:49 +0000
الشيء الذي من أجله خلق الله بني الإنسان والجن http://islam-centers.net/ar/about-islam/article-about-islam/40-2010-04-08-10-42-35/351-2012-11-25-09-56-44.html http://islam-centers.net/ar/about-islam/article-about-islam/40-2010-04-08-10-42-35/351-2012-11-25-09-56-44.html Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4

الشيء الذي من أجله خلق الله بني الإنسان والجن

إذا عرفت – أيها العاقل – أن الله هو ربك الذي خلقك؛ فاعلم أن الله لم يخلقك عبثًا، وإنما خلقك لعبادته. والدليل قوله – تعالى -: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ، إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [سورة الذاريات، الآيات: 56-58].

المعنى الإجمالي للآيات:

يخبر الله – تعالى – في الآية الأولى: أنه خلق الجن [الجن: خلق عقلاء خلقهم الله لعبادته مثل بني آدم، ويسكنون مع بني الإنسان في الأرض، ولكن بني الإنسان لا يرونهم] وبَنِي الإنسان من أجل أن يعبدوه وحده. ويخبر في الآيتين الثانية، والثالثة: أنه غني عن عباده، فلا يُريد منهم رزقًا، ولا إطعامًا؛ لأنه هو الرزاق القوي، الذي لا رزق للناس وغيرهم إلا من عنده، فهو الذي ينزل المطر، ويخرج الأرزاق من الأرض.

وأما المخلوقات الأخرى التي في الأرض غير العقلاء، فقد أخبر الله – تعالى – أنه خلقها من أجل الإنسان، ليستعين بها على طاعته، ويتصرف نحوها على شريعة الله، وكل مخلوق وكل حركة وسكون في الكون، فإن الله أوجده لحكمة بيَّنها في القرآن، ويعرفها العلماء بشريعة الله كل على قدر علمه، وحتى اختلاف الأعمار والأرزاق والأحداث، والمصائب، كل ذلك يجري بإذن الله؛ ليختبر عباده العقلاء، فمن رضي بقدر الله واستسلم له واجتهد في العمل الذي يرضيه فله الرضى من الله، والسعادة في الدنيا والآخرة بعد الموت، ومن لم يرض بتقدير الله، ولم يُسلّم له ولم يطعه، فله من الله السخط وله الشقاء في الدنيا والآخرة. نسأل الله رضاه، ونعوذ به من سخطه.

]]>
es.islamcenter@gmail.com (mona) الله سبحانه وتعالى Sun, 25 Nov 2012 09:56:20 +0000
معرفة الله(*) الخالق العظيم http://islam-centers.net/ar/about-islam/article-about-islam/40-2010-04-08-10-42-35/350-2012-11-25-09-52-06.html http://islam-centers.net/ar/about-islam/article-about-islam/40-2010-04-08-10-42-35/350-2012-11-25-09-52-06.html Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4

معرفة الله(*) الخالق العظيم

(*)["الله" اسم خاص بإله الكون والناس، وكل شيء، وهذا الاسم علم عليه سمى به نفسه المقدسة ومعناه: "الإله الحق"]

اعلم أيها – الإنسان العاقل- أن ربك الذي خلقك من العدم ورباك بالنعم هو (الله) رب العالمين. والعقلاء المؤمنون بالله – تعالى – [تعالى: كلمة تعظيم وثناء على الله، ووصف له بالعلو والتنزه، وكلمة سبحانه: أي تقدس الله وتنزه] لم يروه بأعينهم، ولكنهم رأوا البراهين الدالة على وجوده، وعلى أنه الخالق المدبر لجميع الكائنات فعرفوه بها. ومن هذه البراهين:

البرهان الأول:

الكون والإنسان والحياة: فهي أشياء حادثة لها بداية ونهاية، ومحتاجة إلى غيرها. والحادث والمحتاج إلى غيره لابد أنه مخلوق، والمخلوق لابد له من خالق، وهذا الخالق العظيم هو (الله)؛ والله هو الذي أخبر عن نفسه المقدسة، بأنه الخالق المدبر لجميع الكائنات، وهذا الإخبار جاء من الله – تعالى – في كتبه، التي أنزلها على رسله.

وقد بلّغ رسل الله كلامه للناس، ودعوهم إلى الإيمان به، وعبادته وحده، قال الله – تعالى – في كتابه القرآن العظيم: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [سورة الأعراف، الآية: 54].

المعنى الإجمالي للآية الكريمة: يخبر الله – تعالى – الناس جميعًا أنه ربهم، الذي خلقهم، وخلق السماوات والأرض في ستة أيام [هذا التدرج في الخلق لحكمة أرادها الله – سبحانه – وإلا فهو قادر على خلق الخلق كلهم في أسرع من لمح البصر، لأنه أخبر أنه إذا أراد شيئًا قال له: كن فيكون]. ويخبر أنه مستوٍ [استوى على الشيء في لغة العرب التي هي لغة القرآن معناه: عَلَى عليه وارتفع، واستواء الله على عرشه هو علوّه عليه علوًّا يليق بجلاله لا يعلم كيفيته إلا هو. وليس معنى: استوى: استولى على الملك كما يزعمه الضلاّل الذين ينكرون حقيقة صفات الله التي وصف بها نفسه، ووصفه بها رسله، زاعمين أنهم إذا أثبتوا صفات الله على حقيقتها، شبهوا الله بخلقه، وهذا زعم فاسد؛ لأن التشبيه هو أن يقال فيها: هي شبه كذا أو مثل كذا من صفات المخلوق، أما إثباتها على الوجه اللائق بالله بدون تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل ولا تأويل، فهو طريقة الرسل التي سار عليها السلف الصالح، وهي الحق الذي يجب على المؤمن أن يتمسك به وإن تركه أكثر الناس] على عرشه. والعرش فوق السماوات، وهو أعلى المخلوقات وأوسعها. والله فوق هذا العرش، وهو من جميع المخلوقات بعلمه وسمعه ورؤيته، لا يخفى عليه شيء من أمرهم، ويخبر الله – جل شأنه – أنه جعل الليل يُغطِّي النهار بظلامه، ويتبعه مسرعًا، ويخبر أنه خلق الشمس والقمر والنجوم، وجعلها جميعًا مُذلّلة تسير في أفلاكها بأمره، ويخبر أن له وحده الخلق والأمر، وأنه العظيم الكامل في ذاته وصفاته، الذي يُعطي الخير الكثير الدائم، وأنه رب العالمين، الذي خلقهم، وربَّاهم بالنعم.

قال الله – تعالى -: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [سورة فصلت، الآية: 37].

المعنى الإجمالي للآية الكريمة: يخبر الله – تعالى -: أن من آياته الدالة عليه: الليل والنهار والشمس والقمر، وينهى عن السجود للشمس والقمر؛ لأنهما مخلوقان كغيرهما من المخلوقات، والمخلوق لا يصح أن يُعبد، والسجود: نوع من العبادة، ويأمر الله الناس في هذه الآية – كما يأمرهم في غيرها – أن يسجدوا له وحده؛ لأنه هو الخالق المدبر المستحق للعبادة:

* البرهان الثاني:

أنه خلق الذكر والأنثى: فوجود الإناث والذكور دليل على الله.

* البرهان الثالث:

اختلاف الألسن والألوان: فلا يوجد اثنان صوتهما واحد، أو لونهما واحد، بل لابد من فرق بينهما.

* البرهان الرابع:

اختلاف الحظوظ: فهذا غني، وهذا فقير، وهذا رئيس، وهذا مرؤوس، في حين أنّ كلاًّ منهم صاحب عقل، وفكر وعلم، وحرص على ما لم يتحصل عليه من الغنى والشرف والزوجة الحسناء، ولكن لا يقدر أحد أن ينال سوى الذي قدَّره الله له؛ وذلك لحكمة عظيمة، أرادها الله – سبحانه – وهي: اختبار الناس بعضهم ببعض، وخدمة بعضهم البعض الآخر، حتى لا تضيع مصالحهم جميعًا.

والذي لم يقدّر الله له حظًّا في الدنيا، أخبر الله – تعالى – أنه يدخر له حظه زيادة في نعيمه في الجنة إذا مات على الإيمان بالله، مع أن الله منح الفقير مزايا يتمتع بها نفسيًّا وصحّيًّا في الغالب لا توجد عند كثير من الأغنياء، وهذا من حكمة الله وعدله.

* البرهان الخامس:

النوم، والرؤيا الصادقة التي يُطْلع الله – سبحانه – فيها النائم على شيء من الغيب بشارةً أو إنذارًا.

* البرهان السادس:

الروح: التي لا يعرف حقيقتها إلا الله وحده.

* البرهان السابع:

الإنسان: وما في جسمه من الحواس، والجهاز العصبي، والمخ، والجهاز الهضمي، وغير ذلك.

* البرهان الثامن:

يُنزِّل الله المطر على الأرض الميتة فتنبت النبات والأشجار المختلفة في أشكالها وألوانها، ومنافعها وطعمها، وهذا قليل من مئات البراهين التي ذكرها الله – تعالى – في القرآن، والتي أخبر أنها أدلة قائمة تدل على وجوده – سبحانه – وعلى أنه الخالق المدبر لجميع الكائنات.

* البرهان التاسع:

الفطرة التي فطر الله الناس عليها، تؤمن بوجود الله خالقها ومدبرها، ومن أنكر ذلك فإنما يُغالط نفسه ويُشقيها، فالشيوعي – مثلاً – يعيش في هذه الحياة تعسًا، مصيره بعد الموت إلى النار، جزاء تكذيبه بربه الذي خلقه من العدم، وربّاه بالنعم إلا إن تاب إلى الله وآمن به وبدينه ورسوله.

* البرهان العاشر:

البركة وهي التكاثر في بعض المخلوقات كالغنم وعكس البركة الفشل كما في الكلاب والقطط.

ومن صفات الله – تعالى – أنه: الأول بلا بداية، وحيٌّ دائم، لا يموت ولا ينتهي، وغني قائم بذاته، لا يحتاج إلى غيره، وواحد لا شريك له. قال الله – تعالى -: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [سورة الإخلاص، الآيات: 1-4].

معنى الآيات:

لما سأل الكفارُ خاتم المرسلين عن صفة الله؛ أنزل الله عليه هذه السورة، وأمره فيها أن يقول لهم:

الله واحد لا شريك له، الله هو الحي الدائم المدبر، له وحده السيادة المطلقة على الكون والناس وكل شيء، وإليه وحده يجب أن يرجع الناس في قضاء حاجاتهم.

لم يلد ولم يولد، ولا يصح أن يكون له ابن أو بنت أو أب أو أم، بل نفى عن نفسه ذلك كله أشد النفي، في هذه السورة وفي غيرها؛ لأن التسلسل والولادة من صفات المخلوق، وقد ردّ الله على النصارى قولهم: المسيح ابن الله. وعلى اليهود قولهم: عُزَيْرٌ ابن الله. وعلى غيرهم قولهم: الملائكة بنات الله، وشنَّع عليهم هذا القول الباطل.

وأخبر أنه خلق المسيح عيسى، عليه السلام، من أم بلا أب بقدرته، مثلما خلق آدم أبا البشر من تراب، ومثلما خلق حواء أم البشر من ضلع آدم، فرآها إلى جنبه، ثم خلق ذرية آدم من ماء الرجل والمرأة، فقد خلق كل شيء في البداية من العدم؛ وجعل بعد ذلك لمخلوقاته سنة ونظامًا لا يستطيع أحد أن يغيرهما سواه، وإذا أراد أن يغير من هذا النظام شيئًا غيّره كما يشاء. كما أوجد عيسى، عليه الصلاة والسلام، من أم بلا أب وكما جعله يتكلَّم وهو في المهد، وكما جعل عصا موسى، عليه الصلاة والسلام، حية تسعى، ولما ضرب بها البحر انشق فصار سوقًا عبر منه هو وقومه، وكما شق القمر لخاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم، وجعل الشجر يسلم عليه إذا مرّ به، وجعل الحيوان يشهد له بالرسالة بصوت يسمعه الناس، فيقول: أشهد أنك رسول الله، وأُسري به على البراق من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عُرج به على السماء ومعه الملك جبرائيل حتى وصل فوق السماء، فكلمه الله سبحانه وتعالى، وفرض عليه الصلاة، وعاد إلى المسجد الحرام في الأرض، ورأى في طريقه أهل كل سماء، وذلك كله في ليلة واحدة قبل طلوع الفجر، وقصة الإسراء والمعراج مشهورة في القرآن وأحاديث الرسول، وكتب التاريخ.

ومن صفات الله تعالى: السمع والبصر، والعلم والقدرة، والإرادة، يسمع ويرى كل شيء، لا يحجب سمعه ورؤيته حجاب.

ويعلم ما في الأرحام، وما تُخفيه الصدور، وما كان وما سيكون. وهو القدير الذي إذا أراد شيئًا قال له: كن فيكون.

ومن صفاته التي وصف بها نفسه المقدسة:

الكلام بما يشاء متى شاء: وقد كلّم موسى عليه الصلاة والسلام، وكلّم خاتم الرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم، والقرآن كلام الله حروفه ومعانيه أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فهو صفة من صفاته، وليس مخلوقًا كما يقول المعتزلة الضالون.

ومن صفات الله – تعالى – التي وصف بها نفسه ووصفه بها رسله: الوجه واليدان، والاستواء والنزول [لحديث ينزل ربنا حين يبقى ثلث الليل الآخر إلى السماء الدنيا... إلخ]، والرضى والغضب. فهو يرضى عن عباده المؤمنين، ويغضب على الكافرين، وعلى مرتكبي موجبات غضبه. ورضاه وغضبه كباقي صفاته، لا تشبه صفات المخلوق ولا تُأوَّل ولا تُكيَّف.

وثبت في القرآن والسنة أن المؤمنين يرون الله – تعالى – عيانًا بأبصارهم في عرصات القيامة وفي الجنة، وصفات الله – تعالى – مفصّلة في القرآن العظيم، وأحاديث الرسول الكريم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، فلتراجع.

]]>
es.islamcenter@gmail.com (mona) الله سبحانه وتعالى Sun, 25 Nov 2012 09:51:28 +0000
هل أنت من المتوكلين على الله تعالى؟ http://islam-centers.net/ar/about-islam/article-about-islam/40-2010-04-08-10-42-35/336-2012-11-21-08-57-44.html http://islam-centers.net/ar/about-islam/article-about-islam/40-2010-04-08-10-42-35/336-2012-11-21-08-57-44.html

هل أنت من المتوكلين على الله تعالى؟

الحمد لله تعالى ولي من تولاَّه. والقريب ممن ناجاه. والصلاة والسلام على النبي المصطفى. وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى. وبعد:

أخي المسلم: الفزع إلى ملك الملوك؛ هو شعار المؤمنين الصَّادقين.. وغاية المخلصين..

فهم قد علموا أن ربهم تعالى قريب ممن اعتصم به.. وولي من التجأ ببابه..

فاطمأنت نفوسهم إلى موعوده.. ووثقت بتأييده..

هذه محاسبة أخرى فلتقفها أيها العاقل مع نفسك.. وسؤال ينبغي أن تسأله نفسك: هل أنت من المتوكلين على الله تعالى؟!

التوكل على الله تعالى! ذلك الأصل العظيم.. والعمل الجليل!

هل وقفت يومًا على معنى التوكل؟!

هل تأملت في حقيقته؟!

ما هو التوكل على الله تعالى؟! وبم عرَّفه العارفون؟!

قال شقيق البلخي رحمه الله: «التوكل طمأنينة القلب بموعود الله عز وجل».

وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: «وجملة التوكل؛ تفويض الأمر إلى الله جل ثناؤه، والثقة به».

وقال بعضهم: «التوكل؛ التعلق بالله في كل حال».

وقيل: «نفي الشكوك والتفويض إلى مالك الملوك».

أخي المسلم: ذلك هو التوكل، ويدور معناه حول الثقة بالله، والطمأنينة بموعوده، وتفويض الأمر إليه تبارك وتعالى..

فهل سألت نفسك: إنْ خرجتَ من بيتك هل تتوكل على الله؟

أرأيت إن عزمت على أمر من الأمور هل تتوكل على الله؟

أرأيت إن خرجت في طلب رزقك هل تتوكل على الله؟

أرأيت إن نزلت بك المصائب هل تفوِّض أمرك إلى الله؟

التوكل على الله عقيدة ضُعفت في قلوب الكثيرين ممن ملأ قلوبهم حب الدنيا.. والالتفات إلى الأسباب.

حتى أصبح هؤلاء الغافلون يربط الواحد منهم رزقه ونفعه وضُرَّه بالمخلوق!

قال بشر بن الحارث رحمه الله: «أما تستحي أن تطلب الدنيا ممن طلب الدنيا؟! اطلب الدنيا ممن بيده الدنيا».

وقال عبد الله بن إدريس بن يزيد رحمه الله: «عجبت ممن ينقطع إلى رجل، ولا ينقطع إلى من له السماوات والأرض!».

فتأمل في حالك أيُّها المسلم.. وفتش قلبك؛ هل تجد فيه أثرًا لهذا الأصل العظيم: (التوكل على الله؟!).

وعلامة التوكل الصادق؛ الذي يجده أهل التوكل، هو كما قال الحسن البصري رحمه الله، قال: «إن من توكُّل العبد أن يكون الله عزَّ وجلَّ هو ثقته».

فكيف ثقتك بالله تعالى؟!

فتِّش في جنبات نفسك عن جواب هذا السؤال.. وحاول أن تقف على عتبات التوكل بصدق وإخلاص..

أخي المسلم: لقد دعاك الله تعالى إلى التوكل عليه وتفويض أمرك إليه.. وهي دعوة من ملك الملوك والفعَّال لما يريد!

قال الله تعالى: (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [آل عمران: 160].

وقال تعالى: (وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [المجادلة: 10].

وأمر الله تعالى نبيه –صلى الله عليه وسلم- إذا عزم على شيء؛ أن يتوكل على الله.

قال الله تعالى: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران: 159].

وأخبرك الله تعالى أنه كافيك أمرك إذا توكلت عليه عز وجل.

قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق: 3].

وأخبرك الله تعالى أن التوكل عليه من صفات المؤمنين.

قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون) [الأنفال: 2].

فهو تبارك وتعالى حيٌّ لا يموت.. لا يعجزه شيء في ملكه.. ومن توكل عليه عزَّ وجل لم يحتج إلى غيره..

عن أبي قدامة الرَّملي قال: (قرأ رجل هذه الآية: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا) فأقبل عليَّ سليمان الخواص فقال: يا أبا قدامة، ما ينبغي لعبد بعد هذه الآية أن يلجأ إلى أحد بعد الله في أمره، ثم قال: انظر كيف قال الله تبارك وتعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوت) فأعلمك أنه لا يموت، وأنَّ جميع خلقه يموتون، ثم أمرك بعبادته فقال: (وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ) ثم أخبرك بأنه خبير بصير، ثم قال: والله يا أبا قدامة لو عامل عبد الله بحُسْن التوكل، وصدق النية له بطاعته، لاحتاجت إليه الأمراء فمن دونهم! فكيف يكون هذا محتاجًا وموئله وملجؤه إلى الغني الحميد؟!).

أخي المسلم: هكذا فهم الصالحون التوكل؛ أن تفوِّض أمرك إلى الغني.. الذي ليس كمثله شيء!

فإنَّ من فوَّض أمره إلى الله تعالى لم ينقلب إلاَّ بخير.. وما أحوجك أيُّها الضعيف إلى نصر الله وتوفيقه وإعانته، فإنك إذا وكلت أمورك إلى الله تعالى؛ فقد وكلتها إلى من لا يغفل ولا ينام! وكلتها إلى من لا ينساك!

ولكن مع سيطرة الغفلة على القلوب؛ ترى الكثيرين بعيدين عن تفويض أمورهم إلى الله تعالى! ومن جهلهم تراهم متعلقين بالأسباب! يكدح أحدهم ليله ونهاره وهو ناسٍ الاعتصام بربه تعالى والتوكل عليه!

قال شقيق البلخي: (لكِّ واحد مقام؛ فمتوكل على ماله، ومتوكل على نفسه، ومتوكل على لسانه، ومتوكل على سيفه، ومتوكل على سلطنته، ومتوكل على الله عز وجلَّ. فأما المتوكل على الله عز وجل؛ فقد وجد الاسترواح، نوَّه الله به، ورفع قدره، وقال: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ). وأمَّا من كان مستروحًا إلى غيره؛ يوشك أن ينقطع به فيشقى!).

فتأمَّل أخي المسلم في حال الكثيرين؛ تراهم بعيدين عن التوكل في أمورهم كلها!

إذا طلب الرزق نسي الرزَّاق ذا القوة المتين! (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات: 58].

وإذا مرض نسي النافع عز وجل! (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) [الشعراء: 80].

وإذا أحاط به كيد الأعداء نسي الناصر الغالب تبارك وتعالى! (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق: 3].

وإذا نزل به الضُّر نسي كاشف الضر عز وجل! (وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا) [الأحزاب: 48].

فكيف بمن هذا حاله أن يوفق؟!

عن أبي سعيد الخدرى-رضى الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن، واستمع الإذن؛ متى يؤمر بالنفخ فينفخ؟!» فكأنَّ ذلك ثُقل على أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم-، فقال لهم: «قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا» [رواه الترمذي وغيره/ صحيح الترمذي للألباني: 2431].

سُئل يحيى بن معاذ رحمه الله متى يكون الرجل متوكلاً؟! فقال: «إذا رضي بالله وكيلاً».

وقال بعضهم: «متى رضيت بالله وكيلاً، وجدت إلى كل خير سبيلاً».

وقال ابن القيم رحمه الله: «التوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم».

فيا من نسيت الوكيل.. مالك الملك.. تبارك وتعالى.. بمن تعوَّضْتَ؟!

فكم من أناس نزلت بهم شدائد؛ فلما توكلوا على الله تعالى؛ انكشف.. ونزل الخير والفرج.

وكم من أناس ضاقت عليهم وجوه الحيل في طلب الرزق؛ فلما توكلوا على الرزاق عز وجل؛ فتح عليهم أنواعًا من خزائن رزقه.

لما نزل البلاء بالنبي –صلى الله عليه وسلم-  وأصحابه يوم أحد، وسمعوا بكرَّة المشركين عليهم مرة أخرى؛ لم يزيدوا على التوكل على الله تعالى؛ فأعقبهم الله تعالى النصر والظَّفَرَ..

قال الله تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) [آل عمران: 173].

فكانت النتيجة: (فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) [آل عمران: 174].

لقد عاش الصالحون حياتهم؛ وقد فوَّضوا أمرهم إلى الله تعالى.. ووضعوا حوائجهم بين يدي من لا تأخذه سنة ولا نوح؛ فاطمأنت النفوس.. وارتاحت من تعب الالتفات لغير الله تعالى.

*وقال عمر بن الخطاب –رضى الله عنه-: «ما أبالي على أيِّ حال أصبحت، على ما أحب، أو على ما أكره، لأني لا أدري الخير فيما أحب، أو فيما أكراه».

وقال علي بن بكار: شكا رجل إلى إبراهيم بن أدهم كثره عياله، فقال له إبراهيم: «يا أخي، انظر كل من في منزلك ليس رزقه على الله، فحوِّله إلى منزلي».

*وقال عامر بن عبد قيس رحمه الله: «ثلاث آيات من كتاب الله عزَّ وجلَّ اكتفيت بهنَّ عن جميع الخلائق.

أولهنَّ: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).

والآية الثانية: (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

والثالثة: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)».

*وقال وهيب بن الورد رحمه الله: «لو كانت السماء نحاسًا والأرض رصاصًا، واهتممت برزقي لظننت أني مشرك».

*وقال أبو حازم رحمه الله: «وجدت الدنيا شيئين: شيء هو لي، وشيء هو لغيري. فأما الذي هو لي: فلو طلبته قبل أجله بحِيَل السماوات والأرض لم أقدر عليه. وأما الذي هو لغيري: فلم أصبه فيما مضى، ولم أرجه فيما بقى، يمنع رزقي من غيري؛ كما يمنع رزق غيري مني, ففي أي هذين أفني عمري؟!».

*وقال رجل لحاتم الأصم رحمه الله: من أين تأكل؟ فقال: (وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ) [المنافقون: 7].

أخي المسلم: ذلك طرف من حياة الصالحين؛ الذين امتلأت قلوبهم بالتوكل على الله تعالى..واليقين الصادق؛ أن الله تعالى بيده الحكم والأمر.

فأين أنت من هذه العقيدة الراسخة؟!

وإيَّاك أيها العاقل أن تكون من أولئك الذين ضعفت في نفوسهم عقيدة التوكل على الله تعالى فتراهم؛ حيارى.. متخبطين.

فحاسب نفسك.. وأوقفها على هذه المحطة المهمة.. ولا تغفل تعهدها وتقويمها؛ كلما أحسست ميلاً عن طريق التوكل على الله تعالى.

وإيَّاك أن تفهم أن من أخذ بالأسباب فإنَّ ذلك ينافي التوكل.

فإنَّ من أخذ بالأسباب الموصلة إلى مسبباتها؛ فإنّ ذلك لا يقدح في توحيده؛ بل إن ذلك من كمال التوكل على الله تعالى، ولكن الركون إلى الأسباب والالتفات إليها دون المسبب تبارك وتعالى؛ فهو الذي يقدح في التوحيد.

قال ابن القيم: «التوكل من أعظم الأسباب التي يحصل بها المطلوب، ويندفع بها المكروه، فمن أنكر الأسباب لم يستقم معه التوكل، ولكن من تمام التوكل؛ عدم الركون إلى الأسباب، وقطع علاقة القلب بها، فيكون حال قلبه فيامه بالله لا بهاء، وحال بدنه قيامه بها، فالأسباب محل حكمة الله وأمره ونهيه، والتوكل متعلق بربوبيته وقضائه وقدره، فلا تقوم عبودية السباب إلا على ساق التوكل، ولا يقوم ساق التوكل إلاَّ على قدم العبودية».

قال إبراهيم الخواص رحمه الله: «أدب التوكل ثلاثة أشياء: صحبة القافلة بالزاد، والجلوس في الزروق بالزاد، والجلوس في المجلس بالزاد».

أخي المسلم: التوكل على الله تعالى؛ صفة أولياء الله تعالى.. وحزبه المفلحين.. فاحرص أن تكون واحدًا من المتوكلين على الله تعالى.. الواثقين به تبارك وتعالى.. المفوِّضين أمورهم إليه عز وجل.. يسهُل أمرك.. ويحالفك التَّوفيق والظَّفَر.

قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «لو أنَّكم توكلتم على الله حقَّ توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماسًا، وتروح بطانًا» [رواه ابن ماجه وغيره/ صحيح ابن ماجه للألباني: 3377].

وقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «من نزلت به فاقةٌ فأنزلها بالناس؛ لم تُسَدَّ فاقتُهُ، ومن نزلت به فاقةٌ، فأنزلها بالله؛ فيوشك الله له برزقٍ عاجل أو آجلٍ» [رواه الترمذي وغيره/ صحيح الترمذي للألباني: 2326].

أخي المسلم: ما أظنك تختار على الثقة بالله الثقة بغيره.. فهو تبارك وتعالى العليم بما يصلحك.

فلُتقبل على ربك تعالى؛ متوكلاً.. مستعينًا.. راجيًا.

فهو تبارك وتعالى كهفك إذا أحاطت بك الشدائد..

وأملك إذا ضاقت عليك المخارج.. وسلواك إذا نزلت بك الأحزان.. وعضُدك إذا كادك العدو..

من اعتصم به أفلح.. ومن طلب ما عنده أنجح..

فلا تطرقنَّ إلاَّ بابه.. ولا تتوكلنَّ إلاَّ عليه تبارك وتعالى..

ولا يفوتك أيُّها المسلم أن تكون من الفائزين بثمار التوكل على الله؛ التي يفوز بها المتوكلون في الدنيا والآخرة..

فإذا اعتصم سواك بغير الله تعالى.. فكُن معتصمًا بالله تعالى.

وإذا وثق غيرك بالمخلوق.. فكُن واثقًا بالخالق عز وجل..

فالله تبارك وتعالى وكيل الصادقين.. وأمل المخلصين.. (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [المائدة: 23].

والحمد لله تعالى، والصلاة والسلام على النبي محمد وآله والأصحاب.

]]>
es.islamcenter@gmail.com (mona) الله سبحانه وتعالى Wed, 21 Nov 2012 08:57:12 +0000
التوكل على الله http://islam-centers.net/ar/about-islam/article-about-islam/40-2010-04-08-10-42-35/335-2012-11-21-08-25-42.html http://islam-centers.net/ar/about-islam/article-about-islam/40-2010-04-08-10-42-35/335-2012-11-21-08-25-42.html Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA MicrosoftInternetExplorer4

التوكل على الله

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين. أما بعد:

فإن للتوكل على الله تعالى منزلة عظيمة في الإسلام، يلحظها من تأمل النصوص الواردة فيه، وكل عبد مضطرٌ إليه، لا يستغني عنه طرفة عين، كما أنه من أعظم العبادات من جهة توثق صلته بتوحيد الرب سبحانه، يقول تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ) [الفرقان:58]. في هذه الآية أمر من الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - أن يتوكل عليه سبحانه وتعالى، وألا يركن إلا إليه؛ لأنه الحي الذي لا يموت، وهو القوي القادر سبحانه وتعالى، ومن يتوكل عليه جل وعلا فهو حسبُه، أي كافيه ومؤيدُه وناصرُه، ومن توكل على غير الله، فإنما يتوكل على من يموت ويفنى، والضعف والعجز يعتوِرُه من كل جهة، ولأجل ذلك فالمتوكِّل عليه يضيع ويزيغ، وكل من اعتمد على غير الله فقد ضل سعيه.

فدلّ ذلك على فضل التوكل على الله - جل وعلا - وتعليق القلب به سبحانه.

والتوكل معناه: صدق اعتماد القلب على الله عزوجل في استجلاب المصالح ودفع المضار، من أمور الدنيا والآخرة كلها، وأن يَكِلَ العبد أموره كلها إلى الله جل وعلا، وأن يحقق إيمانَه بأنه لا يعطي ولا يمنع، ولا يضر ولا ينفع: سواه جل وعلا.

وقد حَضَّ الله عباده المؤمنين على التوكل في مواضع عديدة من الكتاب العزيز، وبيَّن سبحانه ثمراته وفضائله:

ومن ذلك قوله سبحانه: (وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [المائدة:23]، وقوله - عز وجل -: (وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [التوبة:51]، وقوله تعالى: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق:3]، وقوله - جل وعلا -: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) [آل عمران:159]، وقال سبحانه واصفاً عباده المؤمنين في معرض الثناء والمدح: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الأنفال:2].

وفي السنة المطهرة تكاثرت النصوص الموضِّحة لأهمية التوكل والحضِ عليه، ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم -: {لو أنكم توكَّلون على اللّه حق توكله، لَرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خِماصاً، وتعود بِطاناً}.

قال الحافظ ابن رجب - رحمه اللّه -: " هذا الحديث أصلٌ في التوكل، وأنه من أعظم الأسباب التي يُستجلب بها الرزق"، قال اللّه عزوجل: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً "2" وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق:3،2].

ودلَّ حديث عمر المذكور على أن الناس إنما يُؤتَون من قلة تحقيق التوكل، ووقوفهم مع الأسباب الظاهرة بقلوبهم، ومساكنتِهم لها، فلذلك يُتْعِبُون أنفسهم في الأسباب، ويجتهدون فيها غاية الاجتهاد، ولا يأتيهم إلا ما قُدِّرَ لهم، فلو حققوا التوكل على اللّه بقلوبهم لساق اللّه إليهم أرزاقهم مع أدنى سبب، كما يسوق إلى الطير أرزاقها بمجرد الغُدوِّ والرّواح، وهو نوع من الطلب والسعي، لكنه سعي يسير. وهذا ما يشير إليه قوله - صلى اللّه عليه وسلم -: { لرزقكم كما يرزق الطير... }، ومعناه أنها تذهب أول النهار خماصاً، أي ضامرة البطون من الجوع، وتتجه إلى غير وجهة محددة، تطير وتبحث وتسعى، ثم ترجع آخر النهار بطاناً، أي ممتلئة البطون.

وصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه عنه جابر بن عبد اللّه - رضي اللّه عنه - أنه قال: { إن نفساً لن تموت حتى تستكمل رزقها، فاتقوا اللّه وأَجْملوا في الطلب، خذوا ما حلَّ ودَعُوا ما حَرُم } [رواه ابن ماجة والحاكم وابن حبان].

وقال عمر - رضي اللّه عنه -: " بين العبد وبين رزقه حجاب، فإن قَنَعَ ورضيت نفسه أتاه رزقُه، وإن اقتحم وهتك الحجاب لم يُزَدْ فوق رزقه ".

وقال بعض السلف: " توكَّلْ تُسَقْ إليك الأرزاق بلا تعبٍ ولا تكلف ".

وها هنا تنبيه إلى أن التوكل الصحيح يستلزم من صاحبه أن يُعْمِلَ الأسباب كما قال تعالى: (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [المائدة:11]. فجعل التوكل مع التقوى، وهي هنا شاملة للقيام بالأسباب المأمور بها، فالتوكل بدون القيام بالأسباب المأمور بها عجزٌ محض، وإن كان مشوباً بنوع من التوكل، فلا ينبغي للعبد أن يجعل توكله عجزاً ولا عجزه توكلاً، بل يجعل توكله من جملة الأسباب التي لا يتم المقصود إلا بها.

وهذا المعنى يدل عليه أيضاً ما رواه الترمذي وغيره عن أنس رضي اللّه عنه قال: قال رجل: يا رسول اللّه ! أَعْقِلُها وأتوكل، أو أُطْلِقُهَا وأتوكل؟ قال: { اعقلها وتوكل }.

وقد أخطأ في هذا الباب أقوام، فعوَّلوا عجزهم على التوكل، وتذرَّعوا به، فضيَّعوا من الحقوق والواجبات لأنفسهم ولعيالهم، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: { كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يَقُوت} [رواه أبو داود].

ولمثل أولئك قال - عليه الصلاة والسلام -: { المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى اللّه من المؤمن الضعيف، وفي كلٍ خير، احرص على ما ينفعك، واستعن باللّه ولا تعجز، فإن أصابك شيءٌ فلا تقولن: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر اللّه وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان }.

ومما ينبَّهُ إليه هنا أن ضعف التوكل لدى الإنسان إنما ينتج عن ضعف الإيمان بالقضاء والقدر، وذلك لأن من وكَلَ أموره إلى اللّه ورضي بما يقضيه له ويختاره، فقد حقق التوكل عليه، وأما من وكل أموره لغير اللّه، وتعلق قلبه به، فهو مخذول غافل عن ربه جل وعلا.

روى ابن مسعود - رضي اللّه عنه - عن رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: { من أصابته فاقةٌ فأنزلها بالناس لم تُسَدَّ فاقته، ومن أنزلها باللّه أوشك اللّه له بالغنى... } الحديث [رواه أبو داود وغيره].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه اللّه -: " وما رجا أحدٌ مخلوقاً ولا توكل عليه إلا خاب ظنه فيه، فإنه مشرك، قال تعالى: (وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) [الحج:31] ".

قال الشيخ سليمان بن عبد اللّه بن محمد بن عبد الوهاب - رحمهم اللّه -: " التوكل قسمان:

أحدهما: التوكل في الأمور التي لا يقدر عليها إلا اللّه، كالذين يتوكلون على الأموات والطواغيت في رجاء مطالبهم، من نصرٍ أو حفظِ رزق أو شفاعة، فهذا شرك أكبر.

والثاني: التوكل في الأسباب الظاهرة، كمن يتوكل على أمير أو سلطان فيما أقْدَرَهُ اللّه تعالى عليه من رزق أو دفع أذى ونحو ذلك، فهو نوع من شرك أصغر.

والوكالة الجائزة هي توكيل الإنسانِ الإنسانَ في فعل ما يقدر عليه نيابةً عنه، لكن ليس له أن يعتمد عليه في حصول ما وُكِّل فيه، بل يتوكل على اللّه في تيسير أمره الذي يطلبه بنفسه أو نائبه، وذلك من جملة الأسباب التي يجوز فعلها، ولا يعتمد عليها بل يعتمد على المسبِّب الذي أوجد السبب والمسبَّب ".

ومما يزيد إيضاح تحقيق التوكل والعمل بالأسباب مع تعليق القلب باللّه وحده: ما أخبر به أبو بكر الصديق - رضي اللّه عنه - في هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - للمدينة إذ قال: " نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رءوسنا، فقلت: يا رسول اللّه ! لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال: { ما ظنك يا أبا بكر باثنين اللّه ثالثهما } [متفق عليه]. وتصديقه قوله تعالى: (إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا) [التوبة:40].

ومن توكَّل على اللّه فإنه ينال من فضائله وثمراته بحسب تحقيقه له ما لا يخطر له على بال، ولا يحيط به مقال، فهو أشرح الناس صدراً، وأطيبهم عيشاً، قال تعالى: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق:3].

ولأهمية هذه المسألة فقد عدَّها العلماء في أبواب التوحيد والعقائد، إذ أنها من أجَلِّ العبادات وأعظمها، ولذا عقد لها الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب باباً في كتابه " كتاب التوحيد" ودلَّل عليها وبيَّن أنها من الفرائض ومن شروط الإيمان. فالواجب على كل مسلم ومسلمة العناية بها وتعاهُدُ قلبه على ذلك.

وفقنا اللّه لهداه، ورزقنا صدق التوكل عليه، وحسن الإنابة إليه، وصلى اللّه على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

]]>
es.islamcenter@gmail.com (mona) الله سبحانه وتعالى Wed, 21 Nov 2012 08:25:15 +0000
دلائل قدرة الله تعالى وعظمته http://islam-centers.net/ar/about-islam/article-about-islam/40-2010-04-08-10-42-35/334-2012-11-20-07-35-53.html http://islam-centers.net/ar/about-islam/article-about-islam/40-2010-04-08-10-42-35/334-2012-11-20-07-35-53.html Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA

دلائل قدرة الله تعالى وعظمته

نبذة مختصرة عن الخطبة:

ألقى فضيلة الشيخ عبد المحسن بن محمد القاسم - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "دلائل قدرة الله تعالى وعظمته"، والتي تحدَّث فيها عن بعض دلائل قدرة الله - سبحانه وتعالى - المذكورة في كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ من سمعه وبصره وإحاطته بكل شيء، وغِناه وعظمته، وغير ذلك من الدلائل.

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فاتقوا الله - عباد الله - حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.

أيها المسلمون:

أوجَد الله العبادَ من العدَم وأمدَّهم بالنعم، وكشفَ عنهم الكروب والخُطوب، والفِطَرُ السليمةُ تحبُّ من أنعمَ وأحسنَ إليها، وحاجةُ النفوس إلى معرفة ربها أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب والنَّفَس، ولا سعادة في الدنيا والآخرة إلا بمعرفة الله ومحبته وعبادته، وأعرفُ الناس به أشدُّهم له تعظيمًا وإيمانًا، وعبوديةُ القلب أعظمُ من عبودية الجوارح وأكثرُ وأدوَم، فهي واجبةٌ في كل وقت، وأعمالُ الجوارح لإصلاح القلب وتعظيم الله.

قال ابن القيم - رحمه الله -: "والله يُنزِل العبدَ من نفسه حيثُ يُنزِلُه العبدُ من نفسه، وإذا عرفَ المخلوقُ ربَّه اطمأنَّت إليه نفسُه وسكنَ إليه قلبُه، ومن كان بالله وصفاته أعلمَ كان توكُّله أصحَّ وأقوى، وكان منه أخوَف".

وأكملُ الناس عبوديةً: المُعظِّمُ لله المُتعبِّدُ له بجميع أسمائه وصفاته، والله - سبحانه - له من الأسماء أحسنُها، وأسماؤه مدحٌ وتمجيد، وله من الصفات أكملُها وأعلاها، وصفاتُه صفاتُ كمال.

كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في رُكوعه: «سبحان ذي الجبروت والملَكوت والكبرياء والعَظَمة»؛ رواه النسائي.

له الكمالُ المُطلقُ في كل شيء؛ كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «لا أُحصِي ثناءً عليك، أنت كما أثنيتَ على نفسك»؛ رواه مسلم.

وجميعُ من في السماوات ومن في الأرض يُنزِّهون الله عن كل عيبٍ ونقصٍ، قال - سبحانه -: (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ) [الحشر: 1]، وكلُّهم يسجُد له؛ قال - عز وجل -: (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا) [آل عمران: 83].

له - عز وجل - الخلقُ والأمرُ وحده، أتقنَ ما صنَعَ وأبدَعَ ما خلق، وقدَّر مقادير الخلائق بل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، والحكمُ حكمُه ولا يشرَكه في ذلك أحد، لا رادَّ لقضائه، ولا مُعقِّب لحكمه، حيٌّ لا يموت، جميعُ الخلق تحت قهره وقبضته، يُميتُهم ويُحييهم، ويُضحِكُهم ويُبكِيهم، ويُغنيهم ويُفقِرُهم، ويُصوِّرُهم في الأرحام كيف يشاء،|(مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا) [هود: 56]، يُدبِّرُها كيف شاء، وقلوبُ العباد بين أُصبعَيْه يُقلِّبُها كيف شاء، ونواصيهم بيده، وأزِمَّةُ الأمور معقودةٌ بقضائه وقدَره، لا يُنازِعُه مُنازِع، ولا يغلِبُه غالب.

لو أن الأمةَ اجتمعت على لتضرَّ أحدًا والله لم يكتب ذلك لم يضُرَّه أحد، ولو اجتمعوا على نفعه والله لم يُرِد ذلك لم ينفعه أحد.

لا رادَّ لعذابه إن نزل، ولا رافع له إن حلَّ سواه، يخلق ما يشاء ويفعل ما يُريد، لا يُسأل عما يفعل والخلقُ يُسألون، قائمٌ بنفسه مُستغنٍ عن خلقه، ومُهيمنٌ عليهم جميعًا، مفاتيحُ الغيب عنده لا يعلمُها إلا هو، وأخفَى علمَها حتى عن الملائكة، فلا يعلمون من سيموت غدًا، أو ما سيحدث في الكون قبل أن يكون.

ملكٌ يُدبِّر أمرَ عباده، يأمرُ وينهَى، ويُعطِي ويمنع، ويخفِضُ ويرفع، أوامرُه مُتعاقبةٌ على تعاقُب الأوقات، نافذةٌ بحسب إرادته ومشيئته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرحمن: 29].

ومن جملة شؤونه: أن يُفرِّج كربًا، ويجبِر كسيرًا، ويُغنِي فقيرًا، ويُجيبَ دعوةً، قال عن نفسه: (وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ) [المؤمنون: 17].

علمُه وسِعَ كل شيء، يعلمُ ما كان وما يكون وما لم يكن، لا تتحرَّك ذرَّةٌ فما فوقها إلا بإذنه، ولا تسقط ورقةٌ إلا بعلمه، لا تخفى عنده خافية، استوى عنده السرُّ والعلانية، قال - سبحانه -: (سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ) [الرعد: 10].

يسمعُ أصواتَ المخلوقين وهو على عرشه، قالت عائشة - رضي الله عنها -: الحمدُ لله الذي وسِعَ سمعُه الأصوات، قالت: لقد جاءت المُجادِلةُ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - تُكلِّمُه وأنا في ناحية البيت ما أسمعُ ما تقول، فأنزلَ اللهُ: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا) [المجادلة: 1].

وأفعالُ العباد في ظُلمة الليل البَهيم لا تخفى عليه، قال - جل شأنه -: (الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) [الشعراء: 218، 219]، يرى وهو فوق سماواته دبيبَ النملة السوداء، على الصخرة الصمَّاء، في الليلة الظلماء.

خزائنُه ملأى في السماوات والأرض، ويَداه مبسوطتان بالسخاء، سحَّاءُ الليل والنهار يُنفِقُ كيف يشاء، كثيرُ العطاء واسعُ الجُود، يُعطِي قبل السؤال وبعده، وينزل إلى السماء الدنيا كل ليلةٍ في الثُّلث الأخير من الليل ويقول: «من يسألني فأُعطيَه»، ومن لم يسأله يغضَب عليه.

وأبوابُ عطائه فتحَها لخلقه فسخَّر بحارًا وأجرى أنهارًا وأدرَّ أرزاقًا، ساق للخلق أرزاقهم؛ فرزَقَ النملة في قرار الأرض، والطيرَ في الهواء، والحيتان في الماء، (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) [هود: 6]، ورزقُه وسِع الجميع؛ فساق إلى الجنين رزقَه وهو في رحِمِ أمه، وإلى الجلْد القوي في مُلكه، كريمٌ يحبُّ العطاء والكرم، إذا سُئِل أعطى، وإذا رُفِعت إلى غيره حاجة لا يرضى، وكل خيرٍ فهو منه، (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) [النحل: 53].

رِزقه لا ينفَد، قال - عليه الصلاة والسلام -: «أرأيتم ما أنفق مُنذ خلق السماوات والأرض، فإنه لم يغِض ما في يمينه»؛ رواه مسلم.

ولو سأله العبادُ جميعًا فأعطاهم ما سألوه لم ينقص ذلك من مُلكه شيئًا، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «قال الله - عز وجل -: يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنَّكم قاموا في صعيدٍ واحدٍ فسألوني فأعطيتُ كلَّ إنسانٍ مسألتَه ما نقصَ ذلك مما عندي إلا كما ينقص المِخيَط إذا أُدخِل البحر»؛ رواه مسلم.

والثوابُ على العمل يُضاعِفُه، الحسنةُ عنده بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضِعفٍ إلى أضعافٍ كثيرة، والقليلُ من زمن الطاعة يُكثِّره؛ فليلةُ القدر خيرٌ من ألف شهر، وصيامُ ثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ كصيام الدهر، وإذا أنفق العبدُ مالاً ابتغاءَ وجهه ردَّه له أضعافًا مُضاعفة.

ويزيدُ في السخاء فوق المُنَى، فأعطى أهل الجنة فيها ما لا عينٌ رأت، ولا أُذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وإذا ترك العبدُ شيئًا من أجله عوَّضه خيرًا منه.

غنيٌّ عن جميع خلقه، وكل شيءٍ مُفتقِرٌ إليه، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [فاطر: 15]، لا يبلغُ العبادُ نفعَه فينفعوه، ولا ضُرَّه فيضرُّوه، عليٌّ كبير، الكرسيُّ موضع قدمَيْه - سبحانه -، وقد وسِعَ الكرسيُّ السماوات والأرض، والسماوات السبع في الكرسي كدراهم سبعةٍ أُلقِيَت في تُرسٍ، والكرسيُّ في العرش كحلقةٍ من حديدٍ أُلقِيت بين ظهرَيْ فلاةٍ من الأرض، وعرشُه أعظم مخلوقاته، وتحت العرش بحرٌ ويحملُ العرشَ ملائكةٌ ما بين شحمة أُذن أحدهم إلى عاتقه مسيرةُ سبعمائة عامٍ.

وربُّنا مُستوٍ على عرشه كما يليق بجلاله وعظمته، وهو مُستغنٍ عن العرش وما دونه، مُحيطٌ بكل شيء، ولا يُحيطُ به شيءٌ، ويُدرِكُ الأبصارَ والأبصارُ لا تُدرِكُه، وقدرتُه شملَت جميع مخلوقاته، وهي ضعيفةٌ عنده وإن كبُرت في أعين المخلوقين؛ فالسماوات يطويها - سبحانه - يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول: «أنا الملكُ، أين الجبارون؟ أين المُتكبِّرون؟»، ثم يطوي الأرضين بشماله ثم يقول: «أين الجبارون؟ أين المُتكبِّرون؟»؛ رواه مسلم.

ويجعل السماوات يوم القيامة على أُصبع، والأرضين على أُصبع، والجبال والشجر على أُصبع، والماء والثَّرى على أُصبع، والخلائق على أُصبع، ثم يهزُّهنَّ ثم يقول: «أنا الملكُ، أنا الملكُ»؛ متفق عليه.

وإذا تكلَّم بالوحي أخذت السماوات منه رجفة وصعِق أهلُ السماء، وأول من يفيقُ جبريل، والسماوات تخشاه، قال - عز وجل -: (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ) [الشورى: 5].

قال الضحاك - رحمه الله -: "أي: تكاد السماوات يتشقَّقن فرَقًا من عظمة الله"؛ أي: خوفًا منه.

قيُّومٌ لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، «يخفِضُ القسطَ ويرفعُه، يُرفَع إليه عملُ الليل قبل عمل النهار، وعملُ النهار قبل عمل الليل، حِجابُه النور، لو كشفَه لأحرَقَت سُبُحات وجهه ما انتهى إليه بصرُه من خلقه»؛ رواه مسلم.

الأمرُ يُدبِّره من السماء إلى الأرض ثم يعرُجُ إليه، (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ) [لقمان: 27] أي: يُكتَبُ بها (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ) بمدادٍ، وسبعةُ أبحرٍ تمُدُّه أيضًا (مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ).

قويٌّ لا يُعجِزُه شيء، إذا أراد شيئًا قال له: كن، فيكون، وأمرُه كلمحِ البصر بل هو أقرب، وله جنودٌ لا يعلمها أحدٌ سواه، قلَبَ قُرى قوم لوطٍ وجعل عاليَها سافلَها، ولما امتنع بنو إسرائيل عن قبول ما في التوراة رفع جبلاً فوق رؤوسهم كأنه ظُلَّةٌ وظنُّوا أنه واقعٌ بهم، وتجلَّى - سبحانه - لجبلٍ فجعله دكًّا، ولما رأى موسى ذلك خرَّ صعِقًا.

والأرضُ إذا انقضى الدهرُ يرُجُّها رجًّا، ويدُكُّها دكًّا، وينسِفُ الجبالَ نسفًا، وبنفخةٍ واحدةٍ في الصور ينفُخ فيه إسرافيل يفزعُ الخلق، وبنفخةٍ أخرى يُصعَقون، وبثالثةٍ يقومون للحشر.

وإذا نزل - سبحانه - لفصل القضاء تشقَّقَت السماءُ لنزوله تعظيمًا له وخشية، والله - سبحانه - فوق ما يصِفُه الواصِفون ويمدحُه المادِحون، لا نِدَّ له ولا نظير، ولا شبيهَ له ولا مثيل، عرفَ الرسلُ ربَّهم فأكثَروا له التذلُّل والتعبُّد والخضوع، فكان داود - عليه السلام - يصوم يومًا ويُفطِر يومًا، ونبيُّنا محمد - صلى الله عليه وسلم - يقوم الليل حتى تتفطَّر قدماه، وإبراهيمُ أوَّاهٌ لربه مُنيب، ومن سلك غيرَ نهج الأنبياء فقد ضلَّ سواء السبيل.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الزمر: 67].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.

أيها المسلمون:

لا أحد أحبُّ إليه المدحَ من الله، ولذلك أثنى على نفسه، وأصلُ التفاضُل بين الناس إنما هو بمعرفة الله ومحبته والثناء عليه، ومن عرفَ اللهَ وقلبُه سليمٌ أحبَّه وعظَّمه، وكلما ازداد له معرفةً ازداد له طاعة، والذنوب تُضعِفُ تعظيمَ الله ووقاره، ولو تمكَّن وقارُ الله وعظمتُه في قلب العبد ما تجرَّأ أحدٌ على معاصيه، وكل معصيةٍ فمن الجهل بالله، وإجلالُ الله يعظُم بالطاعات.

وأعظمُ عبادة يتقرَّبُ بها العبدُ من ربه هي إفراده بالعبادة، فلا يسأل إلا هو، ولا يستغيثُ إلا به، ولا تُصرفُ أيُّ عبادةٍ إلا له وحده، ومن عبدَ مع الله غيرَه فما قدَرَ اللهَ حقَّ قدره، وظلمَ نفسَه بالوقوع في الشرك، ومن هداه الله لتعظيم الرب وإفراده بالعبادة وجبَ عليه أن يدعو غيرَه إلى توحيد الله وتعظيمه.

ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه، فقال في محكم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا) [الأحزاب: 56].

اللهم صلِّ وسلِّم على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنَّا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنًا مُطمئنًّا رخاءً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم احقِن دماءهم، ورُدَّهم إليك ردًّا جميلاً، واصرِف عنهم الفتن ما ظهر منها وما بطَن يا ذا الجلال والإكرام.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23].

اللهم وفِّق إمامنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، ووفِّق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغنيُّ ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا، اللهم أغِثنا.

عباد الله:

(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )[النحل: 90].

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

]]>
es.islamcenter@gmail.com (mona) الله سبحانه وتعالى Tue, 20 Nov 2012 07:34:58 +0000
الحب في الله http://islam-centers.net/ar/about-islam/article-about-islam/40-2010-04-08-10-42-35/333-2012-11-19-16-18-23.html http://islam-centers.net/ar/about-islam/article-about-islam/40-2010-04-08-10-42-35/333-2012-11-19-16-18-23.html Normal 0 false false false EN-US X-NONE AR-SA

 الحب في الله

نبذة مختصرة عن الخطبة:

ألقى فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس - حفظه الله - خطبة الجمعة بعنوان: "الحب في الله"، والتي تحدَّث فيها عن الحب الواجب أن يكون بين المسلمين وهو الحب في الله - سبحانه وتعالى -.

الخطبة الأولى

الحمد لله، نحمده تعالى حق حمده - سبحانه - لم يزل بديعًا خلاَّقًا، أودعَ البريَّة مشاعرَ نوازِعَ وأشواقًا، وأعقبَها جزاءً وِفاقًا، ربِّي لك الحمدُ العظيمُ لذاتِك، حمدًا وليس لواحدٍ إلاَّكَ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تعمُر القلبَ إشراقًا، والروحَ ندًى وإيراقًا، وأشهد أن نبينا وحبيبَنا وسيدَنا محمدًا عبد الله ورسوله أزكَى العالمين أرُومةً وأعراقًا، صلَّى الله وبارَك عليه نهَلَنا من الحب الطهور كأسًا دهاقًا، وعلى آله الطيبين المُترَعين حنانًا وإشفاقًا، وصحابته الغُرِّ الذين انبَثَقَ بهم الحقُّ انبثاقًا، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ تنافُسًا في الجِنان واستباقًا، وسلَّم تسليمًا كثيرًا أبدَ الدهر رقراقًا.

أما بعد، فيا عباد الله:

اتقوا الله حقَّ تقاته، واعلموا أن تقواه أعظم مِصداق، وأقوى ميثاق، من استعصَم بها فاز وفاقَ،وحاز من البرِّ والخيرات أنفسَ الأطواق،  (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)  [البقرة: 197].

وأكثِر من التقوى لتحمَدَ غِبَّها  بِدارِ الجَزَا دارٌ بها سوف تنزِلُ

وسارِع إلى الخيرات لا تُهمِلَنَّها   فإنك إن أهملتَ ما أنت مُهمَلُ

أيها المسلمون:

في عالمٍ يموجُ بالفتن والأزمات، ويصطخِبُ بالمِحَن والمُتغيِّرات، وتبصُّرًا في خَلَجات النفس الإنسانية ومساتِرها السنيَّة تتبدَّى في إشراقٍ وبهاءٍ، ونضارةٍ وصفاءٍ صفةٌ أخَّاذةٌ بديعة، وقيمةٌ لشَدَّ ما هي خلاَّقةٌ رفيعة، جُبِل عليها الإنسان، واستقرَّت منه في مُغرورقِ الجَنان، في وارِفِ أفيائها أناخَت النفوس ركائبها، فحازَت شريف مآرِبها، ونَجَت من نزَوَاتها ومعاطبها، انطوَى عليها العُبَّاد والنبلاء، والزُّهَّادُ والأصفياء، والخاصةُ والدهماء.

وصفوةُ القول: إنها لم تُغادِر قلبًا إلا تصبَّتْه، ولا وِجدانًا إلا سبَتْه؛ بل اتَّصَف بها الباري - جل في علاه -، وكذا حبيبُه ومُصطفاه - صلى الله عليه وسلم -، تلكم - يا رعاكم الله - هي: صفة الحب والمحبة.

يقول - سبحانه -:  (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)  [المائدة: 42]، ويقول - عزَّ اسمه -:  (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي)  [طه: 39]، ويقول تعالى:  (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا)  [مريم: 96]، والوُدُّ: هو خالصُ الحب.

وفي منزلة الحب الأفيلة يقول العلامة ابن القيم - رضي الله عنه -: "هي المنزلة التي إلى عالمِها شمَّر السابقون، وعليها تفانَى المُحبُّون، وهي الحياة التي من حُرِمَها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقَدَه فهو في بحار الظلمات".

الحبُّ كم لبَّى له النُّبلاءُ         فتمايَلَت حاءٌ هناك وباءُ

أرَجٌ وِدادٌ ولهفةُ ذي ضَنَى        وتصبُّرٌ وتجمُّلٌ وصفاءُ

أيها المؤمنون:

أودعَ الباري - تعالى - في العقول معاقدَ الفهم والإدراك، وعضَّدَها بنصوص المنقول الدِّرَاك، ووشَّى الأفئدةَ بلواعِجِ العواطِف، والأشواق اللواطِف، فانتشَى الإنسانُ بحبُّ ما فُطِر عليه، لذلك كانت أشرف الأرواح وأصفاها أسناها محبوبًا وأسماها؛ كحب الرحمن الواحد الديَّان، وحب القرآن، وحب سيد ولد عدنان - عليه الصلاة والسلام -، وحب أوصاف الجمال والكمال، ومكارم الخِلال، ومحاسن الجَلال مما لا يُناسبُ إلا جواهر النفوس الزكيَّة،  (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ)  [البقرة: 165].

فالمراضي المرغوبة، والمحابُّ المطلوبة، والنوازِع المشبوبة لا تتفتَّقُ أزهارها إلا بأريجِ الحبِّ وبليجِ نسائمِه، فلله ما خالطَ هذا الخفقُ السنِيُّ النفوسَ إلا كساها من الغِبطة والنَّدَى أنضَر لَبُوس، وألقًا في الجوارح وسعادةً في الروح، وبهجةً تغدو في الحنايا ولا تروح، كيف وقد عُلِّق عليه الإيمان؟!

يقول - صلى الله عليه وسلم -: «ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا»؛ أخرجه البيهقي وغيره.

فهذا الحب المُجتمعي المُتقارب الذي حثَّ عليه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - هو من تآصُر الأمم غرائسها، ومن نهضتها نقادِسها، وما فرَّطَت فيه المجتمعات إلا بهَطَتْها المِحن، وضرَّستها الإِحَن.

فلا والحق! لولا الحب صارَت    قلوبُ الناس خاليةً يَبابًا

به ذُبْنا كأنسابٍ وذابَت        مواجِدُنا وقد كانت صِعابًا

إنه الحب الطهور المُطرَّز بالرِّقَّة العاطرة، والمشاعر المشبوبة الماطِرة في حنانٍ مُنساب، وإباءٍ غلاَّب، وتقاربٍ للوُدِّ سكَّاب؛ حيث ينطلق بين العالمين آشعةً للحق والهدى هادية، وسعادةً مُرتسمةً في المباسِم بادية، ومسرَّةً في السُّوَيْداء شادية، وذاك ترجمان قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجَدَ بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحبَّ المرءَ لا يُحبُّه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذَفَ في النار»؛ متفق عليه

أيها الأحبة الأوِدَّاء:

حيَّهلاً إلى مناجاةٍ للحبيب - صلوات الله وسلامه عليه - مشرقة بالضراعة والطمأنينة لاستدرار جيَّاش الحب والسكينة، ولكن أيَا قلوب المُحبِّين! لُطفًا أنصِتِي وعِي، ويا مشاعر تسمَّعي تسمَّعي.

دعا - صلى الله عليه وسلم - ربَّه قائلاً: «اللهم إني أسألك حبَّك وحبَّ من يُحبُّك وحبَّ العمل الذي يُقرِّبُني إلى حبِّك»؛ أخرجه الترمذي.

الله أكبر! أيُّ حبٍّ عظيمٍ هامِر زكيٍّ غامِر، أرشَفَنا إيَّاه المُجتَبى - بأبي هو وأمي - عليه الصلاة والسلام - القائل: «المرءُ مع من أحبَّ»؛ أخرجه مسلم في "صحيحه".

ونُشهِدُ الله أننا نُحبُّه ونحبُّ رسوله - صلى الله عليه وسلم - حبًّا يفوقُ حبَّ النفس والولد والوالد والناس أجمعين.

نبيَّ الهدى والعدل والحبِّ والنَّدَى          طوَى ذِكرُك الآفاق والأنجُم الزُّهْرا

نحبُّكَ حبًّا لا سبيل لوصفِه      تغلغلَ في أرواحنا طاهر المَسْرَى

إخوة الإيمان:

وبعد أن تأصَّل من تجبُ له محبَّةُ الجَنان، وتمثُّلها بالأركان، إنه من سبَى اللُّبَّ، وتسابَقَت لطاعته كتائبُ الحب: حبيبُنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، فإن آية ذلك خُبْرًا وخَبَرًا اتباعُ سنَّته واقتفاءُ سيرته في كل الأحوال كي ننعم بحب الكبير المُتعال

فيا أيها المُحبُّون:

أنَّى وعلامَ وكيف وحتَّاما يكون الحب المُؤصَّلُ الرَّصين، والمنهجُ النبوي الأمين، مدى الأعمار والسنين قصرًا على مُحدَثاتٍ ومخالفات، وانبِتاتٍ عن معين السنة البَلْجاء أيِّ انبِتات، ليت شِعري! إنه الحب الهَباء الأخفّ، وفي الموازين هو الأطَفُّ.

سَلْهم عن الحب الصحيح ووصفِه         فلسَوف تسمعُ صادقَ الأخبار

إحياءُ سنَّته حقيقةُ حبِّه         في القلب في الكلمات في الأفكار

أما البَوح الذي ترجَمَ نوابِض الإحساس، وجلَّى في خفَرٍ مقاصِد الأنفاس، فكان أشذَى من الآس: بَوحُ حبِّ صحابة الحبيب - رضي الله عنهم أجمعين -، وأزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين لحبيبهم - صلى الله عليه وسلم -.

وتلك معانٍ لا يعيها إلا صِحاحُ الوِجدان، ولا يُفسِّرُها إلا قاموس القلوب الترجمان، فالحبُّ الزاخِر بأزكَى العواطِف وأنبَل المشاعر خيرُ مهادٍ للتراحُم بين الآباء والأبناء، والزوجين الكريمين، وسعادة الأسرة دون مَيْن، ومشاعر الرِّضا والوِداد لا تنمو إلا في رياض الحبِّ ورُباه، ينأَى بها عن الإجداب العاطفيّ الذي تسعَّرَت به كثيرٌ من البيوتات جرَّاء ويلات الفضائيات ووسائل الاتصالات التي بثَّت كثيرًا من الزعازِع والفتن والتحدِّيات.

الحبُّ وردٌ في القلوب مُؤرَّجٌ      فسعادةٌ وتواصُلٌ وهناءُ

جمع الخِصالَ كريمَها وعزيزَها     وتتوَّجَت بأريجه الكرماءُ

فيا حملة الأقلام، ورادَة اللِّثام، ورجال الفكر والإعلام: لا بُدَّ من تأصيل ثقافة الحب والتَّحنان روحًا ووجدانًا، وتعامُلاً وتخاطُبًا وتبيانًا.

أما السماسرة الإمَّعات فهم الذين يُفسِدون الأفئدة والأذواق، ويُلوِّثون رقراق الأشواق بشباب الأمة وفتياتها بجراثيم الغرائز والفُجور، وقصص الإسفاف والتزييف والزُّور المطوِّحة في الأوحال والشرور، وقد تجسَّرت خائنةُ الأعين وما تُخفِي الصدور من الكيد والبُهتان، وسلب الحياء والامتهان، ويخدعون الأغرار مُختلسين منهم نفيس الأوقات والأعمار، بوَجْدٍ مُحرَّمٍ صفيق خدَّاعِ البريق، لا بهاء له ولا رحيق؛ بل مآلُه الويلُ والحريق.

إن هؤلاء والمُنحَطّ لدمارُ الجيل وداؤه، وشِقوتُه وبلاؤه، ولكن ها هو الجيلُ الواعدُ - بحمد الله - شبَّ عن الأطواق، ولاحَت مخايِلُ يَنْعِه وشموخه في الآفاق.

ألا فاتقوا الله - أيها المؤمنون -، وأفعِموا قلوبكم بحب الله ورسوله واعمروها، وزَكُّوها بالطاعات واغمُروها، تسعَدوا تفوزوا، وللهُدى تحُوزوا.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)  [آل عمران: 31].

اللهم إنا نسألك حبَّك وحبَّ رسولك - صلى الله عليه وسلم -، اللهم اجعل حبَّك وحبَّ رسولك - عليه الصلاة والسلام - أحبَّ إلينا من أنفسنا وأهلينا وأموالنا، ومن الماء البارد على الظَّمَأ، إنك خيرُ مسؤولٍ وأكرمُ مأمول.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولكافة المسلمين والمسلمات من جميع الذنوب والخطيئات، فاستغفروه وتوبوا إليه، إن ربي لغفورٌ رحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله، جعل محابَّه إلى الجِنان سبيلاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبد الله ورسوله اتخَذَه المولى صفيًّا خليلاً، من امتثَلَ حبَّه فيا بُشراه نَهَلَ من السعادة سلسبيلاً، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله الأطهار وصحابته الأبرار المُفضَّلين تفضيلاً، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ، صلاةً وسلامًا يتعاقبان بكرةً وأصيلاً.

أما بعد، فيا إخوة الإسلام:

ومن المحابِّ التي انعطَفَ إليها جَنانُ الإنسان فجَرَت في حناياه بأصدق الشعور وأهمَى الوِجدان: حبُّ البلاد والأوطان التي لا تُعمَر إلا في ظلال الكرامة والأمن والأمان، والعدل والنظام والاطمئنان، ولن يُوطَّد ذلك راسخَ الأركان إلا بالاعتصام بشِرْعة الديَّان، واجتنابِ الفُرْقة والنِّزاع والانقسام والعُدوان.

ألا فليكن منكم بحُسبان أن المواطنة الصالحة ليست هُتافاتٍ تُردَّد ولا شِعاراتٍ تُعدَّد؛ بل هي إخلاصٌ وإيجابيات وشفافيةٌ ومِصداقيَّات، وقِيمٌ ومبادئُ عصيَّاتٌ عن المُساومات، أبِيَّةٌ عن الإملاءات والتدخُّلات، معي الوعي بعواقب الأمور واعتبار والمآلات، وألاَّ يُعرَّض الأمنُ والاستقرار والمصالحُ العُليا في الأوطان للفوضى والفساد والاضطراب، ولا المُقدَّرات والمُكتسبات للنَّهْب والسَّلْبِ والاحتراب، وأن تتضافَر الجهود وتتَّحِد المواقف على حماية الأوطان ومُعالجة قضاياها بكل تعقُّلٍ وحكمة، وتفطُّنٍ ويقظةٍ لمكائد الأعداء ومطامِع الألِدَّاء، ولله درُّ القائل:

بلادي هواها في لساني وفي دمي يُردِّدها قلبي ويدعو لها فمي

ولا خيرَ فيمن لا يُحبُّ بلادَه    ولا في حليف الحب إن لم يُتيَّم

فيا أحبَّتنا الأكارم:

كونوا في تحقيق مصالح أوطانكم سُعاة، ولوحدة أطيافها رُعاة، ولدرء المفاسِد عنها دُعاة، ولرخائها واستقرار حُماة، تبلغوا المجدَ وتغنَموا، وتُحقِّقوا السُّؤدَد وتنعَموا.

حفِظَ الله بلادَنا بلاد الحرمين الشريفين وسائر بلاد المسلمين من مُضِلاَّت الفتن ما ظهر منها وما بَطَن، إنه قريبٌ مُجيب.

ألا وصلُّوا وسلِّموا - رحمكم الله - على النبي المُختار الأمين، قدوةِ المُحبِّين صلاةً وسلامًا أزكَى من الروح والرياحين، كما أمركم بذلك ربُّكم ربُّ العالمين فقال تعالى - قولاً كريمًا - في الكتاب المبين: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)  [الأحزاب: 56].

فصلِّ ربِّ وسلِّم كلَّ آونةٍ       على المُشفَّع وانشُر هديَه فينا

وآلهِ الغُرِّ والأصحابِ من حفِظوا عهدَ النبي وبَرُّوه مُوفِّينا

اللهم صلِّ وسلِّم على الحبيب المُجتبَى، والرسول المصطفى، وعلى آله الطيبين وصحابته الغُرِّ الميامين، وارضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك ورحمتك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأدِم الأمن والاستقرار في رُبوعنا، اللهم من أرادنا وأراد عقيدتنا وقيادتَنا وبلادَنا وأمنَنا بسوء فأشغِله بنفسه ورُدَّ كيدَه في نحره، واجعل تدبيره تدميرَه يا سميع الدعاء.

اللهم احفظ هذه البلاد وسائر بلاد المسلمين حائزةً على الخيرات والبركات، سالمةً من الشرور والآفات، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أيِّد بالحق إمامنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقه لما تحب وترضى، وخُذ بناصيته للبر والتقوى، وهيِّئ له البطانة الصالحة التي تدلُّه على الخير وتُعينُه عليه.

اللهم إنا نلهجُ إليك بأوفر المحامد وأسناها، وبذُرَى الشكر وأرقاها على مننتَ به على عبدك خادم الحرمين الشريفين من مطارف الصحة والسلامة والإبلال يا ذا المِنَّة والجلال، اللهم وكما أسبغتَ عليه ثيابَ الصحة الضافية وحُلَل السلامة والعافية اللهم فأدِم عليه من حُلل العافية أضفاها، ومن ثياب الصحة أوفاها، ونضرعُ إليك يا الله أن تُعيدَه إلى وطنه وذويه وشعبِه ومُحبِّيه مُكلَّلاً بتمام العافية، وحُلل السلامة الضافية.

اللهم وفِّقه ونائبه والنائب الثاني وإخوانهم وأعوانهم إلى ما فيه صلاح العباد والبلاد.

اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم احقِن دماءهم، واحفَظ أموالهم وأعراضَهم يا رحيم يا رحمن.

اللهم احفظ مصر وأهلها من كل سوءٍ ومكروه، اللهم احفظ مصر الإسلام والتأريخ والكِنانة.

كِنانةُ الله لا حزنٌ ولا وهَنُ      فلا تبيتي على همٍّ وتبتئسِي

كم أنجَبَت دوحةُ الإسلام من علمٍ        وألَّقَت في هزيعِ الليل من قَبَسِ

اللهم جنِّب إخواننا المسلمين في كل مكان الفُرقة والفتن وأوائل المِحن، وأطفِئ عنهم شرارة الفتن وضراوة الإحَن، وارزقهم رأيًا سديدًا وفعلاً رشيدًا في ظل الكتاب والسنة يا ذا العطاء والمِنَّة، اللهم احفظ أمنهم واستقرارهم ورخاءهم وازدهارَهم، اللهم اجعلهم في أمنٍ وأمان، اللهم اجعلهم في أمنٍ منك وضمان، وإيمانٍ وإحسان، اللهم احفظنا وإياهم من شر الأشرار، وخطير الأخطار، وشر طوارِق الليل والنهار.

اللهم خُذ بأيدينا في المضائِق، واكشِف لنا وجوه الحقائق، اللهم رُدَّ عنا وعن بلادنا وعن سائر بلاد المسلمين كيدَ الكائدين ومكر الماكرين، واحفظنا من الفتن والبلايا والمِحَن والرَّزايا، واجعل لنا وللمسلمين من كل همٍّ فَرَجًا، ومن كل ضيقٍ مخرَجًا، ومن كل بلاءٍ عافية، واحفظنا من بين أيدنا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا، ونعوذ بعظمتك اللهم أن نُغتال من تحتنا.

اللهم احفظ المسجد الأقصى، اللهم احفظ المسجد الأقصى، اللهم احفظ المسجد الأقصى من عدوان المُعتدين، وكيد الصهاينة المُحتلِّين الغاصبين يا ذا الجلال والإكرام.

 (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)  [البقرة: 201].

 (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)  [الحشر: 10]، ربنا تقبَّل منا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مُجيب الدعوات.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

]]>
es.islamcenter@gmail.com (mona) الله سبحانه وتعالى Mon, 19 Nov 2012 16:17:55 +0000